الإسمنت و«مصلحة المستهلك» على أيدي الرسميين!
عادل إبراهيم عادل إبراهيم

الإسمنت و«مصلحة المستهلك» على أيدي الرسميين!

تم رفع سعر الإسمنت مؤخراً باسم «مصلحة المستهلك»، فقد «وافقت اللجنة الاقتصادية على مذكرة وزارة الصناعة المتضمنة تكاليف إنتاج طن الإسمنت»، وقد أصبح سعر كيس الإسمنت بحدود 3500 ليرة.

باتت عبارة «مصلحة المستهلك» شمّاعة تعلق عليها الكثير من القرارات الرسمية التي لا علاقة لها بهذه المصلحة لا من قريب ولا من بعيد، بل من الناحية العملية فإنها أصبحت تشكل ضرراً مباشراً على هذه المصلحة، وعبئاً إضافياً على المواطنين عموماً.
فأين هي مصلحة المستهلك عندما يتكبد المزيد من الإنفاق على حاجاته وخدماته وضروراته عملياً؟

من النفي إلى الإضرار بمصلحة المستهلك

بداية لا بد من الإشارة إلى تصريح وزير الصناعة منتصف شهر حزيران الفائت المتضمن «نفي كل ما يشاع عن ارتفاع أسعار الإسمنت، مؤكداً أنه ما يزال معمولاً بالسعر القديم وهو مستقر»، وذلك بحسب ما نقل عبر وسائل الإعلام بحينه.
كذلك تجدر الإشارة إلى تصريح وزير التجارة الداخلية وحماية المستهلك مطلع الشهر الجاري حول فروقات الأسعار لمادة الإسمنت بين العام والخاص والسوق السوداء، وقوله: إن «تحديد أسعار الإسمنت تم بشكل دقيق بالتوافق مع وزارة الصناعة.. بحيث لن يكون هناك رفع كبير بالأسعار، وإنما النسبة ستكون ضئيلة ولمصلحة المستهلك».
الترجمة العملية للتصريحين أعلاه بالمقارنة مع السعر الجديد الذي تم إقراره توضح أن استقرار سعر الإسمنت ذهب أدراج الرياح، وكذلك نفي الوزير لرفع السعر، على الطرف المقابل لم تكن نسبة الرفع في السعر ضئيلة بحسب التصريح الرسمي، ولم تحقق مصلحة المستهلك من الناحية العملية، بل شكلت ضرراً على هذه المصلحة.
على سبيل المثال: فقد حدد القرار سعر طن الإسمنت البورتلاندي الأسود عيار 32,5 للمستهلك بعد إضافة رسم الإنفاق الاستهلاكي وحصة الصندوق المعدل للأسعار، وعمولة مؤسسة عمران /66900/ ليرة، وبعد إضافة الرسوم المكانية، ورسم إعادة الإعمار يصل السعر إلى حدود 70000 ليرة تقريباً على المستهلك، وبواقع 3500 للكيس بوزن 50 كغ، بينما كان سعر هذا الكيس بحدود 2300 ليرة تقريباً، وسعر الطن بحدود /46000/ ليرة.

السعر الرسمي تجاوز سعر السوداء

سعر كيس الإسمنت في السوق السوداء قبل الرفع الأخير كان قد وصل إلى حدود 5000 ليرة، ولا ندري أين سيصل هذا السعر بعد التعديل الأخير على السعر الرسمي.
فمن دون شك ستستشيط السوق السوداء وفقاً للسعر الرسمي الجديد، وبالنسبة والتناسب قد يصل سعر السوق السوداء إلى 150000 ليرة لكل طن، وبواقع 7500 ليرة لكل كيس إسمنت.
ولا رهان بهذا المجال طبعاً على عمليات الرقابة والمتابعة على الأسواق، فلو كان لها دور إيجابي حقيقي لما وصلت حال الفلتان إلى ما وصلت إليه خلال كل السنوات السابقة، وحتى الآن على مستوى الأسعار والمواصفات عموماً، كما على مستوى امتداد واستطالة شبكات السوق السوداء، المدعومة أو المسكوت عنها فساداً، والتي تتحكم بالكثير من السلع والمواد في الأسواق، وخاصة الرئيسة منها.

إعاقة جديدة لاستعادة الاستقرار

المفروغ منه، أن رفع سعر الإسمنت الرسمي الأخير سيؤثر على أسعار العقارات عموماً، فمن المفروغ منه أن يقوم سماسرة وتجار العقارات باحتساب وإعادة احتساب تكاليفهم وفقاً لكل زيادة على سعر أي مكون من مكونات هذه التكلفة وبحسب نسبتها، طبعاً مع إضافة هوامش أرباحهم الإجمالية التي تتزايد أيضاً وفقاً لهذه النسب، وكذلك ربما ترتفع بدلات الإيجار أيضاً.
والأهم، أن الرفع الرسمي الأخير سيؤثر على تكاليف عمليات الترميم والصيانة التي يعمل عليها المواطنون تباعاً، بحسب إمكانات كل منهم، بما يخص بيوتهم المدمرة كلياً أو جزئياً في البلدات والمناطق التي تعرضت للقذائف خلال سنوات الحرب، واضطروا للنزوح عنها، مع الأخذ بعين الاعتبار ما طرأ من رفع لأسعار بقية مواد البناء والإكساء عموماً خلال الأشهر القريبة الماضية، وكذلك أجور اليد العاملة بمجالات البيتون والإكساء.
والنتيجة، أن البعض من المواطنين لن يستطيعوا استكمال عمليات الترميم التي بدأوها، وبالتالي لن يتمكنوا من العودة لبيوتهم، والبعض الآخر سيستنكف عن عمليات الترميم التي كانوا ينوون البدء بها أيضاً، نظراً لضيق ذات اليد بالمقارنة مع التكاليف التي ترتفع بين الحين والآخر.
وبكل اختصار يمكننا القول إن معيقات عودة المواطنين لمناطقهم وبلداتهم ولبيوتهم بحثاً عن استعادة الاستقرار بحدوده الدنيا، تساهم فيها الكثير من القرارات الرسمية بالعمق، بشكل مباشر وغير مباشر، والأكثر من ذلك، أن هؤلاء لن يتمكنوا من الاستقرار في البيوت التي استأجروها مؤقتاً أيضاً بسبب مطالبتهم بزيادة بدلات الإيجار بالتوازي مع موجات ارتفاعات الأسعار التي تساهم فيها القرارات الرسمية أيضاً.

ماذا عن المؤسسات الحكومية؟

من المفروغ منه أيضاً، بعد الرفع الأخير لسعر الإسمنت، وما سبقه أو سيليه من رفع لأسعار بقية مواد البناء، أن تقوم المؤسسات الحكومية التي تنفذ بعض المشاريع الإنشائية والسكنية من إعادة دراسة تكاليفها وفقاً لنسب رفع الأسعار على هذه المواد.
ولعل ما يعني المواطنين بهذا المجال، مثلاً: كيف ستترجم المؤسسة العامة للإسكان هذه الزيادات من خلال إعادة دراسة تكاليفها على المشاريع السكنية التي تقع بعهدتها ومسؤوليتها منذ زمن (شبابي- عمالي- ادخار)، حيث ستكبد المواطنين المكتتبين على هذه المشاريع السكنية بفروقات الأسعار، كما جرت العادة طبعاً وبكل راحة ضمير، بعيداً عن كل اعتبارات تأخرها في التنفيذ الذي يدفع ضريبته هؤلاء المكتتبين أولاً وآخراً!
فهل رأيتم كيف يترجم الرسميون «مصلحة المستهلك» عبر قراراتهم؟!

معلومات إضافية

العدد رقم:
981
آخر تعديل على الإثنين, 31 آب/أغسطس 2020 12:58