«جوبر» لم ترَ النور بعد
دعاء دادو دعاء دادو

«جوبر» لم ترَ النور بعد

انتهت سنوات الحرب والقذائف والصواريخ في أغلب المحافظات والمناطق السورية، ومن المفترض أنه بعد استعادة السيطرة على أية منطقة أو حي من المجموعات المسلحة، أن تبدأ الجهات الخدمية «الورشات» بالعمل لإعادة الحياة إلى تلك المناطق والأحياء المنكوبة، التي تمّ تدميرها كلياً أو جزئياً لضمان عودة الأهالي إليها...

وبالفعل، فقد عملت الورشات في أغلب المناطق السورية المتضررة والمهدمة جزئياً أو كلياً، وخاصةً في العاصمة السورية «دمشق» وفي ريف دمشق أيضاً، بالرغم من عدم استكمالها حتى الآن، وبالرغم من بعض الملاحظات الأخرى. 

لكن هذه الأعمال، وكما هو ملاحظ عند الجميع وخاصةً «أهالي جوبر» لم تشمل منطقتهم، فقد بقيت هذه المنطقة وكأنها الوحيدة في العاصمة دمشق التي لم يشملها أي بصيص أمل بلم شمل أهاليها وعودتهم لبيوتهم، وكأنه من المقسوم لـ «جوبر» من نصيب أن تبقى حلماً في عقول سكانها، وأن يبقوا مهجرين حتى بعد التخلص من المسلحين فيها.

طبعاً لا يغيب عن الذهن أن حي جوبر لم يستثنَ من عمليات التعفيش والسرقة لمنازله ومحتوياتها من عفش منزلي وكهربائيات وغيرها مما يمكن بيعه، على حساب وجع وقهر وتشريد أهله. 

واليوم، يعيش أهالي جوبر مرحلة صعبة جداً لعدم وجود أي بصيص أمل بالعودة إلى منازلهم.

الاستثناء بـ «الدقيقة»

لقد باتت جوبر ليومنا هذا هي المنطقة الوحيدة- ربما في الأحياء الدمشقية والريف الدمشقي القريب أو البعيد- مُغلقة، ولا يسمح لأحد من أهلها الأصليين أو من مالكي المنازل هناك، أو المستأجرين السابقين، من الدخول إليها إلا باستثناءات، تترافق أحياناً بـ«إتاوات»، كي يستطيع أحد ما من زيارة المنطقة لمدة لا تتجاوز الـ 10 دقائق، حيث يتراوح المبلغ حسب ما قاله أحد سكانها بين الـ 10 والـ 15 ألف ليرة سورية، مع مرافقة أمنية طبعاً وعلى مسؤوليته الشخصية، بحيث يحق له النظر لمنزله فقط، دون التجول في الحي، وطبعاً دون استخدام الكاميرات أيضاً.

تصريحات لا تُسمن ولا تُغني..

كشف مدير التخطيط والتنظيم في محافظة دمشق لـ«تشرين» بتاريخ 30 تموز 2020 «أن مصور منطقة جوبر قيد الدراسة حالياً في المعهد العالي للتخطيط الإقليمي بجامعة دمشق، وبدأ العقد معهم منذ الشهر الثاني لهذا العام، وهذه الدراسة عبارة عن أربع مراحل، وحالياً أُنجزت المرحلة الأولى وعرضت على المحافظة».

أي أن الحديث عن المخطط التنظيمي لمنطقة جوبر ما زال قائماً، علماً بأن الحديث عن هذا المخطط ليس منذ أشهر، بل كان الحديث عن وجوده منذ عام 2018.

فحسب كلام سابق لمحافظة دمشق، أنه من المخطط البدء بوضع مصور لعدة مناطق، ومنها منطقة «جوبر» في عام 2018 على أن يتم الانتهاء من إعداد الدراسات مع نهاية عام 2019. 

وحسب صحيفة «تشرين»، فقد كلف مجلس الوزراء في تموز 2018 وزارة الأشغال العامة والإسكان بإنجاز مخططات تنظيمية جديدة لمناطق جوبر وبرزة والقابون ومخيم اليرموك بدمشق، يتم من خلالها مراعاة خصوصية كل منطقة وفقاً لمقوماتها العمرانية والصناعية والحرفية.

واليوم، في النصف الثاني من سنة 2020 لا وجود لأية بادرة خير بالبدء بأية مرحلة من تنفيذ المخطط التنظيمي، علماً بأن بعض أحياء منطقة «جوبر» منظمة وقائمة على مخطط تنظيمي سابق، إضافةً إلى ذلك فليست المنطقة الوحيدة التي وجد فيها أنفاق، ولكنها ربما المنطقة الوحيدة التي وضعت هذه الأنفاق ذريعة لغاية ما حتى الآن! 

الغاية تبرر الوسيلة..

بحسب ما تمّ تأكيده من قِبل محافظة دمشق مؤخراً «عن عزمها دراسة مخططات لتنظيم مناطق مخالفة في دمشق ومحيطها، بحيث يتم في كل عام دراسة منطقة عشوائية معينة، مشددةً على أنه لن تبقى أية منطقة مخالفة دون تنظيم ولو بعد 50 عاماً».

والحديث عن المصور التنظيمي والمخططات ما زال مجرد كلام بكلام، بالرغم من كثرة الحديث والتصريحات عن بلدة جوبر إلا أنه لا يوجد أي شيء ملموس على أرض الواقع.

ولا يخرج الحديث عن المخطط التنظيمي «النظري» عن التسويف بعودة الأهالي إلى بيوتها، ناهيك عن الوقت والتاريخ لوضع هذا المخطط والبدء في تنفيذه.. 

وأمام هذا الواقع نتساءل مع الأهالي:

من سيقوم بمد يد العون لأهالي حي جوبر؟

ما هو عدد السنوات المفروضة لعودة هؤلاء لبيوتهم؟

من سيتحمل عبء آجار المنازل التي لم تكن في الحسبان، وقد طال الانتظار؟

أسئلة كثيرة والإجابة واضحة.. لا أحد.

كالعادة المواطن هو من يدفع ثمن ذنوب حكومته والفاسدين والحيتان، وبالإجبار ليس بإرادته!

«أملٌ يأتي وآخر يتبدد».. 

على الأمل والأحلام يعيش أهالي منطقة «جوبر»، فمن المُلاحظ أن الحالة مستعصية في هذه المنطقة، ولا أمل في وعود محافظة دمشق بعودة أهاليها إليها، لا بالوقت القريب ولا بالوقت البعيد.

جوبر مُغلقة لأسباب واضحة ومعروفة لدى الجميع، فقد دخلت حيّز الاستثمار لحساب القائمين والمسؤولين وتجار الحرب والفاسدين والسماسرة وتجار العقارات وغيرهم، وكالعادة على حساب المواطن المُهجر من منزله وعلى حساب «جيبته» التي أنهكتها آجارات المنازل.

على ما يبدو أن منطقة جوبر أصبحت وقفاً أسوأ من حال منطقة «خلف الرازي» مثلاً، التي لا يزال مستقبل أهلها قيد الوقف بالمحصلة لمصلحة كبار حيتان الفساد والمال، المستفيدين دائماً وأبداً من كل الإجراءات الرسمية وغير الرسمية، بغض النظر عن جميع الأعذار والوعود والتبريرات الخُلبية للقائمين على ذلك.

يقول نجيب محفوظ: «إننا نستنشق الفساد مع الهواء، فكيف تأمل أن يخرج من المستنقع أمل حقيقي لنا؟!» وهذا هو حال أهالي منطقة جوبر في هذه المرحلة.

معلومات إضافية

العدد رقم:
980
آخر تعديل على الأربعاء, 26 آب/أغسطس 2020 14:34