غزو الاستثمار للحدائق العامة مستمر..
نوار الدمشقي نوار الدمشقي

غزو الاستثمار للحدائق العامة مستمر..

غزو استثماري ريعي جديد على حساب الحدائق العامة في دمشق، أفسحت له المجال محافظة دمشق مؤخراً في كل من حديقة المدفع في منطقة الروضة، وحديقة الطلائع في منطقة المزة، وهذه المرة تحت عنوان: «إنشاء واستثمار مرآب للسيارات».

التعدي على الحدائق العامة ليس جديداً، وتجيير هذا التعدي لمصلحة البعض من أصحاب رؤوس الأموال أصبح سائداً، أما عن الحقوق الضائعة للمواطنين في هذه الحدائق فحدث بلا حرج، فقد أصبحت هذه الحقوق في مهب رياح الاستثمار الريعي، استغلالاً وفساداً.

تفاصيل متشابهة

ورد على موقع محافظة دمشق إعلانان منفصلان تحت عنوان «إعلان طلب عروض داخلي»، وكلاهما يعبران عن رغبة المحافظة «بطلب عروض لإنشاء واستثمار مرآب للسيارات بطريقة BOT»، ومؤرخان في 9/8/2020.

المشروع الأول: سينفذ تحت حديقة المدفع في منطقة الروضة. والثاني: سينفذ تحت حديقة الطلائع في منطقة المزة بحسب مضمون الإعلانين، وكلاهما بمدة تنفيذ /730/ يوماً، ولمدة استثمار /25/ سنة ميلادية.

وقد تضمنت الإعلانات بعض الشروط التعاقدية الأخرى، منها: أن بدل الاستثمار المستحق للإدارة يحدد بمبلغ مقطوع سنوي.

والاختلاف بين الإعلانين كان بقيمة التأمينات الأولية، وبتاريخ آخر موعد لتقديم العروض فقط، وما عدا ذلك يمكن القول: إن الإعلانين متشابهين تماماً.

مشاريع مربحة على حساب المواطنين

من المفروغ منه، أن مثل هذه المشاريع الاستثمارية تعتبر مستقطبة لأصحاب رؤوس الأموال المحظيين كونها مضمونة الأرباح أولاً، وكونها طويلة المدة ثانياً، ونظراً لمواقعها الاستراتيجية ثالثاً، خاصة وأن دمشق بحاجة فعلاً للكثير من المرائب بسبب تزايد أعداد السيارات فيها.

لكن أمر التعدي على الحدائق وعلى حقوق المواطنين فيها فهذا شأن آخر.

فماذا يعني أن تطول مدة التنفيذ إلى 730 يوماً؟

هذا يعني، أن حق المواطنين في هذه الحدائق سيعلق لمدة عامين على أقل تقدير، بسبب دخول الآليات لمباشرة العمل على تنفيذ هذه المرائب تحتها، مع ما يتبع ذلك من أضرار ببنيتها الحالية، طبعاً هذا في حال استكمال تنفيذ المشروع خلال هذه المدة، ولم يتوقف لسبب أو لآخر، ولنا في حدائق دمشق تجارب سابقة بهذا الشأن، مثل: حديقة السبكي التي قلبت رأساً على عقب في مرحلة سابقة.

بانتظار ما ستسفر عنه نتائج فض العروض لدى مكتب رئيس لجنة المناقصات بحسب مضمون الإعلانات أعلاه، ومن هم المستثمرين المحظيين، والأهم: عسى أن تتسرب بعض التفصيلات التعاقدية الأخرى تحت شعارات تشجيع الاستثمار، والتي قد تتضمن المزيد من التعدي على الحقوق!

تجاوز الحقوق لمصلحة أصحاب الأرباح

الشاذ في كل الأمر، أن محافظة دمشق تعتبر الحدائق العامة من أملاكها، وهي بالتالي تبحث من خلال عروضها الاستثمارية، فيها أو تحتها أو فوقها، على العوائد المادية، دوناً عن الحقوق المصانة للمواطنين بهذه الملكيات العامة.

فعمليات التعدي على الحدائق في دمشق أصبحت أمراً أكثر من مباح على أيدي المحافظة (مطاعم- مقاهي- ملاهي- أكشاك- فعاليات..)، بل أكثر من ذلك أصبحت المحافظة تتعامل مع الوجائب والأرصفة من بوابة الملكية الخاصة بها، وفقاً لمنطق العائد الاستثماري أيضاً، وطبعاً كل ذلك يصب في مصلحة بعض أصحاب الرساميل الباحثين عن أعلى وأسرع الأرباح من جيوب المواطنين، وعلى حساب حقوقهم.

ولعل محافظة دمشق ليست الوحيدة التي تتعامل مع الحدائق والوجائب والمرافق العامة من بوابة الملكية القابلة للاستثمار والبحث عن العائد من خلالها، فكل المحافظات الأخرى أصبحت تعمل على هذا السياق نفسه بالتعدي على الحقوق أيضاً من بوابات الاستثمار ومصالح المستثمرين.

وربما آن الأوان للبحث جدياً عن مشروعية وقانونية تصرف المحافظة بهذه الملكيات والمرافق العامة على هذا الأساس، والتي تخص المواطنين وحقوقهم أولاً وآخراً، ومن المفترض أنها مصانة دستوراً وقانوناً.

معلومات إضافية

العدد رقم:
980
آخر تعديل على الأربعاء, 26 آب/أغسطس 2020 14:32