«ضاحية البعث» مثالٌ مصغّرٌ على النظام المهترئ للخدمات

«ضاحية البعث» مثالٌ مصغّرٌ على النظام المهترئ للخدمات

«أنام ملء جفوني عن شواردها ويسهر الخلق جرّاها ويختصم». في الواقع، هي حال 3 عوائل من سكان ضاحية البعث فقط، ومعهم المسؤولين عن خدمات الكهرباء والمياه والنقل والمجتمع.

فإذا ما استثنينا هال3 عيل اللي عندن مولدات ما بتنطفي، ومي فيجة، وسيارات خاصة، فجميع من تبقى من سكان ضاحية البعث عايفين التنكة وكرهانين عيشتن، والأسباب الرئيسة هي: نقص الكهرباء الخانق، وتردي نوعية المياه المخلوطة بالصرف الصحي، وفقدان المواصلات.

نقص الكهرباء الخانق

ضاحية البعث تقع على المتحلق الشمالي عند مفرق السليّمة المؤدي إلى ضاحية الأسد من جهة، وجسر بغداد من جهة أخرى. تابعة إدارياً لمنطقة التل. تتألف من حوالي 760 شقة، وهي ضاحية متوسطة إلى شديدة الكثافة السكانية بالمقارنة مع غيرها من الضواحي المنظمة، فمن الطبيعي تلاقي فيها 3 أو 4 أسر ساكنين بشقة واحدة. ورغم هيك، فهي ضاحية شبه محرومة من الكهرباء. يعني في الوقت اللي بيكون في «بحبوحة» كهربا بمناطق أخرى، بتضل الكهربا بالضاحية تقنين 3 ساعات، وصل 3 ساعات. بس وقت اللي بيصير في «ضغط» كهربا، متل ينقطعلو خط غاز، أو ينضرب خط فيول، أو تطلع محطة عن الخدمة، فوراً بتكون الضاحية ضحية التقنين الجائر اللي بيوصل لمرحلة 6 ساعات قطع وساعة ونص كهرباء.

بالعموم سرقة الكهرباء داخل الضاحية قليلة أو شبه معدومة، باستثناء «المتنزهين العامين» اللي ح نحكي عنن لاحقاً. بس السرقة واستجرار الكهرباء الجائر يمكن بيتم بالفلل والمزارع اللي بتحيط بالضاحية، واللي عقولة المثل «فرفور ذنبو مغفور» سواء بالكهربا أو بحرق العشب والزبالة اللي بيخلي مساءات الضاحية دخانية. وقت تعطل الكهربا سيارة الطوارئ بتجي، مو أنو ما بتجي، بس المشكلة بأنو الكهربا ما بتجي ويستمر مسلسل الحرمان.

لما بتسأل حدا من سكان الضاحية عالسبب، بتتعدد الإجابات، وخاصة أنو بيفصل بين ضاحية البعث وضاحية الأسد تلّة، والوضع في ضاحية الأسد ما بيشبه لا من قريب ولا من بعيد. وفي أوتستراد بيفصل كمان بين ضاحية البعث وضاحية الفردوس أو البحوث، وكمان هونيك الوضع خمس نجوم بالمقارنة بالضاحية. وحتى بمناطق المخالفات القريبة الوضع ممتاز بالمقارنة بالضاحية.

بالنهاية التفسير أنو بضاحية الأسد وبضاحية البحوث في عالم ساكنين صوتن مسموع إذا صرخوا ليش هالحرمان، بينما بالضاحية ما في هيك صوت والصريخ بيضيع مع صوات السيارات عالأوتستراد، أو بأحسن حالاتو بيلتقى مين يسكتو بدون شوشرة.

مي حلوة بطعم المجاري

عنفس مبدأ كل مين إيدو إلو، ما في تنظيم يخلي مؤسسة المياه تحذر السكان لا عن طريق فيسبوك ولا عن طريق إعلان عند المختار ولا بلافتة عند المدخل ولا حتى إعلان ينادي عليه الجامع، عن أنو في مشكلة اختلاط مي حلوة بالصرف الصحي. مع أني لهلق ما فهمت كيف بتصير هيك شغلة مكررة، بس ما بتلاقي غير بتفتح الحنفية لتعبي كاسة مي وإذ بريحة مجارير بتطلع. وبتبلش ركد لتقطع المي عن الخزان وتفضي الخزان وتحط كلور حمامات، لأنو قراص فلور أو كلور المي صار سعر القرص 3000 ليرة أو أكتر وبيكفي بس برميل مي.

وبعد ما تعمل كل هالأشياء، بتضطر تشتري بيدون مي فارغ بسعر 3500 ليرة لأنو ما عاد يكفي بيدون واحد تضل تنتعو طالع نازل. وبتتحول مشكلتك من مي كلسية زيادة لمي ملوثة ممكن تضطر تفوتك عالمشافي، ومين هلق حمل يفوت عالمشافي؟

وأنت عبتتعمشق عالسطوح لتوصل للخزان (السطح بدون درج)، لأنو وقت أنشأوا البناء ما خطرلن أنو الواحد بيضطر يطلع عالسطح فوق الـ 5 مرات ليكشف عالخزان، بتوقف هيك بشكل درامي وبتحكي مع حالك وأنت عبتحسد اللي هاجرو بالبلم: «اللي طفشوا من هالبلد قديش كسبو حياتن؟ واللي مات منن بالبحر أو مات بالحرب قديش ارتاح من هيك عيشة؟».

معزولون

أول شي بيستوقفك الصبح وأنت نازل من الضاحية كمية الناس اللي واقفة عالمفرق، ناطرة سيارات عابرة تاخدها بطريقا، أو شي مكرو مغامر مغير خطو طبعاً لياخد زيادة عالراكب.

ضاحية البعث ببساطة ما فيها نقل عام يوصل بينها وبين الشام اللي هي من ضواحيها. فيها كم ميكرو حرامية اسمن «نقل داخلي» بيوصلوك عالتل وما بيكملو طريقن حتى، ومن هونيك بدك تركب مكرو تاني عالشام، ومن هونيك بتروح بمكرو تالت على وجهتك جوا الشام.

هي المشكلة مو جديدة، وبترجع لقبل 2011 بكتير. وفي فترة 6 شهور أو أكتر شوي بعام 2010، قررت الشركة العامة للنقل الداخلي تخصص 4 باصات خضر بتطلع من جسر الرئيس للضاحية ولكلية العلوم السياسية (جامعة الشام الخاصة حالياً لمالكها حزب البعث). للحق بوقتا انحلت مشكلة الضاحية بالنقل بشكل كبير، وصاروا الناس يزبطو أوقات نزلتن وطلعتن مع أوقات الباصات. لكن للأسف، يا فرحة ما كملتش. أول ما بديت أحداث 2011 أجو الأمن وأخدو الباصات وانلغى الخط.

السكان، قبل 2011 وبعدا، طلعوا برئاسة مختار الضاحية وقدموا عرائض وشكاوى للبلدية وللجهات التانية المختصة، ودائماً كانوا يوعدون خير، وما ينفذوه لهالخير. وسبب عدم تنفيذ هالخير مابدو كتير حربقة: ع الأغلب في مين عبيستفيد من عدم وجود مواصلات، وهدول بيعرفو يخلو صحاب القرار بتخصيص مكاري أو باصات خضر للضاحية رضيانين.

خصخصة واستثمار

وقت تعمرت الضاحية، كان من ضمن تنظيمها في حدائق عامة لسكان الضاحية، تحديداً 3 حدائق. بس لأنو رأس المال أهم من البشر، فدائماً القوانين تتواطأ مع صحاب رأس المال. أول حديقة تم اقتطاع جزء منها لبناء مدرسة، بس هي المدرسة ما صارت مدرسة عامة ثانوية متل ما كانوا مخططين، لأ تحولت لروضة أطفال خاصة.

الباقي من الحديقة المقتطعة تحول لمنتزه استثمار، حطو فيه ألعاب أطفال غير آمنة وغير ودية، وصوات أغاني مستفز طوال النهار والليل تقريباً، وخاصة بفترات العطل. وطبعاً فيكن تتخيلوا أنو بهيك أماكن لا احتياطات كورونا ولا غيرها. ووقت تدق للشرطة ففيك تتخيل الردود.

الحديقة التانية تم إلغائها وبناء محضر محلها، حديث بالمقارنة مع المحاضر المبنية. والحديقة التالتة كمان تحولت لمتنزه صار مكان لحفلات الأعراس أو مكان لتجمع موبوء اجتماعياً. وقت عادة يتشاكلو الشباب، وهو وضع طبيعي للمراهقين، فالمفروض تخلص بشوية عياط أو شوية لمة ليجو الكبار ويفكوها. بينما بالضاحية آخر مرة تشاكلو الشباب طلعت بواريد وسلاح، تبيّن وقت أجو الشرطة أنو بيشتغلو مع الدفاع الوطني مدري مع أية جهة.

الخدمات بالضاحية مثال صغير على البنية المهترئة للخدمات عموماً، ولازملا حل جذري.

معلومات إضافية

العدد رقم:
980
آخر تعديل على الأربعاء, 26 آب/أغسطس 2020 14:30