الحسكة.. قطع المياه جريمة حرب وليست مسألة انسانية فقط
قطع المياه عن أكثر من مليون انسان في محافظة الحسكة لمدة تتجاوز ثلاثة أسابيع متواصلة من قبل قوات الاحتلال التركي ليست مسألة انسانية تستدر حال التعاطف أو موقف الإدانة فقط، بل ترقى لتكون بمثابة جريمة حرب.
الوضع في محافظة الحسكة على إثر جريمة قطع المياه عن المواطنين لا يمكن وصفه بالسيئ، بل هو أكثر وأعمق من ذلك بكثير، خاصة مع انتشار جائحة الكورونا التي تتطلب الوقاية منها أول ما تتطلبه توفر المياه من أجل عوامل النظافة الفردية بالحد الأدنى!.
ليست المرة الأولى التي تلجأ فيها قوات الاحتلال التركي إلى هذا الإجراء، ذي الطبيعة والبعد الاجرامي، المتمثل بوقف الضخ في محطة علوك، بل سبق أن فعلتها مرات سابقة عديدة ولأيام متتالية أيضاً، لكن هذه المرة تزامن القطع مع طول فترته بالتوازي مع حر الصيف وجائحة الكورونا.
طوابير الانتظار الممتدة اتساعاً وزمناً من أجل الحصول على قطرات الحياة، من بعض المناهل المتوفرة على قلتها، كي تكنس شوك العطش في الحلوق الجافة أصبح مألوفاً مع كل بؤسه، ولا يمكن إغفال بعض المشاكل التي تحدث جراء الازدحام.
البديل المتاح وغير الكافي بالنسبة للمواطنين، بسبب غياب أي جهة يمكن الاعتماد عليها لحل هذه المشكلة الكبيرة (حكومية أو "إدراة ذاتية")، كان عبر الاعتماد على صهاريج المياه المتوفرة، ومن الناحية العملية فإن هذه الصهاريج تعتبر عاجزة عن تأمين كل الاحتياجات في المحافظة بسبب عدم تناسب عددها مع المساحة المطلوب تغطيتها، برغم تواصل عملها في النهار والليل، وما يتبع ذلك من استغلال مضاعف من قبل أصحابها على مستوى الأسعار المنفلتة التي يتقاضونها من المواطنين لقاء تعبئة الخزانات، حيث وصل سعر تعبئة برميل المياه الى 500 ليرة وأحياناً إلى 1000 ليرة، طبعاً حسب المكان والزمان وفرص الاستغلال المتاحة، ما يشكل عبئ مالي كبير يضاف إلى كل عوامل الفاقة والعوز والفقر، مع الأخذ بعين الاعتبار أن مصادر المياه المعبأة في هذه الصهاريج غير معروفة بالنسبة للمواطنين، وكذلك من غير المعروف إن كانت صالحة للشرب أم لا، وهذا قد يكون سبباً إضافياً لانتشار الكثير من الأمراض!.
بالمقابل لا يمكن غض الطرف عن بعض السلوكيات من قبل بعض المتنفذين في المحافظة الذين يحركون بعض الصهاريج لمصلحتهم ومصلحة المقربين والمحسوبين عليهم دون سواهم.. هكذا على الأعين وبكل فجاجة بهذه المأساة المعممة!.
بعض المواطنين الذين استعادوا ذكريات المآسي السابقة المؤلمة قالوا أنه كان من المفروض العمل على تأمين البدائل خلال الفترات السابقة كي لا تبقى المحافظة وأبنائها رهناً لمثل هذا التصرف الاجرامي من قبل قوات الاحتلال التركي.
فبدلاً من صرف الكثير من المبالغ على بعض المشاريع ذات الطبيعة الترفيّة القابلة للتأجيل، كان من الأجدى لو صرفت على مشاريع مائية تسحب ورقة الضغط والابتزاز التركي أو سواه، مثل جر المياه من دجلة أو الفرات، أو بالحد الأدنى الإسراع بتنفيذ حفر آبار المياه الموعودة منذ حين!.
أخيراً لا بد من الإشارة الى دور الأمريكي المغيب عن واجهة الحدث، والمسيطر من الناحية العملية على كل الرقعة الجغرافية في الشمال الشرقي، فالجريمة المتكررة لم يكن لها أن تستكمل عناصرها لولا هذا الدور القذر منذ البداية، وجريمة الحرب بهذا السياق ربما يجب أن تسجل بحق الاحتلال التركي وأدواته بالشراكة مع الاحتلال الأمريكي.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 000