«الإدارة الذاتية» تتعدى على الحقوق مجدداً..

«الإدارة الذاتية» تتعدى على الحقوق مجدداً..

تعدّ صارخ على الحقوق قامت به «الإدارة الذاتية» مؤخراً، عبر تشريع جديد صدر عنها بمسمى «قانون حماية وإدارة أملاك الغائب»، الذي يشمل أملاك الأشخاص المقيمين خارج سورية، في المناطق الخاضعة لسيطرتها.

وقد لاقى هذا التعدي على الحقوق الكثير من ردود الأفعال الرافضة له، سواء من قبل من يعنيهم ويمس بحقوقهم مباشرة من السوريين المقيمين خارجاً، أو من قبل ذويهم وأقربائهم المستمرين بالبقاء في المناطق الخاضعة لسيطرة «الإدارة الذاتية» أو في بقية المحافظات السورية، وكذلك من عموم المواطنين، كما تصدى له العديد من المختصين في الشأن الحقوقي والقانوني والقضائي تفنيداً ونقداً.

تفصيلات التعدي..

ما تمت تسميته من قبل «الإدارة الذاتية»، التفافاً على الحقوق، «قانون حماية وإدارة أملاك الغائب»، بحسب بعض المواقع الإعلامية، تضمن التالي:
تشكيل لجنة تحت مسمى «لجنة حماية أملاك الغائب»، وذلك بموجب قرار يصدر عن «المجلس التنفيذي» التابع لـ«الإدارة الذاتية»، وهذه اللجنة مؤلفة من 11 شخصاً من المناطق الخاضعة لسيطرة «الإدارة»، على أن تقوم هذه اللجنة، التي يترأسها «قيمان» بالأعمال الإدارية، وحصر أملاك وأموال الغائبين، وصيانتها والحفاظ عليها، وهي من تنظر في الاعتراضات المقدمة لها من المتضررين من القرارات الصادرة عنها، وتتبع لها لجان فرعية في مناطق سيطرة «الإدارة»، ويتابع هذان «القيمان» أعمال اللجنة، إدارياً ومالياً، ويكونان مخولان برفع جميع الدعاوى القضائية، وتقديم كل الدفوع القانونية للحفاظ على أملاك الغائب وحمايتها، ولا تملك الحق في بيع أو شراء أملاكه.
في المقابل، يمنح «القانون» اللجنة المسماة «لجنة حماية أملاك الغائب»، الحق في «تأجير واستثمار الأملاك» ووضعها في خدمة تنمية المجتمع دون تغيير أوصافها!
أما الطامة الكبرى، فهي أن «الغائب» يفقد حقه في «ربع أملاكه»، إذا لم يحضر هو أو أحد أقاربه من الدرجة الأولى والثانية، خلال مدة أقصاها سنة متواصلة، مع فرض عقوبة الحبس والغرامة لكل من تستر أو تصرف أو أجّر أملاك الغائب خلافاً لـ«القانون«.
أما «الغائب» تعريفاً، فهو «كل شخص يحمل الجنسية السورية أو من في حكمه من مكتومي القيد المجردين من الجنسية السورية بإحصاء عام 1962، ويقيم إقامة دائمة خارج سورية، ولا يقيم أحد من أقاربه من الدرجة الأولى أو الثانية في سورية».

شرعنة وتهرب من المسؤوليات

لن نخوض في آراء البعض من «المطبلين» لمثل هذا التعدي الفج على الحقوق، أو المستفيدين منه، بما في ذلك كل ما يمكن أن يساق من أسباب موجبة بنظر «الإدارة الذاتية»، لكن سنسلط الضوء على بعض الآراء العامة بهذا الشأن أولاً.
فقد عقب الكثير من المواطنين، وخاصة المتضررين، بأن ما تمت تسمته «قانون» هو «أداة لشرعنة الاستيلاء على أملاك الغائبين عن مناطقهم»، وذريعة التعدي على أملاك هؤلاء الغائبين من قبل البعض خلال الفترة الماضية، بما في ذلك بعض عمليات التزوير في نقل الملكيات، لا يعطي الحق لـ«الإدارة الذاتية» بأن تشرعن هذا التعدي لمصلحتها تحت أي مسمى، بل هو هروب من مسؤولياتها في الحفاظ على هذه الأملاك، وربما اعتراف بعدم قدرتها على حمايتها، وبالتالي بدورها وواجباتها ومبررات وجودها!.

آراء قانونية

أحد القانونيين، أشار إلى المادة الأولى من «القانون» التي عرفت «الغائب» من خلال حمله «الجنسية السورية» وما تلاها من مفردات، وبذلك تأكيد في البداية على تبعية «الإدارة الذاتية» لـ«الجمهورية السورية» وبالتالي «يتوجب بأن تكون قوانينها متوافقة مع القوانين والدستور السوري»، كما أشار إلى مضمون العديد من المواد «المبهمة وغير الواضحة، والقابلة للتأويل والتفسير بأكثر من معنى»، مثل: عبارة «يشمل هذا القانون كل من غادر الأراضي السورية مدة سنة أو اكثر بقصد الإقامة الدائمة والمستمرة خارجها»!.
وقد أورد أحد القانونيين رأيه بـ«القانون» على صفحته الشخصية تفنيداً حسب النقاط التالية:
- «القانون» مخالف لبنود العقد الاجتماعي الذي هو ركيزة لأي قانون فرعي.
- «القانون» يلغي حق طبيعي للمواطن، وهو الحق بتوكيل الغير في إدارة واستثمار أمواله، مثلما هو متبع في أية بقعة من المعمورة تحتكم للقانون العرفي أو الوضعي.
- إن كانت الغاية من هذا القانون حماية أملاك المواطنين المغتربين، فإن القانون المدني السوري الممكن اعتماده باعتبار الإدارة الذاتية تخص جزءاً من الجغرافية السورية- وهو ليس قانوناً سياسياً- ويتضمن عدة وسائل قانونية لحماية الأملاك الخاصة والعامة.
- كافة الوسائل المتاحة للمغتربين في هذا القانون للحضور، وتقديم الاعتراضات أمام اللجنة المعنية هي وسائل تعجيزية، وشبه مستحيلة في ظل ظروف الإقامة في دول الاغتراب، والإجراءات المطبقة في ظل انتشار وباء كورونا.
- تطبيق هذا القانون هو وسيلة لحمل المغتربين على بيع أملاكهم في الوطن، وفي حال العجز عن الحضور، سيكون القانون وسيلة لمصادرة الأملاك، وليس إدارة، ولا استثمار كما هو وارد في طيّات القانون.
- سيكون هذا القانون سبباً رئيسياً لامتناع المغتربين عن استثمار أموالهم في هذا الوطن، الذي يحتاج لهذه الأموال للتنمية، والتطوير الاقتصادي بعد حلّ الأزمة السورية والاستقرار السياسي.
- القانون وسيلة لقطع ما تبقى للمغترب من علاقة بأرض وطنه وأهله، وما سيترتب من آثار سلبية على الأجيال القادمة في دول الاغتراب.

الارتجال لا يحل المشاكل..

تجدر الإشارة إلى أن «الإدارة الذاتية» سبق وأن أصدرت ارتجالاً «قوانين» شبيهة، في عام 2015 في منطقة الجزيرة (الحسكة والقامشلي)، وفي عام 2018 في مدينة الطبقة، وقد لاقت الكثير من الاعتراضات في حينه، وما زالت، كما تُثبت الوقائع أنها لم تسفر عن النتائج المتوخاة منها بحسب الادعاءات عند إصدارها، وتوجت ذلك مؤخراً بارتجال «القانون» الجديد، والذي بدأت تداعياته الرافضة تفعل فعلها بين أوساط المواطنين والمختصين، بالإضافة طبعاً للأوساط السياسية الوطنية وقواها، ولن تكون نتائجه أفضل حالاً مما سبقه.
كما سبق وأن أصدرت «الإدارة الذاتية» العديد من القرارات والتوجيهات الارتجالية، التي كان لها نتائج سلبية على حياة المواطنين ومعاشهم ومستقبلهم، ولعل ما يتعلق بالشأن التعليمي وتبعاته ونتائجه مثال بسيط على ذلك.

لا بديل عن الحل السياسي

إن استمرار الأزمة السورية ومفاعيلها ستبقى تفرز الكثير من المشاكل والسلبيات والتداعيات الكارثية، التي يدفع المواطن السوري ضريبتها على حساب معيشته واستقراره ومستقبله، سواء كان داخل البلد وفي أية رقعة جغرافية منها، أو في بلدان اللجوء والاغتراب، ولا يمكن للارتجال من أي طرف فاعل كان، أن يحل أياً من هذه المشاكل، كما لا يمكن غض الطرف عنها أو التهرب من مسؤولياتها.
إن الأزمة الوطنية العميقة، التي تستمر بإفراز الكثير من المشاكل والأزمات والكوارث على حساب السوريين ووحدة أرضهم وسيادتهم عليها موحدين، لا يمكن الخروج منها إلا عبر بوابة الحل السياسي الوطني الشامل، المتمثل بتنفيذ القرار 2254 كاملاً، وهو ما يجب أن تتضافر كافة الجهود الوطنية من أجله، وصولاً لانتزاع حق السوريين بتقرير مصيرهم ورسم مستقبلهم متسيدين على أرضهم دون منازع، وكل تأخير أو تعطيل من أي طرف كان بهذا الشأن لن يسفر إلّا إلى المزيد من الأزمات والآلام، وهو بالضد من المصلحة الوطنية.

معلومات إضافية

العدد رقم:
978
آخر تعديل على الإثنين, 10 آب/أغسطس 2020 13:30