مرض الجلد العقدي ثروة ضائعة وعائلات تفقد رزقها
عادل إبراهيم عادل إبراهيم

مرض الجلد العقدي ثروة ضائعة وعائلات تفقد رزقها

الأخبار المتواترة والواردة من محافظة طرطوس حول تزايد أعداد الأبقار النافقة بسبب مرض الجلد العقدي «الجدري»، ونتائجه الكارثية على المربين بشكل خاص، وربما على الثروة الحيوانية والاقتصاد الوطني بشكل عام، لم تحرك ساكناً حتى الآن لدى الجهات المسؤولة بما فيه الكفاية!

عشرات الأبقار تنفق يومياً بسبب الجدري، أمام أعين مربيها الذين يسجلون حسرتهم على مورد رزق يعيشون منه يفقدوه، وعلى رأسمال وثروة تتبدد دون التمكن من تعويضها، مع الأخذ بعين الاعتبار أن حالات نفوق الأبقار بسبب الجدري تم تسجيلها في اللاذقية وفي حماة أيضاً.

متابعات ومسؤولية وزارة الزراعة

تابعت وسائل الإعلام المختلفة خلال الفترة الماضية واقع نفوق الأبقار في محافظة طرطوس وفي غيرها من المحافظات بسبب مرض الجدري، وغالبية الآراء التي تم سبرها كانت شبه مجمعة على أن من الأسباب المباشرة لتزايد أعداد النفوق: أن الأدوية البيطرية التي من المفترض أن تقي أو تحدّ من المرض وانتشاره كان يجب توزيعها وزرقها خلال شهر شباط، لكن جرى التأخر بهذه العملية لمدة ثلاثة أشهر، حيث تمت غالبية العمليات خلال شهر أيار الماضي، بالإضافة إلى بعض الحديث عن عدم فاعلية هذه الأدوية وجدواها، إما بسبب التأخر أو بسبب نوعيتها ومواصفتها وجودتها، وبجميع الأحوال فإن المسؤولية في ذلك تقع على عاتق وزارة الزراعة ومديرياتها.
فقد نُقل عبر إحدى الصحف المحلية بتاريخ 9/7/2020 أن رئيس اتحاد فلاحي طرطوس: «حمّل وزارة الزراعة مسؤولية التقصير والتأخر في اتخاذ إجراءات تقي وتحد من انتشار المرض، وأن ما تنفذه الوزارة حالياً من ندوات وإرشادات ورشّ بعض المبيدات كان لابد أن ينفذ منذ بداية تفشي المرض، وخاصة مع بدايته في محافظة اللاذقية لعدم التوسع في انتشاره، كما حصل في طرطوس وحالياً في حماة، محذراً أنه في حال لم تتخذ وزارة الزراعة إجراءات فاعلة وسريعة للحد من انتشار هذا الوباء سيصل لكل المحافظات السورية، وأنه لابد لوزارة الزراعة من دعم ومساندة الكوادر البيطرية في المحافظات التي تفشى فيها الجدري لمحاولة السيطرة والحد من انتشار وباء الجدري».

ثروة مبددة دون تعويض

الأعداد المسجلة لنفوق الأبقار في محافظة طرطوس لوحدها وصل إلى نحو 500 بقرة وذلك حتى تاريخ 9/7/2020، وهذا ما أكده رئيس اتحاد فلاحي طرطوس.
فإذا كان سعر البقرة يتراوح بين 2-4 مليون ليرة، فإن الثروة الضائعة تقدر قيمتها بحدود ملياري ليرة سورية، ولكم أن تتخيلوا ما فقده الفلاحون من ثروة لقاء نفوق بعض أبقارهم، وآثار ذلك على حياتهم ومعاشهم، باعتبار هذه الأبقار من مصادر الرزق بالنسبة إليهم، وكذلك الحال مع المربين في محافظتي اللاذقية وحماة، والنتائج السلبية على معيشة عائلاتهم.
أما المشكلة بالنسبة لهؤلاء المربين فهي: أن واقعات النفوق يجري التعامي عنها رسمياً، ليس هرباً من تحمل المسؤولية حيال انتشار المرض فقط، بل ربما السبب الرئيس في ذلك عدم وجود النّية في تعويض هؤلاء عمّا فقدوه!

إلى الاستهلاك رغم عدم صلاحيتها

على جانب آخر، وفي كارثة محدقة ربما، يجرى الحديث عن أن بعض تجار الأبقار واللحوم يقومون بشراء الأبقار النافقة والمصابة بأسعار بخسة من الفلاحين، أو أن يُعرض على هؤلاء نقل البقرة النافقة دون تكبد أجر لقاء التخلص منها، علماً أنها غير صالحة للاستهلاك البشري، كشكل بشع من أشكال الاستغلال.
فقد نقل أيضاً عبر الصحيفة المحلية أن: «رئيس الاتحاد أوضح أن الظاهرة المقلقة أكثر هي بيع الأبقار المصابة للمسالخ ومحال اللحوم بأسعار رخيصة، بل وصل الأمر لدى بعض تجار الأبقار واللحوم لشراء الأبقار النافقة، وفي هذا الإطار تم ضبط شاحنة تنقل بقرة نافقة من إحدى الضيع في المحافظة إلى منطقة تلكلخ، تبين أنها بقرة نافقة غير قابلة للاستهلاك وهناك العديد من الحالات حصلت لدى بعض المربين بعد نفوق البقرة لديهم، حيث تم العرض عليهم من بعض التجار وباعة اللحوم تخليصهم من البقرة ونقلها في شاحنة من دون تقاضي أي أجر وهو ما يعزز الشبهة حول وجهة هذه الأبقار النافقة والتصرف بها».
ولا أحد يدري ما مصير مثل هذه اللحوم بالنتيجة، هل ستكون على موائد السوريين كلحوم طازجة، أو سيُدفع بها إلى معامل المرتديلا أو سواها، فهوامش الربح بالنسبة للبعض تعمي الأبصار والضمائر؟!

كلام إنشائي والواقع هو الفيصل

بتاريخ 9/7/2020، وخلال اجتماع اللجنة التوجيهية لمشروع تطوير الثروة الحيوانية، كشف وزير الزراعة: أن «80 ألف أسرة استفادت من مشروع تطوير الثروة الحيوانية هذا العام في المحافظات كافة».
الخبر الذي نقل على صفحة «الإعلام الزراعي في سورية» ورد خلاله، أن وزير الزراعة بيّن أن: «الثروة الحيوانية هي إحدى ركائز الاقتصاد الوطني، ودورها كبير في تأمين الاستقرار في الريف، لافتاً إلى أن سورية كانت قبل الحرب تمتلك حوالي 18 مليون رأس من الأغنام، و2,2 مليوني رأس ماعز، و1,1 مليون رأس من الأبقار، مشيراً إلى أن الخسارة تجاوزت 40% منها خلال الحرب، نتيجة التهريب والسرقة والذبح العشوائي والأعمال الإرهابية، وهذا ما دفع الحكومة للاهتمام الكبير بالثروة الحيوانية لترميمها عن طريق الدعم المقدم للمربين، ومشروع تطوير الثروة الحيوانية يلعب دوراً مهماً في ذلك».
وبعيداً عن الحديث الإنشائي والإعلامي أعلاه، يبقى السؤال الهام بعد كل ذلك:
أين مشروع تطوير الثروة الحيوانية من حوادث النفوق المسجلة أعلاه؟ وأين دور وزارة الزراعة على مستوى التعويض للفلاحين والمربين عمّا فقدوه من ثروة ومن مصدر رزق؟ والأهم: أين مسؤوليتها من المرض وانتشاره وتوسعه، وما هو مصير المتبقي من ثروة حيوانية في حال عدم الحدّ من هذا الانتشار المرضي؟

معلومات إضافية

العدد رقم:
974
آخر تعديل على الإثنين, 13 تموز/يوليو 2020 12:54