عبادُ الشمس كاشفٌ اقتصادي أيضاً
عاصي اسماعيل عاصي اسماعيل

عبادُ الشمس كاشفٌ اقتصادي أيضاً

أثار الخبر الوارد على صفحة الحكومة بتاريخ 1/7/2020 حول استيراد زيت دوار الشمس لصالح السورية للتجارة، زوبعة من الردود والآراء والنقاشات على المستوى الشعبي، ومن قبل بعض الأخصائيين، عبر المواقع الإلكترونية، وعلى صفحات التواصل الاجتماعي الشخصية والعامة.

وقد تركزت غالبية النقاشات والآراء على السياسات الزراعية والاقتصادية المعمول بها، والنتيجة الملموسة لها، التي خلاصتها: تفضيل الاستيراد على الإنتاج، حفاظاً على مصالح حيتان الاستيراد ومحتكريه، وعلى حساب المنتجين، كما على حساب المصلحة الوطنية.

آراء مُحقّة

فيما يلي بعض ما ورد من آراء عبر صفحات التواصل، بما في ذلك ما تم تدوينه على صفحة الحكومة من تعليقات على الخبر:
«بلدنا بلد زراعي وغني بأراضيه الخصبة. ليش ما يكون فيه زراعة وعلى نطاق واسع حتى يكون فيه اكتفاء ذاتي ويمكن يصير تصدير. منشان كم تاجر يتخوزق الشعب كلو!».
«ليش استيراد؟! مو ع أساس عنا معمل بحماة وهو رح يغطي الحاجة!».
«شجعوا المزارع على زراعة البذرة وادعموه بالسماد وفيدوه واستفيدوا بدل ما تروحو تستوردوا وتصرعوا طيييييبة قلبنا عن فرق العملة وسعر الدولار وتبرروا الغلاء..».
«عوجة لك عمي عوجة.. بتلفو وبتدورو وبترجعو عالاستيراد وهو بداية الفشل اقتصادياً».

الخبر والحسابات الأولية

الخبر الذي أثار الزوبعة يقول: «أيّدت اللجنة الاقتصادية في رئاسة مجلس الوزراء مقترحات وزارتي التجارة الداخلية والاقتصاد لاستيراد /20/ مليون عبوة من مادة الزيت النباتي دوار الشمس سعة 1 و2 ليتر لصالح المؤسسة السورية للتجارة ليتم طرحها في صالات ومنافذ المؤسسة بأسعار منافسة».
التفاصيل الإضافية وردت عبر إحدى الصحف المحلية، بأن: «وزارة الاقتصاد والتجارة الخارجية طلبت من اللجنة السماح للمؤسسة العامة للتجارة الخارجية بالإعلان عن مناقصة خارجية لاستيراد وتأمين 20 مليون عبوة من زيت دوار الشمس، بسعة إجمالية 30 مليون ليتر، وبقيمة تقديرية 26 مليون يورو».
الحسابات الأولية استناداً للأرقام أعلاه تقول: إن السعر التقديري لليتر الزيت المستورد يبلغ 0,86 يورو، متضمناً هامش ربح المستورد المحظي الذي سترسو المناقصة لصالحه.
وبحسب سعر الصرف الرسمي في المصرف المركزي البالغ 1412 ليرة مقابل اليورو الواحد، فإن قيمة الصفقة الكلية تقدر بحدود 36,712 مليار ليرة، وكل ليتر يقدر سعره بحدود 1214 ليرة مبدئياً، وذلك بحسب المناقصة المعلن عنها أعلاه، وباعتبار أن تمويل الصفقة بالقطع سيكون عبر المركزي كونها لصالح السورية للتجارة، طبعاً سيضاف إلى هذا السعر هوامش إضافية لقاء بعض التكاليف والنثريات، بالإضافة إلى هامش الربح لصالح السورية للتجارة، وربما يصل سعر المبيع النهائي للمستهلك بحدود 1500 ليرة لليتر، وهو لا شك أخفض من السعر الحالي لزيت دوار الشمس في الأسواق.

حسابات إضافية

من ضمن الحسابات أيضاً، إن كمية 30 مليون ليتر زيت نباتي المعلن عنها بالكاد تغطي إمكانية التوزيع بموجب البطاقة الذكية لمدة 5 أشهر فقط، إذا اعتبرنا أن عدد الحاصلين على البطاقة الذكية الأسرية 3 ملايين أسرة، وكل أسرة خصص لها ليتران فقط شهرياً، بغض النظر عن سد حاجة الاستهلاك الفعلية من هذه المادة لهذه الأسر طبعاً.
بمعنى آخر، فإن الكمية أعلاه بموجب الصفقة الحالية، ولحين وصولها وبدء تسليمها، تغطي التوزيع المقنن لهذه المادة حتى نهاية العام الحالي على أبعد تقدير، ما يعني الاضطرار إلى الإعلان عن صفقات أخرى مطلع العام القادم في حال توفر نية الاستمرار بتوزيع المادة عبر البطاقة الذكية، وهذا يعني ضمناً: أن العقود السنوية لاستيراد هذه المادة من أجل توزيعها عبر البطاقة الذكية فقط، تقدر قيمتها بحدود 70 مليون يورو بالحدود الدنيا، وبما يعادل 98,840 مليار ليرة سورية فقط لا غير، بحسب السعر الرسمي لليورو في المصرف المركزي متضمنة ربح المستوردين المحظيين، الذي لا ندري حجمه طبعاً!.

شركة زيوت حماة

بتاريخ 19/7/2017 صرح مدير عام شركة زيوت حماة عبر صحيفة الثورة أن: «الشركة أنتجت هذا العام ولأول مرة زيت عباد الشمس بعد أن قامت بتكرير الزيت الخام الذي تم توريده إلى الشركة بناء على قرار وزير التجارة الداخلية رقم 377»، مضيفاً: إن «القرار فرض حصة للقطاع العام من مستوردات القطاع الخاص، حيث تم توريد كمية 400 طن من الزيت الخام لعباد الشمس وتم تكريرها وطرحها في الأسواق، وذلك بعد تشغيل خط الفارزات القادر على تكرير جميع أنواع الزيوت الخامية».‏
بتاريخ 10/6/2020 ورد عبر صحيفة الفداء، أن مدير عام شركة زيوت حماة ذكر أن: « قيمة مبيعات الشركة خلال الأشهر الخمسة الأولى من العام الحالي وصلت إلى نحو 991,462 مليون ليرة متضمنة 427 طناً من زيت بذور القطن المكرر، إضافة إلى 3351 طناً من الكسبة غير المقشورة و10 أطنان من مادة الصابون، لافتاً إلى أن الشركة قامت بعصر 4570 طناً من بذور القطن التي تم استلامها من محالج المحافظة، ونتج عنها 299 طناً من زيت بذور القطن و3501 كسبة و74 طناً من اللنت و7 أطنان من الصابون».
بتاريخ 18/6/2020 صرح مدير عام شركة زيوت حماة عبر موقع الثورة أون لاين: « أدخلنا خط إنتاج جديد إلى المعمل، للمساعدة في تحسين جودة الزيت المستخرج من بذار القطن وإزالة الرائحة التي كان يتصف بها سابقاً، مشيراً إلى أن طاقة الإنتاج تتراوح بين 2,5-3 أطنان يومياً من الزيت المكرر، كما أن الكمية التي تم طرحها في السوق لغاية اليوم بلغت 465 طناً زيتاً مكرراً».
يشار إلى أن الشركة تنتج الزيوت النباتية من بذور القطن، كما تنتج مادة الصابون ومادة الكسبة العلفية غير المقشورة، كما تنتج الشركة مادة اللنت (زغب القطن) الذي يستخدم في صناعات تحويلية كثيرة وتصدر للخارج.

ماذا تفعل 100 مليار ليرة سنوياً؟

على ضوء الإمكانات المتوفرة لدى شركة زيوت حماة، وعلى ضوء الحسابات التقريبية السابقة، نتساءل مع المواطنين:
أين الاعتماد على الذات والاكتفاء الذاتي، وأين بدائل إحلال المستوردات؟
هل من الصعوبة استعادة زراعة وإنتاج عباد الشمس الزيتي محلياً، ووضعه ضمن الخطة الزراعية السنوية، ليصار إلى تصنيعه وتكريره؟
تُرى ماذا يمكن أن تفعل 100 مليار ليرة سنوياً، في حال ضخها للاستثمار الزراعي والصناعي، على مستوى زراعة عباد الشمس وتصنيعه فقط؟
كما نتساءل أخيراً عن المصلحة الوطنية من الاستمرار بهذا النهج الاقتصادي المدمر للزراعة والصناعة والإنتاج بشكل عام، لمصلحة الاستمرار باستيراد المواد الخام أو المصنعة ونصف المصنعة؟

معلومات إضافية

العدد رقم:
973
آخر تعديل على الإثنين, 06 تموز/يوليو 2020 15:46