الكورونا والإجراءات الإسعافية المفقودة!
عادل إبراهيم عادل إبراهيم

الكورونا والإجراءات الإسعافية المفقودة!

لا نريد بث الرعب والذعر، لكن بعض المؤشرات تقول: إننا مقدمون على كارثة بما يخص تفشي وباء الكورونا، إن لم تُتخذ المزيد من الاحتياطات الوقائية، الفردية والعامة، الرسمية وغير الرسمية، لمواجهة هذا الخطر والحد منه قبل وقوعه.

فمن خلال تتبع أعداد الإصابات، بحسب المعلن رسمياً خلال الفترة الماضية، وعلى الرغم من انخفاضها حتى الآن بالمقارنة مع غيرنا من البلدان، المجاورة والبعيدة، يتبين أن هناك تزايداً ملحوظاً فيها، ويتزامن ذلك مع استمرار تخفيف الإجراءات الاحترازية والوقائية العامة المتخذة رسمياً، ومع التراخي بإجراءات الوقاية الفردية.

استئناف الأنشطة وتضاعف الإصابات

تضاعفت أعداد المصابين بالوباء خلال شهر تقريباً، وخلال هذه الفترة تراجعت إجراءات الحماية والوقاية على المستوى الرسمي والشخصي، واستأنفت كافة الفعاليات الاقتصادية نشاطها، وكان آخرها «موافقة الفريق الحكومي على رفع نسبة الإشغال في المنشآت السياحية من 30 إلى 50 في المئة مع استمرار منع تقديم الأراكيل».
وفيما يلي جدول يوضح تطور أعداد المصابين بحسب البيانات المعلنة من قبل وزارة الصحة، بحسب ما ورد عبر صفحتها الرسمية، على مدار شهر تقريباً:

تحذير منظمة الصحة العالمية

نُقل عن مدير المكتب الإقليمي لمنظمة الصحة في الشرق الأوسط، ريتشارد برينان، عبر وسائل الإعلام، قوله بتاريخ 26/6/2020: «إن عدد المصابين بفيروس كورونا في سورية منخفض، لكن هناك خطر حدوث انفجار في أعداد الإصابات في المستقبل القريب».
وتابع: «في بلدان أخرى في المنطقة، زاد عدد الحالات في البداية ببطء، ثم ارتفع بشكل حاد. رأينا هذا في العراق وتركيا ومصر. ونتوقع تماماً أنه ستكون لدينا مشكلة مماثلة في سورية».
وأضاف: «أنه لا يزال من الممكن في سورية منع حدوث زيادة حادة في عدد الإصابات بفيروس كورونا، من خلال مساعدة السلطات السورية على إجراء الاختبارات وتتبع اتصالات المصابين بالفيروس مع الآخرين».

حرص حكومي ولكن!

الحكومة، ومن خلال فريقها المعني بالتصدي لوباء الكورونا، ما زالت تؤكد على التشدد بتطبيق الاشتراطات الصحية والتباعد المكاني والحد من الازدحام، مع التأكيد على دور المواطنين في الحد من انتشار الفيروس عبر التزامهم بالاشتراطات الوقائية، في الوقت الذي استكملت فيه إلغاء كافة الاحتياطات والإجراءات الاحترازية والوقائية العامة، التي تم اتخاذها رسمياً خلال الفترة السابقة.
وكذلك طلبت وزارة الداخلية من المواطنين، حرصاً على الصحة والسلامة العامة، «عدم التستر على الأشخاص الذين يدخلون القطر بطريقة غير مشروعة، والمبادرة إلى الإبلاغ عنهم فوراً منعاً لأي خطر باحتمال نقلهم لفيروس كورونا».
بالمقابل، وفي تطور لافت، فقد بدأت تظهر بعض الإصابات في الطاقم الطبي العامل في المشافي ومراكز الرعاية والحجر، وهذا يعتبر من المؤشرات الخطرة، ليس فقط على مستوى انتشار المرض، بل بسبب واقع هشاشة النظام الصحي لدينا وترهله، حيث تعتبر الإصابات بالطواقم الطبية العاملة مؤشراً إضافياً نحو المزيد من الضعف والهشاشة.

سلسلة الانتشار بدأت والخطر داهم!

بعيداً عن الخوض في الكثير من التفاصيل، وبعيداً عن تجيير وتقاذف المسؤوليات، يجدر التنبيه إلى أن أمر التفشي لم يعد من الممكن التعامل معه على أنه موضوع أمني محصور بالقادمين من الخارج فقط، بحسب ما يتم الترويج له حتى الآن.
فقد أصبح لدينا مصابون محليون، وهؤلاء لا شك خالطو وتعاملوا مع الكثير من المواطنين خلال فترة حضانتهم للفيروس قبل اكتشاف إصابتهم وعزلهم، اللهم بحال الاعتماد على إجراءات العزل المعمول بها والمتبعة، وهو الأمر المشكوك فيه بدليل تزايد الإصابات، وانتقال المرض حتى من خلال البعض ممن فرضت على أماكن تواجدهم إجراءات الحظر، مثل: مناطق السيدة زينب ورأس المعرة وجديدة الفضل وغيرها.
والحال كذلك، فإن سلسلة الإصابة قد بدأت تفعل فعلها من الناحية العملية، ولعل الدليل الجلي على ذلك هو تزايد الأعداد المكتشفة حتى الآن والمعلن عنها رسمياً، بما في ذلك الإصابات في الكادر الطبي نفسه، وهو الأخطر.
فمخالطو هؤلاء في المشافي كُثُر، نظراً لطبيعة عملهم، سواء على مستوى الطواقم الطبية في المشافي الأخرى، أو على مستوى طلاب الدراسات في الاختصاصات الطبية، أو على مستوى المواطنين المحتكين معهم في عياداتهم وأماكن عملهم الأخرى.

إجراءات إسعافية أولية

واقع المنظومة الصحية بحالها الراهن، وعلى ضوء ما يعانيه القطاع الصحي من تراجع وترهل، وما أصابه من نزف بكادراته وطواقمه خلال سني الحرب والأزمة، وما يسجل من نواقص فيه على مستوى المنشآت والتجهيزات والمستلزمات، وما يواجه من صعوبات على مستوى التمويل والإنفاق، مع عدم تغييب استنزافه نهباً وفساداً، لا يمكن التعويل عليه لمواجهة انتشار وتفشي أية جائحة مرضية، فكيف بجائحة، مثل: الكورونا؟
كذلك، بعيداً عن الخوض في أسباب كل ما سبق وتفنيدها، فإن الحديث بداية عن توفير مستلزمات الحماية الأولية، المتمثلة بالكمامات والمعقمات من المفروض أن تعتبر من البدهيات مبدئياً، ومن غير المقبول أن يكون هناك تراخٍ بتأمين هذه المستلزمات وتوفيرها، أولاً: بشكل خاص لكافة العاملين في المشافي والمراكز الصحية والمستوصفات، سواء كانوا من الطواقم الطبية أو غيرهم من الطواقم العاملة في هذه الأماكن، على أن توزع مجاناً وبشكل دوري وبحسب الحاجة الفعلية، وليس كما هو معمول به، حيث يضطر أفراد الطاقم الطبي مثلاً لتدوير الكمامات وإعادة استعمالها، أو شرائها على حسابهم، وثانياً: بشكل عام لكافة المواطنين بأسعار مقبولة ومواصفات جيدة، من أجل الالتزام بإجراءات الوقاية الفردية والشخصية، والتقيد بها، وربما المحاسبة والمخالفة عليها بحال عدم التقيد، وخاصة في الأماكن العامة والمزدحمة، مع فرض التباعد الجسدي في هذه الأماكن أيضاً، وهي إجراءات أولية تحول ربما دون عودة فرض الحظر الجزئي أو الكلي.
كذلك الحديث عن أماكن العزل والحجر وضرورة التقيد بشروطها ومواصفاتها، وخاصة ناحية عمليات التعقيم واستمرارها، مع التشدد بهذا الشأن، شريطة الحفاظ على كرامات المعزولين والمصابين، وتطبيق ما قيل أنها بروتوكولات طبية معتمدة لمواجهة الجائحة بحذافيرها وعلى أكمل وجه، بما في ذلك ما يتعلق بتتبع المصابين والمخالطين.
فواقع الحال يقول حتى الآن: إن الإجراءات المعمول بها، فيها بعض الاستهتار واللامبالاة، سواء على مستوى عمليات التعقيم والشروط الواجب توفرها بهذه الأمكنة، أو على مستوى التعامل مع هؤلاء المعزولين والمحجورين ومتطلباتهم واحتياجاتهم، حيث تفتقر للجانب الإنساني في بعض الأحيان.
كذلك العمل الجدي لتأمين المستلزمات الخاصة بالوباء الفيروسي، سواء على مستوى لوازم الاختبارات والمسحات، أو على مستوى غرف الإنعاش ولوازمها وتجهيزاتها، وعلى مستوى الأدوية والعلاجات، وتسخير كل الإمكانات اللازمة بهذا الشأن، بعيداً عن كل أشكال التهرب من المسؤوليات وتجييرها وأوجه الفساد فيها.
كل ما سبق، هي بعض الإجراءات الإسعافية الأولية التي لا يمكن اعتبارها من المستحيلات، أو صعبة التحقق، تليها ربما بعض الإجراءات الوقائية العامة، وخاصة بما يتعلق بأماكن الازدحام والطوابير، وضرورة إيجاد الحلول المؤقتة والجدية لها، وغيرها من الإجراءات الاحترازية والضرورية الأخرى.
وأخيراً، وبعد كل ذلك، ربما يبدو الحديث عن الثقة بالمواطنين والتعويل على وعيهم في مكانه، وليس باباً للمواربة من أجل تحميلهم مسؤوليات فوق طاقاتهم، وليست من مسؤولياتهم أصلاً.
فهل من الممكن تحقيق وإنجاز ذلك قبل حلول الكارثة؟!

 

 

معلومات إضافية

العدد رقم:
972
آخر تعديل على الإثنين, 29 حزيران/يونيو 2020 13:20