من يُفرغ التدخل الإيجابي من غايته.. ولمصلحة مَن؟
عاصي اسماعيل عاصي اسماعيل

من يُفرغ التدخل الإيجابي من غايته.. ولمصلحة مَن؟

أعلنت السورية للتجارة عن طرح مادتي السكر والرز للمواطنين بالسعر الحر، عبر صالاتها المخصصة، دون بطاقة ذكية، وبأسعار مخفضة عن السوق، حيث تم تحديد سعر كيلو السكر بـ500 ليرة، وسعر كيلو الرز بـ 575 ليرة، وهي أدنى من أسعار السوق.

كذلك أعلنت، مع مطلع شهر رمضان، عن طرح بعض أصناف المعلبات (طون- سردين..) بأسعار مخفضة عن السوق أيضاً.
بالمقابل يشتكي المواطنون من عدم توفر هذه المواد في الكثير من صالات السورية للتجارة، فقد سمعوا عنها ولم تتح لهم الفرصة لشرائها، وعند السؤال عنها تكون الإجابة بأن المواد المعلن عنها بالسعر المخفض قد نفذت، بانتظار وصول كميات إضافية منها، وكذلك ما زالت مادتا الشاي والزيت النباتي غير متوفرة عبر البطاقة الذكية، والتبرير عدم توفر كميات مخصصة منها للبيع عبر البطاقة الذكية للمواطنين، علماً أنها متوفرة بالسعر الحر!.

خطوة إيجابية ولكن!

لا شك أن الإعلان من قبل السورية للتجارة عن طرح بعض المواد والأصناف الغذائية بالسعر المخفض يعتبر خطوة إيجابية، تضاف إلى مهمة توزيع بعض المواد «المدعومة»، بالرغم من كونه من صلب عملها، ويصبّ بغايته المفترضة وهي التدخل الإيجابي لمصلحة المواطن.
ولا شك أن عمليات الشراء لتأمين هذه المواد والأصناف المعلن عنها خصصت لها أموال طائلة، كما سخرت من أجل توزيعها سيارات النقل التابعة للمؤسسة من أجل إيصالها للصالات المعنية.
لكن كل ذلك يبقى مرتبطاً بحال توفرت هذه المواد فعلاً للمواطن واستطاع الحصول عليها، ولم تبق إعلاناً خلبياً!.
فقد تم تفريغ هذه الخطوة من محتواها وغاياتها مباشرة على ما يبدو!.
فهذه المواد المعلن عن طرحها بالسعر المخفض، وخاصة المعلبات، غير متوفرة في الكثير من الصالات، والإجابة شبه الموحدة عن ذلك إن الكميات الواصلة منها تم بيعها ونفذت، وما على المواطنين إلا انتظار الكميات اللاحقة، بحال وصولها، علماً أن بعض المواطنين قالوا بأنهم شاهدوا تسريب كميات منها خارج الصالات من قبل بعض العاملين فيها، لكنهم لم يتأكدوا إلى أين كان مصيرها بالنهاية، حيث قال أحدهم: «ربما كانت للاستهلاك الشخصي من قبل هؤلاء، أو لبعض ذويهم والمقربين منهم»، خاتماً بعبارة: «ما بدي حط حدا بذمتي»!.

منافسة يجب إفشالها وفارق سعري مغرٍ

لم تعلن السورية للتجارة عن الكميات المتوفرة لديها من المواد والسلع التي سيتم طرحها عبر منافذها وصالاتها بالسعر المخفض، ولا حصة كل فرع من فروعها منها، ولا حصة الصالات المخصصة لهذه الغاية منها أيضاً، والحديث الوحيد عن ذلك كان بأن مادتي السكر والرز متوفر منها كميات كبيرة وكافية لدى السورية للتجارة، وكان ذلك على لسان وزير التموين الشهر الماضي عبر الفضائية السورية، وربما لذلك تم الإعلان عن طرحها بالسعر الحر وبدون بطاقة ذكية.
بالمقابل، فإنه من المفروغ منه أن المتضررين من وجود منافسة حقيقية من قبل السورية للتجارة في السوق لمصلحة المستهلكين كُثر، وخاصة كبار التجار والسماسرة والمستغلين، فهؤلاء ليس من مصلحتهم أن تقوم السورية للتجارة بمهامها المرسومة لها، ولو بشكل محدود وعلى بعض السلع فقط، فذلك قد يحدّ من إمكانات تحكمهم المزمن بالسلع والأسواق، كماً وسعراً ومواصفةً، على الرغم من تغوّلهم المباشر بعمل هذه المؤسسة، وسبق أن جرى الحديث تفصيلاً بهذا الشأن في عدد سابق لقاسيون بمادة بعنوان: «هل تقوم السورية للتجارة بدور المنافس فعلاً؟».
لذلك فإنه من غير المستغرب أن يعمل هؤلاء على إفشال أية خطوة تصبّ من حيث الجوهر بغاية المنافسة الفعلية في الأسواق لمصلحة المستهلكين مهما كانت صغيرة ومحدودة، بل لا مانع لديهم من وأدِ مثل هذه الخطوات في مهدها مباشرة قبل الوصول لغاياتها، وطبعاً لا يمكن تحقيق ذلك إلا عبر قنوات ومسارب الفساد، فالفارق السعري المعلن بهذه المواد عن مثيلاتها في السوق يعتبر فرصة تكسب للبعض، الذين عملوا على تسريبها لبعض تجار السوق مجدداً، كي يبيعوها بمعرفتهم وبسعر السوق، مع الأخذ بعين الاعتبار أن هؤلاء ليسوا بحاجة لكميات إضافية من أية سلعة، لكن ضرورات المنافسة والتحكم بالنسبة إليهم تبقى أهم، فكيف مع هوامش ربح مضمونة، وإن كانت قليلة نظراً لتقاسمها مع بعض الفاسدين، بالمقارنة مع أرباحهم الاحتكارية طبعاً.
والنتيجة، أن التدخل الإيجابي لمصلحة المواطنين بحسب الإعلان كان لمصلحة البعض من التجار والفاسدين على حساب المستهلكين مجدداً، والدليل عدم توفر هذه المواد والأصناف في الكثير من صالات المؤسسة، الأمر الذي لم ينفه مدير عام المؤسسة عبر لقاء تلفزيوني منذ يومين، مبرراً نفاذ الكميات لشدة طلب المواطنين عليها نظراً لانخفاض سعرها، وليس لأية أسباب أخرى، مع تأكيده على ضرورة الانتظار لحين ورود كميات إضافية من هذه المواد، بحال طلب الفروع، وتوفر وسائط النقل!.
ويبقى السؤال عن الكميات المتوفرة والتي جرى الإعلان عنها ليتم طرحها بالسعر المخفض، عسى يتبين حجم الأرباح الإضافية التي سيتم تقاسمها استغلالاً وفساداً، باسم المواطنين، وباسم التدخل الإيجابي؟!.

معلومات إضافية

العدد رقم:
964
آخر تعديل على الإثنين, 11 أيار 2020 13:27