هل تقوم السورية للتجارة بدور المنافس فعلاً؟
تُمارس السورية للتجارة مهامها المفترضة بتوفير تشكيلة واسعة من المواد والسلع، وخاصة الغذائية، من خلال صالاتها ومراكزها الكثيرة وواسعة الانتشار على مستوى المحافظات والمدن والبلدات والقرى كافة، مما فرض «نظرياً» أن تكون هذه المؤسسة تاجراً حكومياً كبيراً في السوق المحلية.
فهل تقوم هذه المؤسسة العملاقة بدورها على مستوى المنافسة في السوق من خلال بضائعها وسلعها، بما يحقق للمواطن السعر المناسب والمواصفة الجيدة كما هو مفترض منها؟.
واقع الحال
من المعروف أن جزءاً هاماً من صالات المؤسسة المتمركزة في المواقع الحساسة من الأسواق الرئيسة في المدن، تم التخلي عنها لمصلحة بعض المحظيين من المستثمرين خلال السنين الماضية، لقاء عائد استثماري سنوي، ما زال مثار جدل حيال عدالته ومصلحة المؤسسة فيه!.
على الطرف المقابل، إنّ غالبية المواد والسلع التي تتعامل بها المؤسسة تقوم بتأمينها عن طريق الشراء المباشر من التجار والمنتجين والمستوردين (عام وخاص)، مع نسبة مما يتم استيراده من المواد الأساسية من قبل المستوردين بحسب التعليمات بهذا الشأن، وبعضها الآخر يتم عرضه وبيعه في صالاتها من خلال أسلوب البيع بالأمانة لمصلحة التجار، وهذه وتلك من البضائع والسلع بالمحصلة يُضاف إليها هامش الربح الخاص بالمؤسسة، طبعاً بعد أن يكون التاجر قد ضمن ربحه منها.
الدور التنافسي غائبٌ لمصلحة التجار
هذا الواقع يُشير إلى أنّ المستفيد من وجود المؤسسة ومن توسع انتشارها هم شريحة التجار المتعاملين معها باختلاف توصيفاتهم (موردون- مستثمرون..) فهؤلاء يُحققون المزيد من الأرباح الصافية باعتبارهم مستفيدين من صالات المؤسسة دون تكبّد الضرائب والرسوم ونفقات المياه والكهرباء، وغيرها من النفقات النثرية الكثيرة الأخرى، وبالتالي فإن الدور التنافسي في السوق غير متوفر في ظل هذا النمط من العمل.
فالسعر محدد سلفاً من قبل التاجر مع هوامش أرباحه، وهو لا شك لا يمكن أن يقوم بممارسة دور المنافس لنفسه في الأسواق على سلعه وبضائعه، فكيف الحال بعد إضافة هوامش الربح الخاصة بالمؤسسة، مهما تضاءلت هذه الهوامش؟! ناهيك عن أن بعض الموردين يقومون بتوريد بعض السلع والبضائع ذات الجودة والمواصفة المتدنية بالمقارنة مع ما هو متوفر في الأسواق من شبيهات لها بمواصفة وجودة أفضل.
ولعل ذلك من الأسباب الرئيسة لعزوف المواطنين عن اللجوء للمؤسسة، فالأسعار فيها غالباً هي أعلى من مثيلاتها في الأسواق، كما تتوفر في الأسواق مواد وسلع بمواصفة وجودة أفضل، ما يعني بالمحصلة أن دور المؤسسة على مستوى تأمين السلع بالسعر المناسب والمواصفة الجيدة، وبما يحقق مصلحة المواطنين ويُلبي احتياجاتهم، غير موجود.
مهام محدودة ودور قاصر
اقتصرت مهام البعض في الصالات على توفير بعض المواد والسلع الاستهلاكية اليومية، وخاصة الخضار والفواكه واللحوم، وقد استقطبت هذه المهام بعض المستهلكين، وبحسب أماكن تواجدها، ومع ذلك لها مالها، وعليها ما عليها، بهذا الشأن.
فبرغم أن السورية للتجارة تقوم عبر فروعها بإصدار نشرات أسعار يومية لهذه المواد، وهي قريبة من نشرات الأسعار التي تصدرها مديريات التموين في المحافظات، إلا أن الواقع يقول: إنّ بعض الصالات لا تلتزم بهذه النشرات، حيث تتباين الأسعار بين صالة وأخرى، كما تتباين المواصفة أيضاً.
فإذا كان الأمر على مستوى الخضار والفواكه قد يمر مرور الكرام على المواطن دون أن يتبين الغبن الذي أصابه باعتباره بسيط، لكن ذلك لا ينطبق على اللحوم، وخاصة الحمراء (الغنم- العجل)، فالفارق السعري بين النشرة والواقع كبير في بعض الصالات، وهذا الأمر لا يخدم سمعة المؤسسة ودورها بالنتيجة، فمن استقطبتهم من المواطنين المستهلكين، ستفقدهم تباعاً جراء هذا التباين السعري ذا الطبيعة الاستغلالية أيضاً.
وعلى اعتبار أنها مؤسسة حكومية يجري غضّ الطرف عنها من قبل عناصر الرقابة التموينية على ما يبدو، باستثناء اللهم بحال الشكوى المباشرة من قبل أحد المواطنين على رفع السعر وعدم التّقيّد بالنشرة!.
رقم الأعمال المحقق ليس من المنافسة
تحقق المؤسسة رقم أعمال سنوي قد يُغطي تكاليفها ونفقاتها، وربما مع تحقيق بعض الأرباح، وفقاً للخطط التي تعمل على إنجازها.
لكن كيف ذلك وهي لا تمارس دور المنافس الحقيقي في الأسواق؟.
جزء من موارد المؤسسة يتمثل بعائدات الاستثمار السنوي المضمون لبعض صالاتها ومراكزها.
أما الموارد الفعلية التي تحقق بعض العائدات فتتمثل بالتالي:
بداية بدورها على مستوى تأمين بعض متطلبات جهات قطاع الدولة، حيث تلجأ هذه الجهات للتعامل مع المؤسسة باعتبارها قطاع دولة أيضاً، مع ما يعنيه ذلك من تسهيلات مقوننة.
جزء هام من الكساء العمالي للعاملين في الدولة، من خلال القسائم الموزعة على المستحقين ليقوموا باستلام مخصصاتهم من صالات المؤسسة.
تقسيط بعض السلع والمواد للعاملين في الدولة، لقاء هامش ربح مضاف طبعاً.
مع الأخذ بعين الاعتبار أن ذلك كله يصبّ في مصلحة التجار باعتبار أن بضائعهم هي التي يتم بيعها بهذه الأشكال التسويقية أولاً وآخراً.
فرقم الأعمال، والأرباح المقترنة به، قبل أن يكونا في مصلحة المؤسسة ولحساباتها، فهما في مصلحة هؤلاء الموردين والتجار.
والنتيجة، أن المؤسسة ليست هي التاجر الكبير في السوق، بل هي ليست أكثر من وسيطٍ لتسويق وتصريف سلع وبضائع التجار بما يحقق مصلحتهم فقط لا غير!.
فرص لإعادة الاعتبار والثقة
التوجه الحكومي بتوزيع بعض المواد الغذائية المدعومة للمواطنين عبر السورية للتجارة، أعاد إبراز دور المؤسسة كذراع تدخلي حكومي مجدداً، من خلال توزيعها لهذه المواد (رز- سكر- شاي- زيت) على المواطنين بموجب البطاقة الذكية، ومع ذلك فقد واجهت المؤسسة، وما زالت، الكثير من الصعوبات في تحقيق وإنجاز هذه المهمة كما هو مطلوب منها.
فالازدحام على صالاتها المخصصة لهذه الغاية شديد، والمواد «المدعومة» غير متوفرة دائماً وبشكل كامل فيها بما يؤمن سلاسة التوزيع للمستحقين، الأمر الذي لم يلق استحسان المواطنين، وما زال الموضوع قيد التجريب والاختبار الذي يغلب عليه طابع الارتجال، طبعاً مع استمرار أشكال المحسوبية والوساطة، وبعض أوجه الاستغلال والفساد.
كما حظيت المؤسسة أيضاً بدور إضافي عبر بعض صالاتها من خلال تولّيها توزيع أسطوانات الغاز للمواطنين، ومؤخراً اعتماد بعض صالاتها لبيع الخبز التمويني أيضاً، مع تسخيرها لسياراتها من أجل هاتين المهمتين، لكن ذلك أيضاً كان له ما له وعليه ما عليه من ملاحظات.
علماً أن هذه المهام من المفترض أنها فرصة للمؤسسة، عسى أن تستعيد الثقة المهزوزة بها من قبل المواطنين، وتستعيد دورها بما يحقق مصلحتهم.
السياسات والإرادة الحكومية هي الحاسمة
يبقى أن نقول: إن هذه المؤسسة فعلاً عملاقة، لكن جرى ويجري تقزيمها وتقزيم دورها كذراع تنافسي حكومي لمصلحة المواطنين، وذلك بسبب تغوّل التجار والاستثمار فيها، مع ما يتبع ذلك من بعض أوجه الفساد، وما يترتب على ذلك من تجيير لدورها بما يخدم استمرار مصالح هؤلاء، على حسابها وعلى حساب مصلحة المواطنين.
وربما ليس من الصعوبة استعادة دورها التنافسي الحقيقي، وتعزيز ثقة المواطنين بها، بحال تم إنهاء هذا التغوّل، عبر استعادتها لصالاتها المستثمرة، مع تكريس اعتمادها على توفير سلعها المحلية من قبل المنتجين مباشرة دون الحلقات الوسيطة، ومن خلال قيامها بالاستيراد باسمها للمواد غير المتوفرة محلياً، وخاصة الغذائية، وليس عبر الطرق الالتفافية تحت أية ذريعة، مع التأكيد على آليات الرقابة والمتابعة على حسن التنفيذ، منعاً للفساد والمحسوبية.
ولعلنا لا نبالغ بالقول: إنّ ذلك كله، وقبل أن يكون بيد إدارة هذه المؤسسة والقائمين عليها ورغبتهم، أو إرادة ورغبة التجار والمستفيدين، فهو بيد الإرادة الحكومية وتوجهاتها وسياساتها، وهي الحاسمة بذلك!.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 962