خبر مُحفّز وتساؤلات مشروعة
هل يستطيع المواطن أن يقدم شكوى ضد إحدى الجهات الحكومية لمساهمتها في انتشار وباء الكورونا؟
هل تتجاوب الجهات القضائية مع مثل هذه الشكوى والتحقق منها وتقوم بدورها باستكمال رفع دعوى على هذه الجهة؟
هل من الممكن التعميم على مستوى شكاوى ذات صبغة عامة بمضامين وحيثيات أخرى ضد جهات أو أفراد ساهموا بنشر الفقر أو الجوع أو المرض، أو بعض الظواهر السلبية في المجتمع؟.
هذه الأسئلة وغيرها قد تتبادر للأذهان على ضوء خبر تم تداوله عبر بعض وسائل الإعلام خلال الأسبوع الماضي عن شكوى قضائية تتهم الرئيس البرازيلي بمساهمته في انتشار الكورونا.
تفاصيل الخبر
يقول الخبر: «أرسل وزير المحكمة العليا البرازيلية ماركو أوريلو ميلو، استدعاءً لمكتب المدعي العام، لإيقاف الرئيس البرازيلي جاير بولسونارو عن منصبه لمدة 180 يوماً لارتكابه أفعالاً وضعت البلاد في حالة خطر في أزمة فيروس كورونا. وأرسل ميلو اتهاماً جرمياً إلى مكتب المدعي العام مقدماً من نائب رئيس حزب العمال في ولاية ميناس غيرايس ضد الرئيس بولسونارو. وتتهم الشكوى بولسونارو بانتهاج سلوك غير مسؤول في إدارة أزمة كوفيد-19 وتراخٍ وإنكار لمدى خطورة الوضع، الأمر الذي أدى لانتشار الفيروس. وتعتمد الشكوى على وقائع قيام بولسونارو، بازدراء واضح لبروتوكول إيقاف انتشار الفيروس، بالدعوة إلى المسيرات العامة وزيارة الساحات والمتاجر الكبرى وغيرها من النشاطات التي تحوي اتصالاً بشرياً عن قرب. وتردده في تبني إجراءات العزل الاجتماعي بما يقلل انشار الوباء».
تداعيات محقة
على سبيل المثال: من ضمن واقع ووقائع التعامل مع الجائحة الحالية المتمثلة بفيروس كورونا المستجد، فقد أصدرت الحكومة مجموعة من القرارات بما يتوافق مع إجراءاتها الاحترازية والوقائية المتخذة بهدف منع الازدحام حماية للمواطنين من انتشار الفيروس الخطير، والحد من انتشاره من خلال منع الاختلاط.
بالمقابل، ما زلنا نشهد الازدحام الشديد في صالات السورية للتجارة وأمام بواباتها، وعلى كُوّات الصرافات الآلية، ومن أجل الحصول على مادة الخبز، وهذا الازدحام والاختلاط يساهم في نشر الوباء ولا يحد منه، ويتعارض مع القرارات والتوجيهات الحكومية.
فهل ممن الممكن أن يتم التقدم بشكاوى رسمية ضد وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك، والسورية للتجارة، ووزارة المالية، والمصرف التجاري والعقاري، لدور هذه الجهات والمسؤولين فيها على مستوى المساهمة بنشر الوباء، ولمخالفتها القرارات والتعليمات الرسمية الصادرة عن الحكومة بما يخص منع الازدحام والحد من الاختلاط؟.
هل هي جريمة مكتملة الأركان؟
بما يخص الأمثلة أعلاه فإن أركان المخالفة والمسؤولية حيالها ربما تكون مكتملة، فالمرض الوباء تم التعريف به وبخطره، الحكومة وضعت تعليماتها وإجراءاتها الخاصة بمنع الازدحام، وأصدرت القرارات اللازمة بهذا الشأن، التحذيرات من مخاطر استمرار الازدحام تم التأكيد عليها مراراً وتكراراً، ومع ذلك ما زالت هذه الجهات مستمرة بعملها بنفس الآلية التي تساهم بشكل مباشر بنشر المرض بين المواطنين عبر كسر حال العزلة المطلوبة لتفادي انتشار المرض!.
ولا ندري هل من الممكن الانتقال من حيّز اعتبار ما يجري عبارة عن مخالفة إدارية للتعليمات الحكومية فقط، إلى اعتباره جريمة موصوفة مكتملة الأركان بحق المواطنين وسلامتهم الصحية مع سبق الإصرار، هذا بحال النظر للحيثيات بموضوعية ضمن سياق الحقوق المصانة للمواطنين افتراضاً، ووفقاً للنصوص القانونية النافذة والدستور؟!.
قد يكون الجواب الشافي والكافي بهذا الصدد لدى أصحاب الرأي من المختصين الحقوقيين والقانونيين؟!.
التمادي في انتهاك الحقوق
بالعودة للخبر أعلاه، وبغض النظر عن بعض حيثياته ذات البعد السياسي، وبغض النظر عن مآلاته بالنتيجة، ربما مرّ مرور الكرام على الكثيرين، وهو أمر طبيعي ومفروغ منه في ظل التمادي في انتهاك الحقوق وضياع المسؤوليات، وبالتالي فقدان آليات المحاسبة على الكثير مما يمكن وضعه ضمن خانات الشك بالاتهام، مروراً بالتحقق منه، وصولاً للإدانة على الكثير من الممارسات، بل والسياسات المتبعة، مع اختلاف التوصيف الجرمي حيال كل من هذه الحقوق المنتهكة ودور الفاعلين فيها والمستفيدين منها.
فواقع الحال يقول: إن هناك الكثير من الحقوق المصانة دستورياً، والواردة نصاً عبر الكثير من القوانين وحيثياتها، منتهكة من الناحية العملية، بل ومُجيرة لمصلحة البعض من النافذين، كبار الفاسدين والأثرياء، على حساب الغالبية من المفقرين والمهمشين، بل إن الكثير من الانتهاكات أصبحت مقوننة ومُشرعنة كذلك الأمر!.
لنصل للتساؤل الأهم: هل من الممكن أن تستمر هذه الانتهاكات المفضوحة بحق الغالبية من السوريين، ذات التوصيف الجرمي مكتمل الأركان؟.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 961