في الرّيف.. الذّل وصل إلى الرغيف
يبدو أن الحكومة استغلت جائحة فيروس الكورونا، والإجراءات الوقائية المتخذة بشأنه، وقلصت معها مادة الخبز، بوضعها على قائمة المواد المقننة التي توزع عبر البطاقة الذكية، وقررت أن ربطة واحدة لكل عائلة تكفي ليوم واحد، مع العلم أن العائلات التي تعداد أفرادها كبير، أو التي لديها أطفال، استهلاكها أكثر من ذلك بكثير، ناهيك عن اعتباره الغذاء الأساسي، وربما الوحيد، لكثير من العائلات الفقيرة.
نوعية الخبز الذي يجري تصنيعه رديئة للغاية ولا تصلح للاستهلاك، وهذا ما دفع الكثيرين من المقتدرين إلى العزوف عنه، وتحولت بعض العائلات في الريف إلى صنع الخبز في منازلها، بينما بقيت الغالبية مضطرة لاستهلاكه، فلا قدرة مادية لديها على استهلاك الخبز السياحي كبديل.
تلوث وسوء نوعية
الآلية العشوائية التي يجري من خلالها توزيع الخبز في بعض مناطق وبلدات ريف دمشق حالياً، لا تُراعى فيها أدنى درجات النظافة، فربطات الخبز توضع فوق بعضها البعض أحياناً، مما يزيد من سوء مواصفة الرغيف، وتترك الربطات على الأرض لساعات مما يؤدي الى المزيد من سوء مواصفتها، كما حدث في مدنية التل حين وضع القائمون على توزيع الخبز في فرن حرنة الشرقية ربطات الخبز على الأرض، ووسط الطريق دون أدنى مسؤولية عن تلوثه، خاصة في هذا الظرف الذي يفترض أن تقنين الخبز وتوزيعه وفق الآلية الجديدة تم بسبب الإجراءات الوقائية من فيروس الكورونا، ناهيك عن كثرة الأيادي التي مرت عليها هذه الربطات، وما فيها من أرغفة، قبل وصولها للمواطن المستهلك أخيراً، من عمال الفرن، لمن نقلها إلى السيارة، وصولاً للمعتمد والموزعين، وأخيراً للأرض، في مشهد واقعي يدل على الاستهتار الرسمي، ليس بقوت المواطنين من خلال مادة رئيسية في غذائهم فقط، بل وبكرامتهم أيضاً، فالوساطة والمحسوبية والاستغلال ما زالت ظواهر تتسيّد المشهد أيضاً.
نهب وذل
لطالما تحدثت الحكومة عن الخبز خلال الأزمة بأنه خط أحمر، ولن يتم رفع الدعم عنه (مع أنها تجاوزت ذلك الخط عدة مرات)، وتحدثت عن الأرقام الخيالية لدعمه، وأن تكلفة الربطة تصل إلى 300 ليرة سورية وتبيعه هي بـ50 ليرة للمواطن، مع العلم أن هذه الكلفة مرتفعة جداً، في الوقت الذي كانت ربطة الخبز السياحي مسعرة بـ 300 ليرة، مع هامش ربح بكل تأكيد، فكيف يمكن أن نقارن بينهما بالمواصفة والجودة، وأن نقتنع بأن تكلفة الخبز الحكومي أعلى من تكلفة السياحي؟!.
الجلي في الأمر أن الفارق في التكلفة والسعر والمواصفة، بين التمويني والسياحي، يذهب نهباً عبر أشكال الفساد والاستغلال، وهذا الأمر جرى تفنيده أكثر من مرة عبر صفحات قاسيون، وربما لا داعي لإعادة الحديث عنه مجدداً، لكن من المؤكد أن ما يعني المواطن في النهاية أنه أصبح مضطراً لأن يدفع سعر الربطة أكثر من تسعيرتها النظامية، وبنفس الوقت أصبحت أكثر سوءاً، مع الكثير من الإذلال أيضاً!.
تساؤل مشروع!
الحصول على رغيف الخبز أصبح صعباً، ومتعذراً أحياناً، بالمقابل من الصعوبة تعميم استهلاك الخبز السياحي من قبل جميع المواطنين، وبشكل دائم، خاصة بعد أن ارتفع سعره حتى الآن إلى الضعف، حيث وصل سعر ربطة السياحي إلى 700 ليرة سورية، وأغلب العائلات لن تستطيع شراءه، وخاصة المفقرين، وهم الغالبية، فليس بمقدور هؤلاء تحمل تكلفة استهلاك هذا الخبز الشهرية، والتي من الممكن أن تتجاوز الـ40 ألف ليرة.
فهل تحاول الحكومة استغلال هذه الظروف الاستثنائية لتمرير مشروع رفع الدعم النهائي عن الخبز، عبر تقنينه وفقاً للآليات الجديدة المتبعة، ومن خلال الصمت على صناعته الرديئة ومواصفته المتردية، وعدم تمكن الجميع من الوصول إليه، لكي يتخلى المواطنون عنه «من تلقاء أنفسهم»، وفرض الاستعانة بالخبز السياحي الخاص بدلاً عنه اضطراراً؟.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 959