سياسات التنمية التمييزية ظهرت عارية
التعليمات والإجراءات الحكومية المتخذة بسبب الجائحة الحالية، بالمقارنة مع الواقع التنفيذي لها مع نتائجها، ربما تعطينا فكرة واضحة عن الخلل والفجوة المزمنة المتعلقة بالتباين في مستويات التنمية وعدم العدالة فيها، ليس بين المحافظات فقط، بل بين الأرياف والمدن القريبة منها أيضاً.
مؤشرات هذا التباين ظهرت عارية الآن، سواء على مستوى الخدمات الهامة والضرورية، أو حتى على مستوى أدنى الخدمات، فالمخابز مثلاً فيها خلل بالتوزع الجغرافي والمناطقي، وكذلك حال المستوصفات والمشافي، وصولاً للصرافات الآلية وتوزيعها الجغرافي، فكيف الحال على بقية المستويات، الاقتصادية والصناعية والزراعية والاجتماعية، الكثيرة والعديدة مع نتائجها وانعكاساتها.
العجز عن تنفيذ الاستراتيجيات
مع وجود هذا الخلل المزمن يبدو أن وضع أي استراتيجية على مستوى الإجراءات المرتبطة بالحالة الطارئة الآن غير قابلة للتنفيذ كما ينبغي لها أن تكون، ولعل مشاهد الازدحام والطوابير على الصرافات أو من أجل الحصول على القوت اليومي أكبر دليل على التباين التنموي بكافة المستويات حتى داخل المدينة الواحدة مع ريفها القريب.
فالتعليمات والتوجيهات، بالإضافة لما فرضته من مهام على كل وزارة بحسب اختصاصها ومسؤولياتها، ركزت كذلك على دور ومهام الوحدات الإدارية بحسب قانون الإدارة المحلية، لكن شتان بين النظري والعملي بظل الفجوة التنموية، لذلك يبدو هناك الكثير من الارتجال والعشوائية أحياناً خلال تنفيذ ما يطلب من تعليمات، ولذلك يظهر التعارض في الاجراءات التنفيذية بين كل وزارة لهذه التعليمات.
أمثلة
فقد ظهر مثلاً تعارض بين إجراءات وتعليمات منع التجول من قبل وزارة الداخلية مع تعليمات وإجراءات صرف الرواتب والأجور للمستحقين الصادرة من وزارة المالية، وكذلك التعارض بين تعليمات وزارة الصحة بشأن التجمعات وتعارضها مع إجراءات وزارة حماية المستهلك بما يخص توزيع الخبز والمواد الغذائية عبر السورية لتجارة، وغيرها الكثير من الأمثلة الفاقعة الأخرى، التي تظهر بالنتيجة وكأن كل وزارة تغني على ليلاها! بينما واقع الحال يقول أن الامكانات المتاحة أمام كل منها محدودة بظل تعمق الفجوة التنموية خلال العقود الطويلة الماضية بين المحافظات والمدن والمناطق والبلدات والقرى الصغيرة، بالتوازي طبعاً مع كل نتائج السياسات التمييزية الأخرى.
أما الأكثر جلاءً فهو أن هذه الفجوة، التي تُركت لتتعمق طيلة العقود الماضية من خلال السياسات التمييزية المتبعة، يدفع ضريبتها المواطنين، وخاصة المفقرين والمهمشين بالنتيجة، بمقابل استفادة شريحة كبار الأثرياء والفاسدين منها.
ضرورات صحية ووطنية
قد تكون الجائحة الحالية فرصة لتسليط الأضواء على عمق هذه المشكلة المزمنة، ولإعادة الاعتبار للتنمية المتوازنة والعادلة بين المحافظات والمناطق وعلى كافة المستويات، وللقطع مع السياسات التي أفرزت هذه الفجوة مع نتائجها السلبية، التي ظهرت نتائجها الملموسة خلال الفترة القريبة الماضية بشكلها الأكثر فجاجة وقباحة.
فالضرورات الصحية الحالية لوحدها أصبحت تفرض ذلك، ناهيك عن كل الضرورات الوطنية الأخرى المرتبطة بنفس هذه العناوين.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 959