الاستثمار بملف اللاجئين مستمر
عادل إبراهيم عادل إبراهيم

الاستثمار بملف اللاجئين مستمر

عاد الاستثمار بملف اللاجئين السوريين للواجهة مجدداً، فقد أعلنت السلطات التركية عن فتح حدودها مع أوروبا أمام اللاجئين الموجودين على أراضيها للعبور إليها، بل سخرت لهم وسائل نقل مجانية أيضاً.

الإتجار في هذا الملف الإنساني، وبالكارثة السورية عموماً، لم يقف عند حدود هذا الشكل من الاستثمار من قبل تركيا مؤخراً للضغط على أوروبا من أجل ابتزازها، سياسياً واقتصادياً وعسكرياً وأمنياً، كما لم يقف على تركيا وحدها فقط.
فمع الأسف ما زال هذا الملف عرضة للاستغلال والابتزاز من قبل الكثير من القوى المحلية والإقليمية والدولية، بما في ذلك بعض المنظمات التي تدعي الإنسانية، وستبقى كذلك إلى أن يجد حلوله مع بقية الملفات المرتبطة بالأزمة السورية بحسب القرار 2254، باعتباره بوابة العبور الوحيدة الممكنة والمتاحة لحل الأزمة السورية بشكل نهائي.

صور متداولة

الكثير من الصور المؤلمة تم تداولها عبر وسائل الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي عن مجريات نقل بعض اللاجئين، مختلفي الجنسيات، عبر وسائط النقل التي خصصتها السلطات التركية لنقلهم إلى الحدود مع أوروبا برحلة مجانية ذهاباً فقط، حيث يظهر التدافع والازدحام على هذه الوسائط.
كما تم تداول الكثير من الصور القاسية أيضاً التي تُظهر أعداداً من اللاجئين في العراء على الحدود التركية بانتظار تمكنهم من العبور للطرف الآخر براً، أو بانتظار «البالمات» التي ستنقلهم بحراً إلى اليونان، والتي تظهر فيها ملامح التعب والإرهاق على اللاجئين، الذين باتوا في العراء، نساء ورجالاً، شيوخاً وأطفالاً، والذين سيبقون في العراء على ما يبدو، فلا وسائط نقل لإعادتهم إن أرادوا ذلك!.
كما سبق، الصور الكثير من الأحاديث والتصريحات الرسمية المتبادلة، تركياً وأوروبياً ودولياً، وترافق معها الكثير من التعليقات المنشورة من قبل بعض اللاجئين وذويهم على الحدود.

جوانب مغيبة ظهرت للعلن

هذه الصور المتداولة، برغم قساوتها وبؤس من ظهر فيها، قد لا تعكس إلا جانباً واحداً من حقيقة الإتجار والاستثمار بهذا الملف، فيما تبدو الجوانب الأخرى مغيبة قصداً وعمداً من أجل المزيد من الاستثمار والإتجار بهذا الملف لاحقاً على المستوى الإقليمي والدولي، في ظل حال الانقسام والصراع، وَلَيْ الأذرع المتبادل بين القوى الفاعلة على حساب مآسي البشر وكارثتهم الإنسانية.
فالسلطات التركية أظهرت بكل قبحها كيف تستثمر وتبتز بهذا الملف، كما ظهرت، بالمقابل ردود الفعل الأوروبي والدولي التي لم تقل قبحاً عن الموقف التركي.
فها هي السلطات اليونانية والبلغارية بدأت تستعمل العنف تجاه اللاجئين من أجل منعهم من عبور حدودها، مع الكثير من الإجراءات والتشديد الأمني على الحدود، وها هي المنظمات الإنسانية تسجل غيابها عن دورها الإنساني المفترض بهذا الصدد، بينما أعربت المفوضية الأوروبية عن «قلقها» من تدفق المهاجرين من تركيا باتّجاه حدود اليونان وبلغاريا.
الجانب المغيب من الصور والذي يمكن استشفافه من ظاهرة التدفق الأخيرة على الحدود الأوروبية لا يقتصر على الجانب التحريضي الذي مورس مع اللاجئين وتسهيل وصولهم إلى الحدود مجاناً فقط، بل إن واقع وجودهم على الأراضي التركية وفي المخيمات المخصصة لهم طيلة السنوات الماضية كان من البؤس والتردي لدرجة إعادة مغامرة عبور الحدود مع كل مخاطرها وتكاليفها وتعبها مجدداً.
فغالبية هؤلاء اللاجئين سبق لهم وأن جربوا مغامرة العبور نحو أوروبا وعادوا خائبين ومجبرين إلى مخيمات البؤس والحرمان، وذلك يعتبر مؤشراً ودليلاً على سوء وضعهم داخل هذه المخيمات، في الوقت الذي كانت فيه تركيا والمنظمات الدولية وطيلة السنوات الماضية تتحدث فيه عن دورها الإنساني تجاه رعاية هؤلاء على مستوى معيشتهم وخدماتهم وأمنهم و... مع المطالبة الدائمة بالتعويضات لقاء ما يتم صرفه على اللاجئين، بالإضافة إلى الإتاوات، لقاء منع المقيمين في هذه المخيمات من المغادرة أيضاً، سواء بشكل مباشر أو بشكل غير مباشر.

الحل السياسي وتقرير المصير

حال اللاجئين في تركيا، وخاصة في المخيمات، لا يختلف عن حال أقرانهم من الموجودين في مخيمات الدول الإقليمية الأخرى، وواقع الإتجار والاستثمار بمأساة هؤلاء قد لا تختلف بين دولة وأخرى إلا بدرجات محدودة توافقاً ربما مع وزنها ودورها في لحظة الاستثمار من قبل كلٍّ منهم ليس إلا.
وبغض النظر عن مبررات وذرائع تركيا لوضع هذا الملف موضع الاستثمار والابتزاز الفج والعلني حالياً، أو التهديد به بين الحين والآخر، بما يحقق لها بعض المكاسب التفاوضية على حساب الكارثة والمعاناة الإنسانية للاجئين، فإن هذا الملف بمجمله، مع ملف الأزمة السورية عموماً يجب إخراجه من حيِّز الاستثمار والإتجار والمبازرة الدولية، وهذا لن يتم إلا عبر فسح المجال أمام السوريين لتقرير مصيرهم بأنفسهم، وهذا لن يتم إلا من خلال الحل السياسي والتنفيذ الكامل للقرار 2254، وكل إعاقة أو تعطيل وتأخير بهذا الإطار، ومن أي طرف كان، لا تختلف من حيث التقييم والجوهر عن كونها استثماراً وإتجاراً وقحاً بالكارثة والأزمة السورية.

معلومات إضافية

العدد رقم:
955
آخر تعديل على الإثنين, 02 آذار/مارس 2020 13:43