حلب وتعفيش الفرح!

حلب وتعفيش الفرح!

كانت أيام حلب منذ بداية العام وحتى إعلان تحريرها بالكامل ضاغطة بسبب ما عانته من قذائف طالت جميع أحيائها، مع تداعياتها ونتائجها على مستويات الأمان والإضرار بالملكيات، وكان الضغط متسارعاً مع العمليات العسكرية التي تكَّللت بتحريرها، ليُغلق الفصل الدموي الذي تجرعته لتسعة أعوام دون توقف.

لكن الفرحة التي انتظرها الكثيرون ليعودوا إلى بيوتهم ويتفقدوا ما حل ببيوتهم وممتلكاتهم لم تتم لهم!.
فمع الساعات الأولى للإعلان تكدست على الطرق الواصلة للمناطق المحررة، في المدينة وريفها الغربي، العديد من الشاحنات التي نقلت ما تيسر لها من ممتلكات المواطنين، ليتم بيعها عند (دوار شيحان) و(دوار الموت) مدخل حلب الغربي و(منطقة الخزان الأرضي) في الأشرفية و(المنصورة) على طريق الشام، وغيرها من المناطق التي تنافس فيها المعفِّشون لبيع مسروقاتهم وبأسعار زهيدة، مع تناقل معلومات عن وجود مخازن يتم تجميع المسروقات فيها لتباع في وقت لاحق.

وقائع مؤسفة ومؤلمة

من وصل إلى بيته لم يستطع الدخول إلى منزله إلَّا على مسؤوليته الشخصية بسبب المخلفات من الألغام، حيث سقط منذ أيام ثلاثة شهداء من عائلة واحدة نتيجة ذلك، فيما تعرَّض شاب لبتر ساقه وهو في طريقه مع والده لتفقد معمله في منطقة الراشدين وحيّان، الأمر الذي وضع العديد من الأهالي بين ناري الألغام والمعفشين.
في حين تم تداول قصة أحد الأشخاص الذي حاول منع مجموعة أشخاص من نقل أثاث منزله، ليحتدم الخلاف بينهما ويقوم أحدهم بإردائه قتيلاً، دون وجود أدنى رادع، في حين اضطر آخر لشراء أثاثه الذي تم عرضه للبيع قبل أن يخسره؟!.
حتى من حاول من الأهالي البقاء في بيته لحمايته من السرقة، أو محاولة إخراج الأثاث من المنزل، فقد باءت بالفشل ولم يستطيعوا فعل شيء إلا لقاء مبالغ «إتاوات».

ظاهرة سلبية متكررة

التعفيش في المدينة جرى في وقت سابق عند تحرير مناطقها الشرقية في خواتيم عام 2016، ليعود الحديث عنه الآن وبشكل أكبر، حيث لم يقتصر على بيع أثاث البيت وأدواته الكهربائية فحسب، بل يتعداه إلى فك الإكساء الداخلي من أبواب وشبابيك وبلاط وأسلاك كهربائية وتمديدات صحية، وعندما لا يجد هؤلاء ما يسرقونه يقومون بحرق المنزل أو الإضرار به وتخريبه بمنتهى الحقد، وكأن أصحاب هذه البيوت من المواطنين لا يكفيهم ما مروا به خلال السنوات الفائتة! والأكثر من ذلك أنَّ عمليات التعفيش والتخريب لا تطال الملكيات الخاصة فقط، بل والملكيات العامة كذلك الأمر.

النصر والمواطن الخاسر

أمام فرحة النصر المدوية لا يرى أحد مدى الخسائر التي دفعها المواطن في هذه الحرب، تسع سنوات من الأزمة، مات فيها مئات المرات من القذائف والبرد والجوع والتشرد، ونُهب مئات المرات، وقُهر على مسمع ومرأى الجميع، ليستكمل كل ذلك أخيراً مع عمليات التعفيش المكررة، مع العلم أن المجموعات التي تقوم بعمليات التعفيش معروفة بالشكل من قبل المواطنين، ولكن لم يجرؤ أحد على مواجهتهم خوفاً على أنفسهم، باعتبار أن هؤلاء المعفّشين يستقوون بسلاحهم وبمن خلفهم من الداعمين والمُشغلين.
بالمقابل، لا بدَّ من الإشارة إلى أنه من السهولة معرفة هؤلاء ورصدهم وتتبعهم ومحاسبتهم مع مُشغليهم، في حال وجود النيّة والقرار بذلك، خاصة وأن عملهم وتحركهم يتم على مرأى ومسمع أولي الأمر، وكذلك أسواقهم ومستودعاتهم.

بوجود الحكومة

كل ما سبق تزامن جزء هام منه قبل ومع زيارة الوفود الحكومية والرسمية العتيدة إلى المدينة مؤخراً بعد إعلان النصر، وما زال يستكمل فصوله بعد مغادرتها!.
وبحسب بعض المواطنين، فإن الزيارات السابقة للحكومة لم تأت لهم بأي جديد، اللهم باستثناء غياب التقنين الكهربائي الذي يتجاوز 15 ساعة يومياً، أو الحد منه نوعاً ما، والذي لا يلبث أن يعود إلى ما كان عليه بعد مغادرتها مباشرة!.
فهل سيتم إيقاف هذه المهزلة «الجريمة» بحق الملكيات العامة والخاصة، أم أن الصمت الرسمي سيكون شريكاً في الإجهاز على ما تبقِّى من ملكيات في المدينة، مع وأد كل فرصة فرح أو بوابة أمل فيها؟.

معلومات إضافية

العدد رقم:
954
آخر تعديل على الإثنين, 24 شباط/فبراير 2020 13:01