زير الصناعة.. وبئر الحكومة
هل هناك تقصير من قبل الصناعيين واتحاداتهم في شرح معاناتهم أو في عرض مطالبهم طيلة السنين الماضية؟.
هل فعلاً الحكومة لا تعرف أوجاع الصناعة والصناعيين ومعيقات الإنتاج والعملية الإنتاجية؟.
هل تنتظر الحكومة فعلاً دراسات واقتراحات جديدة بشأن تذليل صعوبات عمل القطاع الصناعي «عام- خاص»؟.
كل الأسئلة السابقة وغيرها الكثير مما يتبادر للأذهان تبدو مشروعة بعد الاطلاع على بعض ما رشح من نتائج الاجتماع الأخير الذي جرى بين الحكومة واتحادات غرف الصناعة وبعض الصناعيين نهاية الأسبوع الماضي، فقد ظهر وكأن الحكومة تجتمع لأول مرة مع الصناعيين لتستمع إليهم وإلى مواجعهم ومطالبهم!.
مشاكل قديمة متجددة
مشاكل القطاع الصناعي والصناعة والإنتاج عموماً ليست جديدة، فهي قديمة ومتشعبة منذ ما قبل سني الحرب والأزمة، وقد أتت هذه السنوات لتزيد عليها مشاكل وأزمات وتعقيدات جديدة وعميقة، ناهيك عن الأضرار المباشرة وغير المباشرة التي لحقت بها بسببها، وصولاً إلى توقف الكثير منها أو خروج بعضها عن حيز العملية الإنتاجية بشكل كامل.
هذه المشاكل تم «تفصيصها» وتفصيلها مراراً وتكراراً خلال السنين والعقود الماضية، وتم عرضها مع الكثير من المقترحات العملية المقترنة بالدراسات والأرقام من قبل المعنيين المباشرين بهذا القطاع، عام أو خاص، لحلحلتها حكومياً، وفي كل مرة يتم الطلب من هؤلاء تقديم المزيد من الدراسات والاقتراحات، وفي كل مرة تُشكل اللجان وتُعقد الاجتماعات وتصدر التصريحات، ودون جدوى بالنتيجة.
قطاع هام ولكن؟
قد لا يختلف اثنان على أن الإنتاج الحقيقي- الصناعي- الزراعي- هو أحد أهم المقدمات للخروج من صعوبات الواقع الاقتصادي، بالإضافة إلى دوره على مستوى التنمية ومعدلاتها، المرتبطة «افتراضاً» بالخطط الحكومية العامة الموضوعة بهذا الشأن.
وربما يكاد لا يمرُّ يوم دون الحديث عن الإنتاج والصناعة وصعوباتها ومعيقاتها، سواء بشكل مباشر مع الحكومة، أو بشكل غير مباشر عبر وسائل الإعلام، ومع ذلك ما زالت الصعوبات على حالها، والمعيقات والتعقيدات مستمرة، دون حلول.
فالمشاكل والتعقيدات المرتبطة بالصناعة والإنتاج، وتشابكها مع غيرها من المشاكل المرتبطة بالقطاعات الاقتصادية والخدمية الأخرى، جعل من هذه المشاكل أزمات تعيق الإنتاج والعملية الإنتاجية، ومنها على سبيل المثال لا الحصر: (أزمة الطاقة والوقود- توفُّر مستلزمات الإنتاج- ارتفاع تكاليف الإنتاج- نقص اليد العاملة- تذبذب القيمة الشرائية لليرة- تدني معدلات الاستهلاك في السوق المحلي- محدودية الأسواق الخارجية...)، لتضاف إليها العقوبات والحصار بالتوازي مع استمرار السياسات الاقتصادية المحابية للأنشطة الاستثمارية التجارية والعقارية والخدمية على حساب القطاع الإنتاجي، ما أدى ويؤدي إلى التراجع المطَّرد للصناعة والإنتاج، ولهذا القطاع الحيوي والهام.
مزيد من الدراسات والمقترحات
في الاجتماع الأخير بين الحكومة واتحاد غرف الصناعة وبعض الصناعيين بتاريخ 23/1/2020، اعتبر رئيس الحكومة: «اللقاء نقطة تحول مفصلية في واقع الصناعة السورية لمواجهة ظروف الحصار والعقوبات الاقتصادية المفروضة على البلاد»، وذلك بحسب صفحة الحكومة.
أما ما تمخَّض عنه الاجتماع فيمكن اختصاره بالتالي:
تكليف وزارة المالية بالاجتماع مع أصحاب الفعاليات الاقتصادية لمراجعة كل الإجراءات والقوانين التي اتخذتها الحكومة خلال الفترة الماضية لدعم الاقتصاد، وخاصة ما يخص الصناعة وتقديم مقترحات جديدة تهم الإنتاج وخاصة للمناطق الصناعية المتضررة.
الطلب من الفعاليات الصناعية تقديم مقترحات عملية لتحفيز الإنتاج لاسيَّما في ظل التوجه الحكومي لتكريس التشاركية مع القطاع الخاص وتعزيز الخطوات التشريعية الرامية إلى دعم مدخلات الإنتاج.
تكليف وزارات الاقتصاد والصناعة وهيئة التخطيط والتعاون الدولي دراسة مشروع صك تشريعي لتنظيم العمل الصناعي ودراسة مسودة مشروعٍ لإعفاء المنشآت الصناعية المتضررة بفعل الإرهاب من الغرامات.
الطلب من اتحاد غرف الصناعة إجراء توصيف لواقع كل قطاع صناعي على حدة، وتقديم المقترحات اللازمة لتفعيله وتأمين متطلباته.
إعداد خارطة صناعية في كل محافظة، وتوصيف واقع المنشآت المتضررة والمتوقفة وإعادتها إلى العمل والإنتاج.
دراسة وضع آلية جديدة أو بدائل لتمويل استيراد المواد الأولية ومستلزمات الإنتاج، وسيتم الإعلان عنها خلال الأسبوع القادم.
العمل المشترك بين الحكومة واتحاد غرف الصناعة لوضع سياسة ضريبية تساهم في دعم الإنتاج المحلي بكافة مفاصله.
تشكيل «غرفة عمليات» من الجهات الحكومية المعنية واتحاد غرف الصناعة للمساهمة في مكافحة البضائع المهربة.
أي مزيد من الدراسات والاقتراحات والمزيد من اللجان والاجتماعات، والمزيد من هدر الوقت والمراوحة في المكان.
مطالب ولقاءات واجتماعات سابقة
ربما بهذا الصدد من المناسب التذكير بالمؤتمرات الصناعية التي عقدت سابقاً ومآل توصياتها، والكثير من الاجتماعات النوعية التي عقدت بشأن القطاع الصناعي، سواء كانت حكومية، أو بين الحكومة والصناعيين واتحادهم، والتي لم تختلف بنتائجها عن نتائج الاجتماع الأخير، ومنها:
اجتماع عمل حكومي بتاريخ 17/9/2016 حمل عنوان: «وضع الآلية التنفيذية لخطة وزارة الصناعة المتعلقة بتنشيط القطاع الصناعي العام والخاص».
اجتماع لاتحادات غرف التجارة والصناعة والزراعة واتحاد المصدِّرين والحرفيين برئاسة رئيس الحكومة بتاريخ 21/1/2017.
لقاء نوعي بين الفريق الحكومي الاقتصادي واتحادات غرف التجارة والصناعة والزراعة والسياحة والمصدِّرين والحرفيين لتقييم العمل، ووضع أسس مرحلة جديدة من التعاون والشراكة لتحقيق التنمية الاقتصادية برئاسة رئيس الحكومة بتاريخ 22/12/2018.
وغيرها الكثير من اللقاءات والاجتماعات والتصريحات، والتي لم تختلف بنتائجها عن مضمون الاجتماع أعلاه، والتي لم تسفر من الناحية العملية عن شيء إيجابي حقيقي على مستوى دعم الصناعة والإنتاج، أو على مستوى تذليل بعض الصعوبات والمعيقات، فالدراسات مطلوبة والخرائط بحاجة لإعادة رسم مجدداً، مع تجيير بعض القضايا المطروحة بإعادتها إلى الاتحادات من أجل إعادة رفعها مجدداً، وهكذا..
أما الملفت مما رشح عن الاجتماع الأخير أعلاه فهو القول «إنه تم تنفيذ توصيات المؤتمر الصناعي الثالث التي تتناسب مع الإمكانات المتاحة وما تبقى من التوصيات التي لم تنفذ، فهي تحتاج لظروف وإمكانات خارج ظروف الحرب الحالية»، مع العلم أن المؤتمر الصناعي الرابع الذي كان من المقرر عقده بداية هذا العام قد تم تأجيله إلى أجل غير مسمى، بسبب عدم تنفيذ توصيات المؤتمر الثالث بحسب ما صرح به رئيس اتحاد غرف الصناعة نهاية العام الماضي، والمؤسف هو الاقرار بالمماطلة بتنفيذ التوصيات إلى حين تغير الظروف المرتبطة بالحرب والأزمة، وما على الصناعيين إلا الانتظار والانتظار، والنتيجة أن سين التسويف التنفيذية كانت وما زالت هي المتسيدة دائماً وأبداً، فبئر الحكومة العميق قادر على ابتلاع المزيد والمزيد من الدراسات والمقترحات، ومن الاجتماعات واللجان.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 950