السكن الجامعي.. الرمد أفضل من العمى
مكرهاً لا بطلاً يلجأ الطالب إلى السكن الجامعي، حيث الازدحام والمحسوبية والواسطة، وتردي الخدمات، لكنها بالمقابل فرصة مطلع كل عام دراسي، وخاصة للمفقرين والمستجدِّين، اتقاءً لشر الإيجارات والشقق المفروشة، وارتفاع أسعارها.
فالسكن الجامعي هو المكان الذي يُؤوي الشباب الجامعي، حامل شعلة المستقبل والمبشر به، مشاكله قديمة ومزمنة، وبرغم بساطة بعضها، لكنها لم تجد لها حلاً حتى اليوم، بل تفاقمت خلال الفترة الأخيرة، فأزمة السكن العامة وملحقاتها وتداعياتها تنطبق بشكل أو بآخر على السكن الجامعي أيضاً، وربما مع بعض الإضافات النوعية.
ففي السكن الجامعي من الطبيعي أن يعيش تسعة طلاب في غرفة لا تتجاوز مساحتها بضعة أمتار، وذلك بعد أن يلجأ الطالب هنا إلى «واسطة تقيلة» كي يتمكن من التسجيل بالسكن الجامعي، بسبب الازدحام الطلابي وقلة الشواغر، وبعدها ربما من المفروغ منه الاضطرار لدفع «مبلغ محرز» من أجل التمكُّن من استلام سرير وطاولة دون مماطلة، وبعيداً عن المماحكة!.
ازدحام ووساطات
تبدأ المعاناة مع رحلة التسجيل على السكن الجامعي كل عام منذ الإعلان عنها، وفتح نوافذ التسجيل المخصصة لها، من خلال الازدحام الطلابي على طوابير الانتظار الطويلة، والتي تترافق مع البطء في عملية التسجيل، بسبب تقاعس بعض الموظفين، بل وتوقفهم عن العمل أحياناً، مما يضطر الكثير من الطلاب لمعاودة الانتظار في الطوابير لأيام متتالية من أجل التسجيل فقط، والسبب الرئيس في ذلك هو عدم تناسب الشواغر المتوفرة مع عدد الطلاب المتقدمين الكبير.
وعن ذلك قال أحد الطلاب: «وقَّف التسجيل وأنا ناطر أكتر من مرة»، وعند سؤاله عن السبب في ذلك أجاب: «مرَّة الموظفة كانت عم تشرب قهوة، ومرَّة عم تاكل، ومرَّة وصلنا حكي أنها ضاجت وحردانة».
وغير ذلك هناك الظاهرة المعتادة في غالبية الدوائر والمعاملات المتعلقة بالمواطنين وخدماتهم وهي «الوساطة»، بمجيء أحد المتنفذين متجاوزاً عشرات، بل مئات الطلاب في الطابور، ليسجل لأحد ذويه أو معارفه، أو ربما مقابل مبلغ لقاء هذا العمل دون أي رادع.
ولا تنتهي عملية التسجيل إلا وقد ذاق الطلاب فيها جميع ألوان الإرهاق والتعب النفسي والجسدي، ومع ذلك قد تَمُرُّ أيام دون أن يستطيع البعض الحصول على وصل التسجيل، مما يضطر جزء منهم للجوء إلى دفع الرشاوى للحصول على وثيقة التسجيل أخيراً.
«قاووش» مع تردي خدمي
يعاني الطلاب المقيمون في السكن الجامعي في مدينة دمشق من سوء الوضع الخدمي فيه، والذي يتفاقم بسبب الازدحام، فمعاناة الطلاب التي تتكرر في كل عام تتمثل في الازدحام وزيادة عدد المقيمين في الغرفة الواحدة الذي يتجاوز الحد المسموح بالنصف تقريباً، كأن يُقيم في الغرفة الواحدة من 8-10 طلاب، ما يجعل من الإقامة والسكن بيئة غير مساعدة على التحصيل العلمي، إضافة إلى تردي الحالة الفنية لبعض الوحدات السكنية، وتكرار الأعطال في دورات المياه والكهرباء، والتأخُّر في عمليات التنظيف وترحيل القمامة، ما يؤدي لانتشار الحشرات «الزاحفة والطيارة» في ظل تعذُّر الاستجابة السريعة لورشات الصيانة المسؤولة عن كل ذلك افتراضاً.
فالمدينة الجامعية لا يصفها طلابها باسمها الطبيعي، بل يصفونها أحياناً على أنها «مهاجع»، والبعض يصف غرفته بـ«القاووش» لأنها لم تكن يوماً غير كذلك بالنسبة له ولزملائه الطلاب.
شهادات إضافية
لا شكَّ أن المدينة الجامعية، وعلى الرغم من الازدحام الكبير فيها، إلا أنها فرصة تصبُّ في مصلحة الطلاب القادمين من مختلف المحافظات لاستكمال تحصيلهم العلمي الجامعي، وخاصة الغالبية من المفقرين الذين يرون هذه الفرصة أفضل بما لا يقاس من الإيجار الذي لا قدرة للغالبية منهم على تحمّله.
وحول ذلك قال أحد الطلاب المقيمين في السكن الجامعي بحسب مقولة الرمد أفضل من العمى: «فينا نقول كحل المدينة الجامعية أفضل من عمى الإيجار».
بالمقابل أحد الطلاب روى لنا التالي: «ما في أية خدمات تذكر، الكهربا بتنطفي علينا ٨ ساعات باليوم.. وسيلة التدفئة الوحيدة هي الوشيعة اللي عالكهربا وهيي أكتر شي بيسبب أعطال بالكهربا وبتنطفى لساعات، ما عدا الخطر بالتعامل معها.. المطبخ مشترك كل ٥ غرف إلن مجلى، وعطول طايف.. والحمام يوم واحد بالأسبوع مي سخنة، والطلاب بتتقاتل عالدور.. وبالشتوية عَطول الأرض طايفة والأسقف عم تزرب.. والشوفاجات للمنظر بس».
قضية مزمنة دون حلول
حال السكن الجامعي في دمشق، وغيرها من المحافظات، يشبه كثيراً حال عدد كبير من القضايا المزمنة التي مرت عليها السنوات ولم تجد طريقاً للحل، ولا أذناً مصغية لدى الجهات المختصة، على الرغم من أهميتها وملامستها لحياة المواطن اليومية.
فعلى الرغم من الازدياد السنوي المطرد بأعداد الطلاب الجامعيين وحاجة هؤلاء للسكن، وخاصة الغالبية المفقرة منهم، إلّا أنَّ أعداد وحدات السكن الجامعي الطلابي لم تزداد بما يتناسب مع هذه الزيادات السنوية، والشكل المفروغ منه بناء عليه أن يكون هناك ازدحام وكثافة طلابية، ناهيك عن تكريس أساليب المحسوبية والواسطة والرشوة وغيرها، والتي تتزايد عاماً بعد آخر.
أما الأسوأ من ذلك فهو أن الوحدات السكنية المتوفرة، وبرغم قلتها وعدم كفايتها، إلّا أنها شبه منسية من الناحية الخدمية وناحية عمليات الصيانة الدورية لها، وبهذا الصدد لن نتحدث عن المآسي والكوارث التي تحدث بين الحين والآخر، والتي يدفع ضريبتها بعض الطلاب والطالبات.
آمال طلابية آنية ومستقبلية
النتيجة، أنَّ الغالبية المفقرة من الطلاب أصبحت غير مستفيدة من هذه الميزة، كما أن المستفيدين من هذا السكن لا يعتبرونه إلا فرصة محدودة، حيث لا تتوفر في هذا السكن الشروط المطلوبة، وخاصة البيئة المناسبة للدراسة واستكمال التحصيل العلمي، وهو الغاية الأساسية المناطة بالسكن الجامعي.
فهل من استجابة من الجهات المعنية على مستوى المزيد من الاهتمام بخدمات السكن الجامعي، للحد من المعاناة وللدرء من المخاطر والكوارث؟.
والأهم، هل من خطط مستقبلية من أجل زيادة أعداد وحدات السكن الجامعي في جميع المحافظات، من أجل المزيد من الاستقطاب للشرائح المفقرة من الطلاب الراغبين باستكمال تحصيلهم العلمي، بعيداً عن شبح الإيجارات والاستغلال المرافق على هذا المستوى؟.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 945