غرامة فوات الخدمة الإلزامية..تسوية فردية أم عقوبة جماعية؟
عاصي اسماعيل عاصي اسماعيل

غرامة فوات الخدمة الإلزامية..تسوية فردية أم عقوبة جماعية؟

أقر مجلس الشعب مؤخراً مشروع القانون المتضمن تعديل الفقرة /هـ/ من المادة /۹۷/ من قانون خدمة العلم الصادر بالمرسوم التشريعي رقم /30/ لعام ۲۰۰۷ وتعديلاته، وأصبح قانوناً.

ومضمون المادة /97/ بحسب المرسوم التشريعي 30 لعام 2007 (قانون خدمة العلم) تتمحور حول «التعويض المدني» بدفع بدل فوات الخدمة لمن يتجاوز عمره السن المحددة للتكليف بالخدمة الالزامية، 42 عاماً، ولم يؤدها لغير أسباب الإعفاء المنصوص عليها.

الأسباب الموجبة

ورد على موقع مجلس الشعب بتاريخ 18/12/2019 عن الأسباب الموجبة لمشروع القانون ما يلي: «وحيث إن إقرار الحجز الاحتياطي لتحصيل مبلغ ثابت ومحدد المقدار بموجب نص تشريعي يتعارض والفائدة التي شرع من أجلها الحجز الاحتياطي من أنه تدبير احترازي يلجأ إليه عندما يكون المبلغ محل نزاع أو غير ثابت كما أنه واجب الإتباع لتثبيت أصل الحق عملاً بأحكام قانون أصول المحاكمات المدنية، لذلك كان لابدَّ من تعديل الفقرة /هـ/ من المادة /97/ بحيث يتم تقرير الحجز التنفيذي على أموال المكلف الممتنع عن الدفع مباشرة عند إتمامه /43/ عامة دونما حاجة لإنذاره، وإلقاء الحجز الاحتياطي على الأموال العائدة لزوجاته وأبنائه ريثما يتبين أن هذه الأموال لم تؤول إليهم من المكلف في حال كانت أموال المكلف غير كافية للتسديد».

جوهر التعديلات

تجدر الإشارة إلى أن المادة 97 من المرسوم التشريعي 30 لعام 2007 طرأت عليها تعديلات متعاقبة خلال السنين الماضية، منها في عام 2014 بموجب المرسوم التشريعي 33 الذي حدد بدل التعويض بالدولار الأمريكي، وكان آخرها بموجب القانون 35 بتاريخ 15/11/2017، أي منذ عامين، حيث تم تعديل الفقرة /ه/ من المادة 97 وأصبحت كما يلي: «يلقى الحجز الاحتياطي على الأموال المنقولة وغير المنقولة للمكلفين بالدفع الذين امتنعوا عن تسديد بدل فوات الخدمة ضمن المهلة المحددة بالفقرة /د/ السابقة بقرار يصدر عن وزير المالية».
ومن خلال مقارنة الفقرة السابقة مع ما ورد من حيثيات حسب الأسباب الموجبة أعلاه، يتبين أن مضمون التعديل الجديد الذي تم إقراره على الفقرة /ه/ كان فيه شقان جديدان:
الأول هو: «تقرير الحجز التنفيذي على أموال المكلف الممتنع عن الدفع مباشرة عند إتمامه /43/ عامة دونما حاجة لإنذاره».
والثاني هو: «إلقاء الحجز الاحتياطي على الأموال العائدة لزوجاته وأبنائه ريثما يتبين أن هذه الأموال لم تؤول إليهم من المكلف في حال كانت أموال المكلف غير كافية للتسديد».

الأصل في التسوية وليس العقوبة

مضمون المادة 97 من قانون خدمة العلم وتعديلاته هو عقوبة على شكل تسوية مالية «غرامة» تحت عنوان تعويض مدني بدفع بدل فوات الخدمة، وتأكيداً على ذلك فقد انتهت المادة 97 بالفقرة /و/ التي تتضمن: «يعفى من العقاب الممتنع الذي يسدد قيمة بدل فوات الخدمة وغرامات التأخير المترتبة بذمته»، وهي فقرة ما زالت سارية المفعول، ولم يطرأ عليها أي تعديل بحسب ما رشح من تعديلات مُقرة، أي إن الغرامة المالية عامل مشجع منعاً من إنزال العقاب وليس العكس، فالعقوبة ليست غاية بذاتها، خاصّة وأن العفو يشمل عقوبة الحبس الواردة في أحد فقرات المادة نفسها.
أما المتغير بموجب التعديل الأخير الذي تم إقراره فهو تكريس العقوبة بذريعة تحصيل الذمة من خلال «التنفيذ دون إنذار» بدلاً من تسهيل التسوية بذاتها، حيث كان من الأجدى ربما لو فسح المجال أمام هؤلاء بتسديد الذمة المالية المترتبة تقسيطاً بدلاً من الدفعة الواحدة الكاملة بحسب إحدى فقرات المادة 97، أو لو منحوا فترة زمنية أطول من مدة الأشهر الثلاثة بعد تجاوز السن المحددة للتكليف لتسديد الذمة!.
والأكثر من ذلك هو توسيع دائرة هذه العقوبة بحيث شملت الحجز على الأموال العائدة للزوجات والأبناء أيضاً، وهي فقرة جديدة لم يسبق وأن وردت، لا في أصل القانون ولا في التعديلات التي طرأت عليه خلال السنوات الماضية.

تداعيات وآثار

لا شك أنَّ تداعيات الحجز تختلف جذرياً بين «الاحتياطي» و«التنفيذي دون إنذار»، وخاصة عندما يطال هذا الحجز التنفيذي الأموال غير المنقولة، والحديث هنا ربما عن بيوت وعقارات سيتم إخلاؤها من ساكنيها وشاغليها (آباء- زوجات- أبناء- مستأجرين-...) لتوضع بالتنفيذ، أي للبيع بالمزاد العلني تحصيلاً للذمة المالية «الغرامة» المفترضة قانوناً كعقوبة فردية وشخصية بحق صاحب العلاقة الذي فوَّت الخدمة، وما يمكن أن تؤول إليه أحوال وأوضاع هؤلاء «كضحايا جانبيين» بنتيجة عملية التنفيذ في ظل ظروف الحرب والأزمة التي نعيشها، والتي فرضت على الجميع أن يكونوا ضحايا بهذا الشكل أو ذاك سلفاً؟!، والأدهى من ذلك هو تعميم العقاب على الزوجات والأبناء، من خلال الحجز على أموالهم أيضاً.
والنتيجة، أنَّ العقوبة أصبحت بموجب التعديل الأخير ذات طابع جماعي بالرغم من أن موضوع «فوات الخدمة» طابعه فردي وشخصي بحت.

الاحتمالات الواقعية

مع الأخذ بعين الاعتبار عدم وجود رقم تقريبي إجمالي لمن ينطبق عليهم شرط فوات الخدمة، وخاصة بنتيجة سني الحرب والأزمة وتداعياتها الكارثية، وواقع التشرد والنزوح واللجوء، لكن مما لا شك فيه أن التعديلات التي تم إقرارها ستدفع البعض للإسراع بتسديد الذمة المالية المترتبة عليهم، هذا بحال كان لديهم الملاءة المالية النقدية بقدر 8000 دولار أمريكي دفعة واحدة، وهو مبلغ كبير جداً على الكثيرين من هؤلاء، وخاصة في ظل تردي الواقع الاقتصادي المعاشي الحالي لغالبية السوريين، سواء في الداخل أو في الخارج.
والخيار الآخر أمام البعض ممن لديهم أموال غير منقولة (عقارات وأراضٍ) هو أن يضطروا لبيعها قبل وضعها بالتنفيذ، الأمر الذي يعني زج هؤلاء وذويهم في معترك البازار والسمسرة المهيمن عليها من قبل بعض الحيتان والمستغلين، بغضِّ النظر عن مكان هذه العقارات، وخاصة إذا كانت هذه العقارات مشغولة من ذويهم (آباء- زوجات- أبناء- أخوة- أقرباء)، ولعل الأهم بحال كانت مصدر رزق لهؤلاء (أراضٍ زراعية). وهذه الشريحة ستكون عرضة للمزيد من الابتزاز والاستغلال والضغوط الشديدة بلا أدنى شك.
أما البقية الباقية ممن لا يملك المال المنقول وغير المنقول فعوضهم وعوض الخزينة على الله، فهؤلاء ستبقى ذممهم مشغولة إلى ما شاء الله، أو إلى حين ميسرة، أو تيسير قانوني يأخذ واقعهم المزري بعين الاعتبار، وهو أمر بعيد المنال على ما يبدو، في ظل هذا النمط من التعامل مع المواطنين رسمياً وقانوناً، حيث تنطبق هنا مقولة «العقوبة جماعية والمكافأة فردية»، تماماً كحال كافة السياسات المتبعة ونتائجها وتداعياتها، حيث تعاني الغالبية الساحقة والمسحوقة منها، بينما تستفيد منها القلة المحظية من كبار الأثرياء والفاسدين.

مقارنة وتناقض فجّ

مع تأكيدنا على حق الدولة باتخاذ ما يلزم لضمان حقوقها المالية، وتحصيل ذممها، إلا أننا لا ندري ما هي المتغيرات الطارئة منذ عامين حتى الآن كي يتم إقرار التعديل بهذا الشكل والمضمون العقابي الجماعي!.
فالبعض اعتبر أن موضوع تحصيل الذمم له مشروعيته وضروراته في المرحلة الراهنة، وخاصة كون الذمم المترتبة على التسوية المرتبطة بفوات الخدمة يتم تسديدها بالدولار الأمريكي، وكأن المبالغ الإجمالية التي سيتم تحصيلها بموجب الحجز التنفيذي ستُخرج الزير من البير بالنتيجة، خاصة في ظل الاحتمالات الواردة أعلاه!.
علماً وللمقارنة مثلاً، إن الذمم المالية الكبيرة المترتبة على كبار المقترضين من المصارف الحكومية، وأشباههم من أصحاب الذمم المشغولة لصالح الجهات العامة، يتم العمل عليها تباعاً من خلال التسويات والمزيد منها، مع الكثير من التسهيلات عاماً بعد آخر، وهي مبالغ بمئات المليارات من الليرات السورية ولم يطرأ عليها أي تعديل بما يوازي ما كانت عليه بالدولار كأصل للدين مع غراماته، أي إنها فقدت من الناحية العملية جزءاً هاماً من قيمتها، ولم تُعدّل التشريعات الخاصة بها لتوضع الأموال المنقولة وغير المنقولة لأصحاب ذممها بالحجز التنفيذي، علماً بأنها أيضاً تعتبر «ذمماً ثابتة» و«حقاً» و«ليست محل نزاع»، حيث يتم الحجز مقابلها احتياطاً فقط، ويتم العمل عليها كملفات فردية وشخصية منفصلة!، ولعل ذمم البعض القليل من هؤلاء الكبار المحظيين تعادل كامل ما يمكن أن يجبى من فوات الخدمة بموجب التعديل العقابي الأخير.
فهل من تناقض في التشريعات حيال التعامل بالذمم الشخصية المستحقة للدولة وللجهات العامة، في ظل نفس الأسباب الموجبة المذكورة أعلاه، «ذمم ثابتة» و«حق» و«ليست محل نزاع»؟ أم أن للغالبية المسحوقة تشريعاتها التي تزيد من بؤسها وفقرها، والتعديل المُقر أعلاه ليس آخرها، وللنخبة المحظية تشريعاتها واستثناءاتها التي تزيد من ثرائها وفسادها؟!.

معلومات إضافية

العدد رقم:
945
آخر تعديل على الإثنين, 23 كانون1/ديسمبر 2019 13:50