الزيادة لم تتجاوز 12 ألف ليرة بأحسن الأحوال
عاصي اسماعيل عاصي اسماعيل

الزيادة لم تتجاوز 12 ألف ليرة بأحسن الأحوال

ظهر تباين كبير في المعلومات المتداولة حول المعطى الرقمي الخاص بزيادة الأجور بين الحكومة والمختصين بالشأن الاقتصادي والمواطنين بشكل عام، فقد صدرت الزيادة على الأجور، وقد تباينت الآراء فيها وحولها وتكاثرت المعلومات المتداولة معها وعلى هامشها، اعتماداً على المعطى الرقمي فيها بالمقارنة مع المعطيات والبيانات الأخرى المنتقاة مما هو متوفر ومتاح، وكل معلومة انتشرت على أرضية المعطى الرقمي لهذه الزيادة تعبر عن شكل من أشكال المعالجة لهذا المعطى، ومن زاوية معينة.

فالحكومة وممثلوها من الرسميين تناولوا المعطى الرقمي لهذه الزيادة وعالجوه مع البيانات والمعطيات الأخرى وصولاً إلى القول مثلاً أنَّ: «نسبة الزيادة للفئات «الخامسة والرابعة والثالثة والثانية» تصل إلى أكثر من (100%) من الراتب المقطوع لبدء التعيين قبل الزيادة‎»، وذلك بحسب تصريح وزير المالية، بينما تناول بعض المواطنين هذا المعطى الرقمي وعالجوه مع بيانات ومعطيات أخرى وصولاً للقول مثلاً: «الراتب كان 30 ألف وبما يعادل 66 دولار عندما كان سعر الدولار 450 ليرة، وقد أصبح 50 ألف بعد الزيادة بما يعادل 66 دولار اليوم أيضاً، باعتبار أن سعر الدولار أصبح 750 ليرة، فأين الزيادة؟».

تفاصيل رقمية

وسطي الأجور كان قبل الزيادة بحدود 35 ألف ليرة متضمناً التعويض المعيشي، وقد أصبح بعد الزيادة وإضافة التعويض المعيشي إلى أصل الراتب الشهري إلى حدود 55 ألف ليرة، وهو أحد أشكال المعطيات الرقمية التي تم تداولها من قبل الحكومة بشكل رئيس ومن خلال المتغيرات التي طرأت على جداول الرواتب والأجور بحسب الفئات على إثر الزيادة، لكن ماذا عن التفاصيل وصولاً إلى الزيادة الفعلية؟
المبلغ الخاضع لضريبة الدخل والتأمينات الاجتماعية من وسطي الأجور السابق كان بحدود 23500 ليرة، وبالحساب فإن هذا المبلغ يقتطع منه مبلغ 495 ليرة لقاء ضريبة الدخل بحسب الشرائح الضريبية المعتمدة، وهذا الوسطي لم يتجاوز عتبة الشريحة الثانية من الضريبة والبالغة 7%، بالإضافة إلى مبلغ 1645 ليرة لقاء حصة التأمينات المقتطعة من أجر العامل، وبمجموع وقدره 2140 ليرة.
بالمقابل فإنَّ ضريبة الدخل المقتطعة من وسطي الأجور بعد الزيادة وإضافة التعويض المعيشي أصبحت 4290 ليرة بحسب الشرائح الضريبية، وقد وصل الأجر إلى الشريحة الضريبية السادسة والبالغة 16%، وهي الشريحة التي تليها شريحتين فقط ضمن الشرائح الضريبية المعتمدة، وحصة العامل عن التأمينات الاجتماعية أصبحت 3850 ليرة، وبمجموع وقدره 8140 ليرة، والفارق المسدد من أجر العامل لقاء الزيادة وإضافة التعويض المعيشي هو 6000 ليرة.
أي من الناحية العملية فإن الزيادة على أجر العامل أصبحت بحدود 14 ألف ليرة، مع عدم إغفال حصة النسب المقتطعة من الأجر لقاء الاشتراك بالنقابة أو بالصناديق الأخرى، والتي ارتفعت من كلِّ بدٍّ أيضاً بالتوازي مع زيادة الأجر، والنتيجة أن الزيادة الفعلية على وسطي الأجر لم تتجاوز 12 ألف ليرة فقط لا غير بأحسن الأحوال.. وهي ما تعادل مصروف يوم واحد على الاحتياجات والمتطلبات الأساسية فقط.

معطيات أخرى للمقارنة

لن نقلل من أهمية كسر سياسة تجميد الأجور المتبعة، وكسر جليدها استناداً للزيادة الأخيرة عسى يتم تحطيمه بشكل نهائي وصولاً إلى التوازن بين الأجور والأسعار بحسب منطق الأمور والدستور.
بالمقابل لا بدَّ من التأكيد على أن تأثيرها الفعلي بالكاد من الممكن أن يكون ملموساً على المستوى المعيشي في ظل استمرار الفارق الكبير بين متطلبات المعيشة وواقع الأجور.
فالأهم بالنسبة للمواطنين، هو انعكاس الزيادات على الأجور على الواقع المعيشي، فقد سبقت هذه الزيادة سلفاً ارتفاعات على أسعار السلع والخدمات بذريعة تذبذب سعر الصرف بمقابل الليرة، وهو حال مستمر منذ سنوات صعوداً وبلا توقف حتى الآن، ومع صدور الزيادة طرأت على الأسعار موجة ارتفاعات جديدة لم تتوقف ولن تتوقف على ما يبدو، علماً أن الزيادة لم تُضخ ولم تدخل جيوب العباد بعد، كما أنها لم تطل أجور العاملين في القطاع الخاص، ناهيك عن واقع البطالة المتفشي وحال المواطنين ممن لا يملكون دخلاً أصلاً في ظل الواقع الاقتصادي السائد.
فإذا كان الفارق بين متوسط الأجر البالغ 35 ألف ليرة وبين متطلبات المعيشة بالحد الأدنى هو فارق كبير جداً، يصل إلى مئات الآلاف من الليرات شهرياً، فكيف الحال بعد الزيادة وفي ظل استمرار تذبذب سعر الصرف، الذي تقاس الأسعار في السوق بناء عليه مع موجات الارتفاعات عليها؟.
فمعطى الأسعار في السوق، ومعطى سعر الصرف، لا يمكن إغفالهما مع انعكاساتهما على الواقع المعيشي بالنسبة لعموم المواطنين، وعندما تتم المقارنات على هذا الأساس من قبل المواطنين فهي من دون شك مقارنات موضوعية، وهي بآن تعكس الواقع المأساوي الذي يعيشه غالبية السوريين من العاملين بأجر والمفقرين، بمقابل حال الترف والبذخ التي يعيشها الأثرياء من أصحاب الأرباح المدعومين من خلال السياسات المتبعة على طول الخط، مع عدم التقليل من دورهم على مستوى الفساد والاستغلال وعمليات النهب المتواصلة للجيوب وللثروات والاقتصاد الوطني عموماً.

قوى النهب والفساد

بكل اختصار يمكن القول إن أية زيادة على الأجور لن تكون فاعلة وملموسة إن لم يتم مقابلها اتخاذ إجراءات عملية وملموسة تحد من تغّول قوى النهب والفساد وصولاً إلى إنهائها مع أدوارها التخريبية.
فكل زيادة على الأجور من الناحية العملية، حالها كأي إجراء اقتصادي آخر (مالي- نقدي- تجاري- صناعي..)، ستكون فرصة للحيتان الكبار كي يزدادوا ثراءً على حساب المواطن والوطن، طالما أنَّ السياسات المتبعة المحابية لمصالح هؤلاء الحيتان هي منبع هذه الاجراءات، والتي غالباً ما تُفصَّل على مقاسهم.
فإذا كنا نشجِّع كسر سياسات تجميد الأجور بما يحقق بعضاً من مصالح أصحاب الأجور على طريق الوصول إلى كافة حقوقهم المغتصبة والمنهوبة، فإن الجزء الأهم هو القطع مع جملة السياسات الليبرالية التي تعمل لمصلحة أصحاب الأرباح، من كبار الفاسدين والتجار والناهبين وتجار الحرب وغيرهم.

معلومات إضافية

العدد رقم:
941
آخر تعديل على الإثنين, 25 تشرين2/نوفمبر 2019 12:24