لبعض مصدري المنتجات الزراعية معاناتهم أيضاً
سعيد دالي سعيد دالي

لبعض مصدري المنتجات الزراعية معاناتهم أيضاً

بات بعض التجار المحليين والمصدِّرين منذ فترة ليست بالقصيرة في حالة دهشة، بسبب ارتفاع سعر السوق المحلي لبعض المنتجات الزراعية التصديرية في بعض الأحيان، وبما يفوق أسعار الأسواق الأوروبية المُصدرة لمنتجات زراعية مشابهة، رغم تفوق المنتج الزراعي الأوروبي في الجودة والتعبئة والتغليف!.

بحسب أحد المصدرين، لم يكن الستار عازلاً بما فيه الكفاية لما يدور خلفه، فبمتابعة بسيطة للسوق المحلية وجد أنه- وفي سنوات الأزمة الأخيرة كان عدد من التجار المصدرين حديثي الدخول لهذه المهنة- المسؤول الأول عن تجاوز الأسعار حدها الطبيعي في بعض الأحيان، من خلال تجاوز عرف «المبازرة» على سعر بعض أصناف المنتجات الزراعية، وخاصة الفواكه.

شريحة جديدة وأسعار مغرية

يقول التاجر المصدِّر، وهو فلاح منتج وصاحب مشغل توضيب في نفس الوقت، من المعروف أن الفلاحين المنتجين غالباً يكون لديهم زبائنهم المسوقين لإنتاجهم من التجار والضمانة، بعضهم لتسويق المنتج في السوق المحلي وبعضهم يعمل على إعداده وتوضيبه من أجل التصدير، ويجري التعامل مع هؤلاء بكل موسم وفي كل عام، وما يجعل من أمر التعاون مستمراً بين هؤلاء هو أنَّ «المبازرة» الجارية بينهما على السعر تحقق مصلحة الطرفين بالنتيجة، والمحصلة أن تكون أولوية وأفضلية عمليات البيع والتسويق لهذه الشريحة التي ثبت التعامل معها أنه يحقق المصالح المشتركة دون غبن غالباً. ويعقب، أما بشأن الأسعار النهائية في السوق المحلية بالنسبة للمستهلكين فهو أمر آخر له علاقة بآليات العرض والطلب في السوق، وبهوامش الربح المضافة إلى حلقات البيع والتسويق، التي يتحملها المستهلكون بنتيجة الأمر، دون أن ينفي بعض أوجه الاستغلال بهذا المجال.
وبشأن الشريحة من المصدرين الجدد الداخلين على الخط يقول إن هؤلاء أحياناً يقدمون للفلاح أسعاراً مرتفعة ومنافسة، وغالباً ما تكون خارج حدود الدراسة الواقعية للتكاليف والسعر الرائج، وخارج عرف «المبازرة» المتعارف عليه، وذلك من أجل الحصول على كميات من الإنتاج لبعض الأصناف بغاية التصدير حصراً، الأمر الذي يؤدي أحياناً إلى قطيعه في العلاقة القائمة والمستمرة لسنوات بين الفلاح المنتج ومن يتعامل معهم من تجار وضَمَّانة، فالسعر المقدم من هذه الشريحة مغرٍ من دون شك.

هل توجد تجارة خاسرة؟

يقول المُصدِّر وصاحب مشغل التوضيب، إنه بالتمعن ببعض الأسعار التي يتم الشراء بها إغراءً للفلاح لبعض الأصناف، وخاصة الفواكه بذريعة التصدير، يتبين أنه من الطبيعي أن يكون هذا المُصدِّر خاسراً، منطقياً وحسابياً، وذلك لوجود تكاليف إضافية متمثلة بالعبوات والتغليف وأجور العمال والتبريد، نهاية بالشحن ورسوم التخليص الجمركي، ويطرح السؤال العفوي ما الذي يجبر تاجراً على الأقدام بمتاجرة خاسرة بهذا الشكل؟ وهل من تجارة خاسرة فعلاً؟.
وللإجابة عن هذا السؤال، يضيف إنه يمكن استشفافها من خلال ربط هذه الوقائع بالأحداث القديمة والأخيرة والمستمرة بضبط بعض الشحنات من الممنوعات المهَّربة داخل المنتجات الزراعية ذات المنشأ السوري على حدود ومعابر الدول المستوردة أو دول «الترانزيت»، والحديث هنا عن المخدرات غالباً وبمختلف مسمياتها، أي إن هذه الأصناف من المنتجات الزراعية لم تكن بقصد التجارة والتصدير بذاتها وتحقيق الربح من خلالها، بل كانت غطاءً لتنفيذ تجارات غير مشروعة، أكثر ربحاً بما لا يقاس، بحيث تبدو قيمة المنتج الزراعي المُصدَّر، ومهما كانت، شبه صفرية بالمقارنة مع قيمة مجمل البضاعة الحقيقية المهربة.

مثال عن التكاليف

يقول صاحب مشغل التوضيب، وهو فلاح وصاحب أرض، منتج ومصدِّر بآن، إن سعر كيلو التفاح حالياً بنتيجة «المبازرة» المتعارف عليها هو بين 300- 350 ليرة تقريباً بالنسبة للفلاح المنتج، وهو سعر يتضمن تكاليف الإنتاج وهامش الربح المقبول من قبل الفلاحين، وبشكل تقريبي فإن كل كيلو غرام يكلِّف بحدود 200 ليرة إضافية على عمليات التوضيب في المشغل، من أجل إعداده للتصدير، ومع بقية التكاليف الأخرى من المفترض أن يصل السعر إلى حدود 550 ليرة لكل كيلو غرام، وهذا السعر يعتبر رائجاً وقابلاً للتسويق خارجاً في ظل التنافس مع المنتجات الشبيهة الأخرى في أسواق التصدير بعد إضافة التكاليف مع هوامش الربح هناك.
وفي التفاصيل يقول صاحب المشغل، إن تكلفة التعبئة والتغليف والتوضيب لكل طن فواكه هي بحدود 200 ألف ليرة، حيث يبلغ سعر عبوة البلاستيك 400 ليرة، وكل طن يحتاج إلى ما يعادل 160 عبوة بالحد الأدنى وبحسب سعة العبوات، وقيمة ورق وسوليفان لكل طن تقارب 40 ألف ليرة، وأجور عمال المشغل تقارب 20 ألف ليرة، يضاف إليها مصاريف نثرية (نقل- شحن..) بحدود 20 ألف ليرة، بالإضافة إلى تكاليف تخليص وجمارك بما يعادل 60 ألف ليرة.
ويضرب مثالاً أنه بحال زاد سعر كيلو التفاح محلياً بمقدار 50 ليرة، بسبب «المبازرة» غير الطبيعية والوهمية، ولئن كان يبدو فائدة بالنسبة للفلاح مؤقتاً، فإن ذلك يعني فقدان ميزة التنافسية فيها بالسعر في أسواق التصدير، وفي حال تم رواج هذا السعر، لفترة محدودة ولظرف من الظروف وفي مكان دون آخر، فإن ذلك يعني أنَّ هناك صفقة تجارة غير مشروعة خلفه من كل بد، بل إن بعض الفلاحين، بحسب قوله، أصبحوا يدركون مثل هذه الغايات عندما يُعرض عليهم سعرٌ مرتفعٌ على منتجاتهم من أجل التصدير، لذلك فإن هؤلاء يرفضون التعامل مع البعض ممن دخل على بوابات التصدير حديثاً، ويختم بقوله إن هؤلاء ليسوا مصدرين بل هم مهربون بحقيقة الأمر.

أضرار محققة

لا يمكن حصر الأضرار التي تتأتى بنتيجة العمل بهذه التجارات غير المشروعة، وعمليات المضاربة بالسعر من أجل تمرير صفقاتها، فالأمر لا يقتصر على عملية التهريب لمواد ممنوعة فقط، بل إن الانعكاس السلبي لذلك يطال الفلاح المنتج والتاجر المحلِّي والمصدر، وكذلك للمواطن المستهلك، بالإضافة إلى الإضرار بالاقتصاد الوطني، ناهيك عن آفات المواد المهربة بعد دخولها إلى مستقرها في أسواق التصدير والاستهلاك، أياً كان موقعها ومكانها. ومن جملة هذه الأضرار يمكن أن نسوق التالي:
تشويه سمعة الصادرات السورية بشكل عام، والمنتجات الزراعية بشكل خاص.
زيادة عمليات التفتيش والتدقيق على الصادرات السورية، وتعرضها للتلف والتخريب بنسب كبيرة، ما يعني خسائر محققة للمصدِّرين.
الإضرار بالمصدرين وخاصة أصحاب مشاغل ومعامل التوضيب، وصولاً إلى توقفهم عن العمل في بعض الأحيان.
تراجع الصادرات الزراعية، وبالتالي تراجع في عائداتها بالقطع الأجنبي لصالح الخزينة العامة.
تسريح العاملين في بعض المشاغل والمعامل المتوقفة، وبالتالي فقدان مصدر رزق هؤلاء.
الإضرار بالفلاح المنتج المغرَّر به، ليس بسبب السعر المرتفع لصفقة معينة ولكمية محددة- ما يؤدي إلى تشويه في حال الأسعار لمجمل الموسم وكمياته- بل بسبب فائض الإنتاج أيضاً.
تدهور السوق المحلية بنتيجة تذبذب الأسعار والمضاربة بها.

ارتفاع السعر على المستهلك المحلي.

ومع إضافة كل ما يتعرض له الإنتاج الزراعي من صعوبات ومعيقات، والانعكاسات السلبية الناجمة عن ظروف الحرب والأزمة وتداعياتها، بما في ذلك الحصار والعقوبات، تتكثف مشكلة وجود مثل هذه الشريحة من «المصدِّرين المهربين» وانعكاسات دورهم السلبي، الذي يحمل الصفة الجرمية، ليس على مستوى الأضرار المذكورة أعلاه فقط، بل على مجمل الواقع الاقتصادي والمصلحة الوطنية.
أخيراً، لا جديد عندما يتم الحديث وتوجيه السهام إلى ضعف الرقابة وتفشي الفساد، سواء في المعابر الحدودية، أو ضمن اللجان المسؤولة عن مراقبة عمليات التعبئة في مراكز الإنتاج والتوضيب بغاية التصدير، الأمر الذي هيّأ الجو المناسب لعميات تهريب الممنوعات، وتزايدها خلال سنوات الحرب والأزمة.

معلومات إضافية

العدد رقم:
940
آخر تعديل على الأربعاء, 20 تشرين2/نوفمبر 2019 12:00