شركات الأدوية.. تنافس على حساب المرضى
كثيراً ما سمعنا عن حالات وممارسات يقوم بها بعض الأطباء بكتابة وصفة طبية فيها بعض الأدوية الفائضة، التي ربما لا تقدم أو تؤخر، أو بوصف نوع معين من الدواء دون سواه، أو بتوجيه المريض لصيدلية معينة من أجل صرف الوصفة الطبية.
كما سمعنا عن تداخلات من قبل بعض الصيادلة في محاولة لتغيير أحد الأدوية الموصوفة من الطبيب بدواء آخر، بنفس المكونات والغايات الاستطبابية والاستشفائية، محلياً أو مستورداً أو مهرباً، بحجج وذرائع مختلفة، وغيرها من الممارسات الشبيهة الأخرى.
التسويق عبر المغريات
هذه الأساليب تعتبر جزءاً من حيز وآليات التسويق، حيث يعتبر الطبيب والصيدلاني من العناصر الفاعلة في المبيعات بالنسبة لشركات ومعامل تصنيع الأدوية ومستودعاتها، كمفاتيح أساسية لزيادة أرقامها لصالح شركة معينة دون سواها، وذلك بالتنسيق معها لقاء بعض المنافع المادية.
ولا شك أن البعض مِنّا سمع عن الهدايا المقدمة لبعض الأطباء من بعض الشركات، مثل: الشاشات بمختلف أنواعها وقياساتها، أو الجوالات الحديثة، أو تذاكر السفر السياحية لعدة أيام لبعض البلدان، مثل: دبي أو تونس وحتى ماليزيا، وغيرها من المغريات المادية الأخرى.
المنافسة والصراع
لا شك أن تزايد أعداد معامل وشركات إنتاج الأدوية ومستودعاتها أمر جيد ومفرح، سواء على المستوى الاقتصادي بشكل عام، أو على المستوى الصحي بشكل خاص، خاصة مع زيادة أعداد الأصناف والزمر الدوائية المنتجة محلياً، وتحديداً بالنسبة لبعض الأدوية النوعية.
في المقابل، ومع تزايد أعداد المعامل والشركات، بدأت تتزايد حدة التنافس بينها، باعتبار أن بعضها ينتج بعض الأدوية المتشابهة، الأمر الذي فرض تزايداً في حملات الدعاية والترويج والتسويق، بغاية الاستحواذ على الحصة الأكبر من السوق، مع تزايد الطلب على مندوبي المبيعات، المختصين بدراسة الصيدلة غالباً.
فكل منتج معد للاستهلاك أصبح يترافق بحملات دعاية وترويج وتسويق، حيث باتت الدعاية هي العنصر الحاسم في زيادة أرقام مبيعات المنتجات المعدة للاستهلاك، بغض النظر عن ماهيتها وطبيعتها، بل حتى بغض النظر عن جودتها ومواصفتها وضرورتها في بعض الأحيان، ولعل الغاية الأهم من حملات الدعاية، هي: المزيد من الكم المباع، الذي يعني جني المزيد من الأرباح بالنتيجة.
المنتجات الطبية ليست حالة استثنائية عن القاعدة أعلاه، بما في ذلك الأدوية والمستحضرات الطبية البشرية، حيث تتنافس المعامل وشركات إنتاج الأدوية على استقطاب أسواق التصريف وأدواتها، والمريض بالمحصلة هو المستهدف النهائي كمستهلك لهذه المنتجات، مع استغلال عامل الجهل لديه طبعاً باعتباره يخضع لما يُمليه عليه الطبيب كونه أهم أداة تسويقية.
الشرائح المستهدفة
لا شك أن الشركات تخصص جزءاً هاماً من ميزانياتها من أجل حملات التسويق والترويج لمنتجاتها، والتي توزع إلى عدة تبويبات، منها: (العينات المجانية- مندوبو المبيعات- الأطباء- الإعلانات- المشافي- الصيدليات..).
الوسيلة الأولى المتبعة من قبل شركات الأدوية ومعاملها، هي محاولات التأثير على الطبيب، باعتباره المفتاح لبيع الأدوية، فهو أهم عنصر من عناصر المبيعات من خلال وصفاته الطبية ونوعية الدواء الذي يصفه للمرضى، لذلك تتوجه حملات الدعاية والترويج له في المرتبة الأولى.
فالعينات المجانية توزع على الأطباء، والدعاية والإعلان موجهة للأطباء، وزيارات المشافي بغاية التواصل مع الأطباء. ومندوبو المبيعات يتوجهون بالمرتبة الأولى إلى الأطباء، ويتم تدريبهم أصلاً لهذه الغاية بداية، وهكذا يتضح بأن جوهر الاهتمام بالترويج والتسويق قائم على التركيز على شريحة الأطباء، مع الأخذ بعين الاعتبار طبيعة الاختصاص بالتوافق مع نوعية المنتج الدوائي لكل شركة.
الصيدليات تأتي بالمرتبة الثانية من حيث التركيز في حملات التسويق، كما تختلف آليات استقطابها، التي تبدأ بالسخاء أحياناً بكم الأدوية المضافة مجاناً على فاتورة المبيع وخارجها، بالإضافة إلى نسب الحسم الممنوحة، طبعاً مع بعض الهدايا وأحياناً السهرات، وغيرها من وسائل وأدوات الترويج والاستقطاب.
النتيجة المباشرة كما أسلفنا أعلاه، هي: مزيد من مبيعات، وبالتالي الأرباح، على حساب المواطن المريض مادياً، وربما صحياً أيضاً.
مخاوف وضوابط ومعايير
عالمياً، تزايدت المخاوف والمحاذير من بعض الممارسات على هذا المستوى، حيث ثبت أن هذه الممارسات تؤثر سلباً على صحة المرضى في بعض الأحيان، كما تؤثر على سمعة مهنة الرعاية الصحية عموماً، وسمعة مقدمي هذه الرعاية من الأطباء والمشافي والصيادلة وغيرهم خصوصاً، حيث تم تسجيل الكثير من الفضائح التي لحقت بأسماء شركات أدوية دولية كبيرة بهذا الشأن، وما زالت.
ومن أجل الحد من مخاطر وسلبيات تغوّل حملات الدعاية والتسويق على المنتجات الطبية، وخاصة الأدوية البشرية، باعتبار أن العمل في مجال الرعاية الصحية رسالة إنسانية قبل أي شيء، كان قد تم وضع العديد من الضوابط والمعايير ذات الجوهر الأخلاقي والحقوقي، سواء من قبل منظمة الصحة العالمية، أو من قبل الجهات الوطنية ذات العلاقة بكل بلد من البلدان، منعاً من أن تصبح صحة المريض عرضة للاستغلال والتربح والابتزاز، وعلى الرغم من ذلك ما زالت المنافسة هي سيدة الموقف، كون جوهر العملية الإنتاجية وغايتها أيّاً كانت طبيعتها، هو استثماري ربحي، والصراع على أشده بين الشركات العالمية الكبرى، أو المحلية بكل بلد فيما بينها.
الضوابط القانونية محلياً
نصت المادة 34 من قانون مزاولة المهن الطبية، الصادر بالمرسوم 12 لعام 1970، على ما يلي: «لا يجوز للصيدلي أن يبدل أو يغير شيئاً مما جاء في الوصفة أو أن يكرر إعطاءها .. ولا يجوز له تكرار إعطاء العلاجات الأخرى إذا أشار الطبيب خطياً بعدم جواز تكرارها».
كما نصت المادة 47 من نفس القانون على ما يلي: «يحظر على الطبيب وطبيب الأسنان والقابلة: بيع الأدوية للمرضى إلّا في حالات الإسعاف العاجل.., ولا يجوز مطلقاً بيع النماذج الطبية في أية حال- الاتفاق مع أي شخص على تسويق المرضى للمداواة في عيادته- الاشتراك مع صيدلية أو صاحب مستودع أدوية في تجارته- الدعاية لترويج بعض الأدوية لقاء نفع خاص أو توجيه المريض لشراء العلاج من صيدلية معينة».
«يحظر على الصيدلي: بيع الأدوية دون وصفة طبية..- الاتفاق مع أي شخص أو هيئة على تشويق المرضى لشراء أدويتهم من صيدليته، ويدخل في هذا المجال الاتفاقات الخاصة ما بين صيدلي وأية جمعية أو شركة أو ما في حكمها- اقتناء وبيع النماذج الطبية وبيع الأدوية الفاسدة والمنتهية الفعالية- مخالفة الأسعار المقررة من قبل السلطات المختصة- تغيير الدواء كمياً أو كيفياً دون استشارة الطبيب».
وقد ركز قانون تنظيم تجارة الأدوية البشرية والمواد الكيميائية ذات الصفة الطبية، الصادر بالمرسوم التشريعي 24 لعام 2010، بالمواد 29- 30- 31 منه، على المنتج الطبي المزور وغير المرخص، وعقوبات تزويره وتصنيعه والاتجار به وتوزيعه و..
أخيراً، ومن موقع وزارة الصحة، تحت عنوان: «السياسة الدوائية الوطنية في الجمهورية العربية السورية 2017» نورد ما جاء في بند ترويج المستحضرات الدوائية: «ترشيد استعمال الدواء يستدعي ترشيد الترويج للمستحضرات الطبية وحصره في الإعلام العلمي الصادق، وغير المضلل للأطباء والرقابة على ذلك، وعليه يجب العمل بما يلي: إصدار قرار تنظيمي خاص بالترويج للمستحضرات الدوائية، يفرض الالتزام بالمعاير الأخلاقية لترويج الأدوية التي أصدرتها منظمة الصحة العالمية، وأية ضوابط أخرى- منع الإعلان عن أية أدوية في وسائل الإعلام إلا بعد موافقة مسبقة من وزارة الصحة، وتشجيع الإعلان في المجلات والنشرات الدورية العلمية الموجهة إلى العاملين في المجال الطبي والصيدلي- يجب عدم تشجيع الترويج التجاري المكلف للمستحضرات الدوائية، وعدم احتساب تكلفة ذلك عند تسعيرها».
المشكلة باللصوص أم بالنصوص؟
لا شك أن جوهر المشكلة يكمن بفسح المجال واسعاً أمام الرساميل الاستثمارية للتنافس والتربح على حساب الصحة العامة بمسميات وذرائع مختلفة، برغم أهمية هذا القطاع وحيويته ونسب أرباحه الكبيرة، لكن المقارنة بين النصوص القانونية الرادعة افتراضاً أعلاه، مع واقع انفلات سوق الدواء، نوعاً وكماً وسعراً ومصدراً ومواصفةً، مع بعض الممارسات الشاذة من قبل بعض الشركات والأطباء والصيادلة، وما يترتب على ذلك على مستوى المزيد من التردي على المستوى الصحي، الذي يدفع ضريبته المواطن المريض مادياً وصحياً، يشير إلى أن المشكلة أعلاه ليست بالنصوص ربما، فهي تعتبر مقبولة نوعاً ما في حال حسن تنفيذها وتطبيقها ومتابعتها، بل باللصوص عبر الممارسات الجشعة وأوجه الفساد التي تُغطي عليها، سواء كانت هذه الممارسات من قبل بعض الشركات والمعامل، أو بعض الأطباء والصيادلة، وغيرهم من الفاسدين في الجهات الرقابية والوصائية، والنتيجة، أن هذه اللصوصية، الجشعة والفاسدة والشرهة، تتاجر وتتربح على حساب الحياة وجودتها، ولا بد من ردعها من أجل المحافظة على استمرارية الحياة نفسها.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 912