سهل الغاب.. مشكلة مزمنة وحلول غائبة
حلّت بأهالي سهل الغاب كارثة تمثلت بغمر مياه الأمطار لجزء كبير من الأراضي الزراعية فيه، وربما الكارثة تكون نتائجها أكبر وأعمق على المستوى البيئي في المنطقة كذلك الأمر.
فقد أدت غزارة مياه الأمطار التي هطلت مطلع شهر كانون الثاني إلى غمر 2400 هكتار بالكامل، و3500 هكتار غمر جزئي، ومساحة 6500 هكتار وصلت لحد الاشباع الكامل، وذلك حسب ما صرح به مدير عام هيئة تطوير الغاب لإحدى الصحف الرسمية مؤخراً.
سهل خصيب وبلدات كثيرة
السقيلبية وسلحب تعتبر من أهم المدن الموجودة على أطراف السهل، والتي تتبع لها الكثير من البلدات والقرى، ومنها: (العشارنة- كفر نبودة- قلعة المضيق- الحواش- الحويز- المشيك- زيزون- القرقور- المنصورة- التمانعة- الحويجة -الصفا- قليدين- الزقوم- قسطون- تل واسط- خربة الناقوس- الشريعة- العمقية- العنكاوي- الدقماق- عين الطاقة- التوينة- عين الكروم- جورين- العزيزية- الحميدية- وغيرها).
ويعتبر سهل الغاب من أخصب المناطق الزراعية في سورية ومن أكبرها مساحة، حيث يمتد على طول 80 كم، بعرض يتراوح بين 10- 15 كم، وهو سهل منبسط تزرع فيه الكثير من المحاصيل الزراعية الهامة (القطن- الشوندر السكري- القمح- عباد الشمس- التبغ- الخضراوات بأنواعها)، بالإضافة إلى الثروة الحيوانية ومنتجاتها، والتي تؤمن مصدر رزق للفلاحين من أهالي البلدات فيه وبمحيطه، وتوفر فرص العمل للعمال الزراعيين في المنطقة، كما توزع منتجاته وغلاله على المعامل وأسواق الاستهلاك الداخلي.
مشكلة مزمنة ومعاناة مستمرة
مشكلة المياه، نقصاً أو زيادةً، في السهل ليست جديدة، فهو بالأصل عبارة عن مستنقعات تم تجفيفها سابقاً، وقد تم فتح بعض القنوات لتصريف المياه، كما جرى الحديث عن إحداث سدّات مائية في بعض المواضع فيه، مع الحديث عن إنشاء بعض الخزانات للمياه، بالإضافة إلى الحديث عن سدود تخزينية، وكل ذلك لم يتم، أو تم بشكل جزئي ومحدود، مع الأخذ بعين الاعتبار أن هذه الإجراءات كانت قد وضعت من أجل التخفيف من آثار موجات الجفاف على الأراضي الزراعية في السهل، ومنع حدوث فائض مائي يغمر الأراضي الزراعية ويتسبب بالضرر بها وبالمحاصيل الزراعية فيها.
يعاني فلاحو السهل من نتائج هذه المشكلة المزمنة وسلبياتها كل عام وكل موسم، ففي بعض السنوات يضطر هؤلاء للاستغناء عن المحاصيل الصيفية بسبب الجفاف وقلة المياه، وفي بعضها الآخر يضيع تعبهم على محاصيل الشتاء بسبب الغمر، وطبعاً كل ذلك ينعكس سلباً على حياتهم ومعاشهم، مع عدم تغييب ما يعانونه كما غيرهم من الفلاحين عموماً من ارتفاع أسعار تكاليف الإنتاج ومستلزماته، ومن الاستغلال الجاري بحقهم من قبل التجار والسماسرة خلال عمليات تسويق إنتاجهم.
خطط واقتراحات مع وقف التنفيذ
المشكلة في سهل الغاب لم تقتصر على خسارة الفلاحين الحالية أو سابقاتها، فمنذ أن تم تجفيف هذا السهل في خمسينيات القرن الماضي والأصوات تتعالى من أجل الحد من نتائج ذلك التجفيف على البيئة فيه وبمحيطه الواسع، على الرغم من أهميته الاقتصادية على مستوى ما يتم إنتاجه فيه من محاصيل زراعية أو منتجات حيوانية، وما أمنّه من غلال وفرص عمل وكفاية نوعاً ما.
وبناء على ذلك فقد تم وضع الكثير من الخطط والبرامج، مع تقديم الكثير من الاقتراحات الفنية والعلمية خلال العقود الماضية، بما فيها ما تم ذكره أعلاه، وذلك للحد من بعض النتائج الكارثية على البيئة والفلاحين، لكن غالبية هذه البرامج والاقتراحات لم توضع بالتنفيذ، ما يعني استمرار هذه الكارثة مع استمرار مفاعيلها التي طالت كل المحيط الحيوي للسهل، وصولاً إلى منطقة السلمية وحدود البادية شرقاً.
والسؤال المطروح: هل سنشهد الجِدّية الكافية من أجل جعل سهل الغاب بيئة سليمة ومعافاة اقتصادياً وبيئياً، أم أن السياسات الزراعية والبيئية ستبقى على ما هي عليه، ما يعني حصد المزيد من الكوارث مستقبلاً؟