بيانات البطاقة الذكية والثقة المهزوزة
البطاقة الذكية تعتبر بنك معلومات محمول ومتنقل، بالإضافة إلى كونها ترتبط مع قاعدة بيانات برمجية، تُبوّب وتُؤرشف جملة من العمليات والإجراءات، الزمانية والمكانية، بحسب المهام والوظيفة المخصصة لها هذه البطاقة افتراضاً.
ومن الطبيعي، بناءً على ذلك، أن تكون هناك علاقة ثِقة بين مُصدري هذه البطاقات، وبين مستثمريها ومستخدميها من الشرائح الاجتماعية المختلفة، وبحسب الغاية المرجوة والخدمة المتوخاة منها، وهذه الثقة عادة ما تكون مشفوعة بجملة من التعليمات الناظمة والمعلنة، سواء على مستوى تقييد استخدام البيانات الشخصية وسلامتها من العبث، أو على مستوى التقيد بالخدمة المقدمة عبر هذه البطاقة، وهذه وتلك عادة ما تقترن بإجراءات عقابية مضادة، تختلف باختلاف طبيعة البطاقة والخدمة، مثل: البطاقات المصرفية.
بيانات مؤرشفة مع معايير ثقة منخفضة
المقدمة أعلاه ليست بغاية الحديث عن الخدمات المقدمة عبر البطاقة الذكية المعممة تباعاً وفرضاً، حيث ما زالت قضية هذه البطاقة مثاراً للتهكم والاستهجان من قبل المواطنين، ولعل السبب الرئيسي لذلك: أن هؤلاء لم يلمسوا حتى الآن تلك الجدوى والمنفعة منها بما يتوافق مع الترويج الرسمي عنها، فواقع حال المحروقات الموزعة عبر تلك البطاقة على حاله، حيث لم تحل أزماتها بالنسبة للمواطنين حتى الآن بالشكل المطلوب، مع عدم إغفال صعوبات الحصول عليها والإجراءات المرتبطة بذلك، بما في ذلك مجموعة الوثائق المطلوبة لهذه الغاية، ناهيك عن الوعود السابقة بأن هذه البطاقة ستكون بوابة الحل لمشكلة الحصول على المواد المدعومة، والمسحوبة من الدعم لاحقاً كالسكّر والرّز، بما يحقق «إيصال الدعم لمستحقيه» حسب ما تم الترويج له.
فالبطاقة الذكية تعتبر ذات طبيعة أمنية، سواء على مستوى البيانات الشخصية المخزنة فيها، أو على مستوى ما يتم تخزينه عبرها لاحقاً من بيانات إضافية مرتبطة بالخدمات التي تقدمها هذه البطاقة من خلال ما يسمى نقاط البيع التي ترتبط ببرمجيات حاسوبية، ناهيك عن جملة البيانات الشخصية، والتفصيلية ربما، المطلوبة أساساً لإصدار واستلام هذه البطاقة.
ولعل ما نحن بصدده هو موضوعة الثقة التي يجب توافرها بين المواطنين، والجهة المُصْدرة للبطاقة الذكية التي يجري تعميمها على جميع المواطنين تباعاً، خاصة وأنها شركة خاصة، وليست جهة عامة معايير الثقة بها أكبر افتراضاً، بالإضافة إلى عدم وجود أية ضمانات عقدية بين هذه الشركة والمواطنين، سواء على مستوى البيانات المبوبة والمؤرشفة من قبلها، أو على مستوى الخدمات، باعتبارها تبدو مقدمة خدمة لمصلحة الجهات العامة لا أكثر، وبالتالي فإن النتيجة أن معايير الثقة المفترضة تعتبر منخفضة على هذا الأساس.
قاعدة بيانات متسعة بلا ضمانات
كما أن تعميم البطاقة على مستوى التزود بالبنزين والمحروقات للسيارات ووسائط النقل، بما في ذلك الحكومية، يتضمن مزيداً من البيانات المؤرشفة برمجياً على مستوى حركة هذه السيارات والوسائط، المرفقة بالتواريخ أيضاً، وذلك ارتباطاً بنقاط البيع التي هي الكازيات افتراضاً، أي أن جملة البيانات المؤرشفة برمجياً من خلال هذه البطاقة ستتوسع وتكبر يوماً بعد آخر.
فالموضوع لم يعد يقتصر على البيانات الشخصية للمواطنين الكثيرة والمرفقة بالكثير من الثبوتيات الرسمية، بل وعلى حركتهم أيضاً بالنتيجة، في تبويب مؤرشف للبيانات، زمانياً ومكانياً، مع العلم أن من يقوم بهذه المهمة هي شركة خاصة!
كيف ولماذا، وما هي الضمانات بين هذه الشركة والجهات الرسمية المتعاقدة معها، أو بين هذه وتلك مع المواطنين، على مستوى البيانات المجمعة والمتزايدة، واستخدامها المقيد ورقابتها، في ظل انعدام أية ضمانات عقدية مع المواطنين حول سلامة استخدام هذه البيانات، آنياً أو مستقبلاً؟
جملة من الأسئلة تبدو محقة ومنطقية خاصة في ظل توسع استخدامات هذه البطاقة، مع عدم إغفال الاستعانة بالبيانات المؤرشفة لخدمات لاحقة، حسب ما تم الإعلان عنه رسمياً، سواء على مستوى المواد الاستهلاكية التي من الممكن أن توزع عبرها، أو على مستوى ارتباط هذه البيانات مع غيرها بما يخص السيارات والآليات، الخاصة والحكومية، ليس على مستوى التزود بالمحروقات فقط، بل على مستوى الترسيم أو المخالفات المرورية ربما، أو غيرها من البيانات الأخرى.
والنتيجة، أنّ جملة واسعة من البيانات والمعلومات الشخصية وغيرها، ارتباطاً بالزمان والمكان، هي بيد شركة خاصة، على مستوى عمليات الإدخال لهذه البيانات، وعلى مستوى البرمجيات التي تؤرشفها، وعلى مستوى ما يمكن استخلاصه بيانياً من قاعدة البيانات المتسعة يوماً بعد آخر، ولا ندري ما هي الضمانات بينها وبين الجهات العامة على هذا المستوى، لكن الجلي أنَّ لا ضمانات مع المواطنين، حيث ما علينا على ما يبدو إلّا الرضوخ للمشيئة بحكم الاضطرار للخدمات المقدمة عبر هذه البطاقة.
ليس عملاً خيرياً
على الطرف المقابل لا بدّ من الإشارة إلى أن هذه البطاقات يتم توزيعها مجاناً على المواطنين من قبل الشركة عبر مراكزها المنتشرة في جميع المحافظات والمناطق والأحياء، مع عدم وضوح أية معلومات عما تتقاضاه لقاء خدماتها، المؤتمتة والمؤرشفة، حيث لا معلومات عن ذلك، علماً بأنها شركة خاصة تبحث عن الأرباح أولاً وآخراً، والقيام بمهام إدخال المعلومات والأرشفة والمتابعة بحاجة لعدد كبير من العاملين، ناهيك عن كلفة البرمجيات وتطويرها، وكل ذلك يعتبر كتلة إنفاق كبيرة تضاف إليها هوامش الربح المتوخاة.
وبالتالي، فإن عمل هذه الشركة الخاصة ليس خيرياً من كل بدِّ، وفي معرض بحثها عن المزيد من الأرباح ربما تكون كغيرها من الشركات، المحلية والإقليمية والدولية، التي تقوم على تجميع البيانات لاستثمارها لاحقاً، حسب ما يمكن أن يتاح لها ذلك، ولم لا؟ طالما لم ترتبط مع المواطنين بأية صفة تعاقدية تُقيد استخدامها لهذه البيانات، خاصة وأنه لا أحد يعلم ما هي الشروط التعاقدية بينها وبين الجهات الرسمية المتعاقدة معها، لانعدام الشفافية والوضوح حول ذلك، وهو ربما ما يجب توضيحه وتبيانه.
الأهمية لا تنفي الشكوك
أخيراً، ليست الغاية التقليل من أهمية البطاقة الذكية وغاياتها المعلنة، فالتطور التقني ومواكبته يعتبر من الضرورات التي تفرضها الخدمات المتسعة بالنتيجة، خاصّةً وأن المواطنين هم المستفيدون منها، وذلك لما توفره عليهم من جهدٍ وعناءٍ افتراضاً، لكن ذلك لا يمنع أن تكون لدينا شكوكنا وشكوانا ناحية عوامل الثقة والأمان، خاصة بعد كل ما مررنا به طيلة السنوات الماضية، على مستوى الوثائق والبيانات والأرشفة، والعبث بها وتزويرها وسوء استخدامها.
فهل شكوكنا وشكوانا في محلها؟