حلب.. ملف الأبنية الآيلة للانهيار يفتح من جديد
ملف الأبنية الآيلة للسقوط والمعرضة للانهيار في مدينة حلب ليس جديد، بل هو قديم مما قبل سنوات الحرب والأزمة بسنوات، وقد سُجل سابقاً انهيار بعض المباني في المدينة، كما سبق للجنة السلامة العامة في حلب أن أصدرت قرارات بشأن بعض الأبنية فيها، أما مشكلة التعويض والسكن البديل للأسر المتضررة فهي قديمة وما زالت سيدة الموقف.
في الآونة الأخيرة سُجل في مدينة حلب انهيار العديد من المباني السكنية في مناطق «المغاير– المعادي– السكري– كرم الجبل– الشعار– الفردوس- وبعض الأبنية في بستان الباشا، وآخرها كان في حي الصالحين»، وغالبية هذه المناطق تتوضع في شرق المدينة حيث كانت ساحة للمعارك، مما عرضها لتصدعات عميقة في البنى التحتية، ربما كان بعضها غير ظاهر للعيان.
سني الحرب وبال إضافي
خلال سنوات الحرب والأزمة وعلى هامشها تزايدت المخالفات السكنية نتيجة جملة من العوامل، أهمها: المشكلة المزمنة المتمثلة بالحاجة المتنامية للسكن بسبب التقصير الحكومي، وبسبب تزايد الجشع والاستغلال من قبل تجار وسماسرة العقارات، بالإضافة إلى عوامل الفساد وترهل أجهزة المتابعة والرقابة وتراجع عملها خلال هذه السنين.
ما زاد الطين بلة خلال السنتين الأخيرتين هو عودة الأهالي إلى بيوتهم ومناطقهم المتضررة بفعل الحرب، واضطرارهم للسكن في البيوت والمباني على وضعها الراهن برغم تعرضها للضرر المباشر وغير المباشر، وتوصيفها بين المدمر جزئياً أو كلياً، ربما مع بعض عمليات الترميم الضرورية لما يمكن ترميمه بحسب الإمكانات المحدودة، بعيداً عن ضرورة الكشف الهندسي والفني عليها بأدوات دقيقة من قبل لجان السلامة العامة لتوصيف وضعها على الأرض، وذلك بحثاً عن الاستقرار المجدد وللخلاص من بدلات الإيجار التي أثقلت كاهلهم.
مشكلات قائمة
بقاء هذه المناطق على وضعها الراهن وعودة السكان إليها عرض المباني ذات المشكلات الإنشائية لحمولات زائدة لا يمكن أن يتحملها ما زاد الوضع سوءاً، إضافة إلى تجمع المياه في الأقبية الناجم عن سببين: تعطل وترهل شبكات مياه الشرب والصرف الصحي من جهة، والتصدعات التي سمحت للمياه الجوفية التسرب إليها، مما يجعل منها غير صالحة للسكن، وإن كانت متماسكة خارجياً، فيغدوا سكن المواطنين في هذه الأبنية مجازفة حقيقية بسبب الواقع الاقتصادي المعيشي السيئ، وارتفاع أسعار إيجارات البيوت إن توفرت أصلاً، فهم لم يغامروا ويعيشوا المرّ إلّا لأنهم ذاقوا الأمر، في الوقت الذي تغدو فيه عملية ترميم هذه الأبنية عملية مكلفة جداً، وهي تحتاج لتدخل مؤسسات لسد تكاليفها الباهظة، وخاصة في تلك المناطق التي تعد من السكن العشوائي وغير منظمة، أو أنّ المباني فيها تجاوزات أو عيوب تصميمية وفنية كثيرة.
أمام هذا الوضع الإشكالي يغدو البقاء خطراً جداً على حياة السكان، لكن إلى الآن لم يقدم مسؤولو المدينة أية بدائل لمن فقد مسكنه بشكل نهائي، وإلى الآن لم تُصرف التعويضات، فكيف الحال مع من يملك سكناً أو شبه مسكن بظروف سيئة جداً وهو مضطر للعيش فيه لعدم امتلاكه لأية خيارات أو بدائل، فمن سيؤمن له ذلك؟!
دور رسمي منتقص
الفعل الحكومي في المدينة للآن يعتبر بعيداً عن الواقع، أو بالحد الأدنى منتقصاً، حيث يتم الحديث عن العودة وإعادة الإعمار، لكن الواقع الفعلي على الأرض بعيد تماماً عن ذلك، حتى البلديات لم تتحرك لإزالة أنقاض المباني التي مازال بعضها معلقاً، وقد تهدد السلامة العامة، إلّا بعد أن وقعت هذه الحوادث وجرى تسجيل بعض الضحايا والإصابات مع الأسف، ناهيك عن الأضرار بالممتلكات.
والمؤسف أكثر أن دور المحافظة اقتصر مطلع عام 2018 على تكليف مخاتير الأحياء بـ(إبلاغ المديرية الخدمية المختصة عن الأبنية المأهولة بالسكان والمهددة بالانهيار، أو التي يمكن أن تهدد السلامة العامة- وإعلام المديرية المختصة أو قسم الشرطة المختص عن حالات عودة المواطنين إلى الأبنية التي تم إخلاؤهم منها من قبل لجنة السلامة العامة، لكي يتم اتخاذ الإجراءات وفق القوانين والأنظمة النافذة- وإبلاغ المدير العام للشركة العامة للصرف الصحي والمدير العام للمؤسسة العامة لمياه الشرب في حال وجود أي تسرب مياه في أقبية الأبنية أو تسرب مياه من مجرور الصرف الصحي، لكي يتم اتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة من قبلهم أصولاً)، «وكفى الله المؤمنين شر القتال»، علماً أن هذا التكليف أتى بعد أن تم تسجيل عدة انهيارات، وبعد الحديث عن أبنية مهددة بالانهيار!.
من الحرب إلى النهب
واقع الحال يقول: إن هذه الحوادث المؤسفة وغيرها باتت تندرج تحت عنوان مخلفات الحرب ونتائجها، علماً أن أزمة المدينة سابقاً واليوم، إن كان على مستوى هذا الملف أو سواه، هي في الفعل الحكومي الرسمي البعيد عن الواقع، وغير المستشرف لمشكلاتها، أو على الأقل السعي الجاد لإزالتها وحلحلتها فعلاً.
في المقابل فإن ما يجري اليوم، أنّ ملف إعادة الإعمار الذي تلحُّ الحكومة بالحديث عنه مراراً وتكراراً، وكأن هناك من يسعى إلى تأجيله من الناحية العملية، حتى تُحكم الشركات الخاصة قبضتها عليه، سواء في المناطق المنظمة أو في مناطق المخالفات، وحينها لن يكون أمام المواطن أي مهرب، وسيكون قد خسر مرتين، الأولى: في الحرب والثانية: في النهب، بالإضافة طبعاً إلى ما يكابده جراء السياسات الاقتصادية الاجتماعية وانعكاساتها على واقعه وحياته المعيشية اليومية والأزمات المرافقة لها.