الفساد ودغدغة المشاعر الوطنية والرياضية!
المدرب شماعة للخسارة.!؟ وليست السياسات الرياضية الفاسدة وفساد بعض المسؤولين الرياضيين الكبار، والمواطنون هم الذين يكونون وقوداً لنيرانٍ يستخدم دخانها للتّعمية عن الواقع والحقيقة.
ما إن انتهت مباراة منتخبنا بالتعادل السلبي مع منتخب فلسطين، حتى انبرى الكثيرون في تحميل المسؤولية للمدرب، والبعض الآخر حمّلها للاعبين. بما فيهم إعلاميون كانوا ممن طبّل وزمر في تقدير قدرات المنتخب، وجاءت المباراة الثانية، وخسارته أمام المنتخب الأردني بهدفين مقابل لا شيء لتزيد الطين بلّة، مما أصاب الجماهير الرياضية بصدمةٍ كبيرة وتوجيه الانتقادات للمدرب أولاً وبعضها للاعبين وللجهاز الإداري ثانياً، كما أكد ذلك الكابتن عبد القادر كردغلي في أثناء التعليق على مباراة منتخبنا مع الأردن على إحدى القنوات المحلية، وتتم الإطاحة بالمدرب الألماني مباشرةً، واستدعاء المدرب الوطني فجر إبراهيم لتولي ومتابعة المنتخب في المباراة الأخيرة ضمن المجموعة التي يلعب فيها منتخبنا.
أما بعض من يدّعون المعارضة فقد استغلوا ذلك للسخرية في المباراة الأولى، والشماتة في المباراة الثانية، بعيداً عن المشاعر الوطنية، والنقد الموضوعي، وخاصةً بعد الضجة الإعلامية الرسمية غير الواقعية التي جرى ترويجها حول (سوبرمانية المنتخب) التي دغدغت عواطف الجماهير، وحتى بعض اللاعبين الذين أصابتهم عدوى الانتشاء وأدلوا بتصريحات ترفع كرتهم للأعالي وهؤلاء لا تثريب عليهم، رغم مهاراتهم وإمكاناتهم ومواهبهم.
إن الرياضة فكر وعلم وخطط، بدايات ومعارك ونهايات، كما لعبة الشطرنج، وليست مهارة فقط، وهي عملية تراكمية، وليست طفرات بيولوجية، وحتى هذه الطفرات البيولوجية هي نتيجة تراكمات وإن تأخرت قليلاً، أو بكّرت بالشمرخة، لكن شتان بين الشمرخة الطبيعية والشمرخة الإعلامية الكاذبة، لذا لم نتفاجأ بنتيجة منتخبنا في مباراته الأولى، ولن نتفاجأ بما هو أسوأ، كما في المباراة الثانية وإن كانت قاسية.. كما لم نتفاجأ بكثير من الأحداث المواقف الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، قبل الأزمة وأثناءها، لأن الرياضة أيضاً سياسة وهذا ليس انتقاصاً من المنتخب ومما قدمه.
لا شكّ أن المنتخب الوطني يشكل رمزاً وطنياً جامعاً، وهذا ما تجلّى في تصفيات كأس العالم في السنة الماضية والتفاف الشعب كله حوله في محاولةٍ لالتقاط لحظات فرحٍ، تُزيح شيئاً من الألم والحزن والمعاناة المتراكمة قبل الأزمة، والتي تفاقمت أضعافاً مضاعفة خلال سنوات الأزمة الثماني.
ولا شكّ أيضاً أن لاعبي المنتخب، يملكون قدرات ومهارات إبداعية، لكن أية مهارة تحتاج إلى رعاية صحيحة علمية، ولا تكفي العواطف لتطويرها وصقلها وتنميتها، وهم جزء من الشعب السوري يتمتعون بالحس الوطني العالي، واتضح ذلك خلال تصفيات كأس العالم، أثناء المباريات وبعد انتهائها، ودموع اللاعبين نتيجة عدم التأهل تُبين صدق مشاعرهم الوطنية، وتلاقت هذه المشاعر مع الشعب الذي استقبلهم استقبالاً وطنياً، رغم عدم تأهلهم.
إنّ تحميل المدرب مسؤولية نتيجة المباراة واعتبارها سلبية، محاولة للتهرب من الترهل والفساد الذي ينخر المؤسسة الرياضية التي لا تنفصل عن بقية مؤسسات الدولة، نتيجة السياسات العامة الليبرالية، والسياسات الليبرالية الرياضية وما يرافقها، سواء في طريقة اختيار المسؤولين الرياضيين بعيداً عن الكفاءة والانتخاب الديمقراطي، أو في رسم وتنفيذ الخطط الرياضية، والقلة في توفير المستلزمات الرياضة، وصولاً إلى استثمار وخصخصة المنشآت الرياضية التي هي من أموال الشعب ومن أملاكه، على حساب الرياضة والرياضيين، وآخرها استغلال المشاعر الوطنية والمتاجرة فيها معنوياً ومادياً، ومؤكد أن المدرب لن يمحوَ بين ليلةٍ وضحاها، الخلل والترهل والفساد المتراكم عبر عقود، وتحقيق قفزة رياضية، فـ (لا يُصلح العطار ما أفسده الدهر) وهذا لن يكون إلاّ بتغييرٍ شاملٍ وجذري وعميقٍ في البنى والسياسات العامة، والسياسات الرياضية، ولن نستغرب أن من حمّلوا المدرب المسؤولية أو اللاعبين دون المسؤولين والإداريين الرياضيين، الذين هم المسؤولون في الدرجة الأولى عن السياسة الرياضية وتنفيذها، وما أصابها من ترهلٍ وفساد، أن تكون مواقفهم كيل المديح في الفترة القادمة، وطبعاً لن ينسوا القيادة الرياضية والسياسية العتيدة.. وإنجازاتها، صانعة الفوز والمعجزات، وليست إنجازات الفريق والمدرب.. كما العادة.
ومع ذلك يقف الآن الشعب السوري قلباً وقالباً مع منتخبه، وهذا نابع من الحس الوطني العالي والمترسخ لدى الشعب السوري، وبحثه عن الخلاص من الأزمة واقتناص لحظات من الفرح، ومواقف بعض من يدّعون المعارضة اتجاه المنتخب لن تزيد إلاّ في عزلتهم.