تنظيم العشوائيات زرع الوهم وحصاد السراب!
«شركة ريف دمشق القابضة»، بوابة «تشاركية» جديدة تطرق أبواب الاستثمار العقاري في عشوائيات الريف القريب من دمشق، على نسق مشاريع الأحلام الوردية بـ «ماروتا سيتي» و«باسيليا سيتي» في دمشق عبر «دمشق الشام القابضة»، ولم لا؟ طالما القانون الناظم لهذه وتلك يحفظ الحق بالمضاربة العقارية وبالحصول على الأرباح «التشاركية»، كما يحفظ لمالكي الأراضي والبيوت في العشوائيات الحق بالأحلام.
لقد أكد مدير دعم القرار والتخطيط الإقليمي في محافظة ريف دمشق، عبر إحدى الصحف الرسمية بتاريخ 12/1/2018: «أن المحافظة تعمل ضمن خطة العام الحالي على مشاريع إستراتيجية وعمرانية على مستوى المحافظة من خلال تنظيم السكن العشوائي».
تفاصيل تشاركية الأرباح
في التفاصيل، لقد تم البيان: «إن الدراسة التخطيطية لتنظيم السكن العشوائي شملت عدة مناطق، منها: داريا بمساحة إجمالية 850 هكتاراً، ومنطقة سبينة بمساحة 100 هكتار، ومنطقة الدخانية التابعة لجرمانا بمساحة 15 هكتاراً، وتم رصد الاعتماد المالي لهذه الدراسات من وزارة الإدارة المحلية، وستتم مباشرة العمل عند تصديق الاعتمادات».
وعن الشكل التنفيذي لإعمار هذه المناطق تم التوضيح: «أنه سيتم العمل من خلال شركات حكومية أو خاصة بإعادة الإعمار بتشاركية مناسبة، منوهاً بدراسة اقتصادية كاملة على مستوى محافظة ريف دمشق لإحداث شركة تسمى «شركة ريف دمشق القابضة» ما يوفر راحة كبيرة للتعامل مع القطاع الخاص، بعد إتمام كامل التفاصيل بنظام إحداث الشركات، ومراعاة طبيعة وخصوصية المحافظة، ما يفتح الباب للاستثمار مع الجميع في المستقبل».
بمعنى آخر، إن النشاط الاستثماري التشاركي للشركة القابضة المزمعة، لن يقف عند حدود مئات الهكتارات العشوائية في داريا والدخانية والسبينة، بل سيطال مستقبلاً كامل رقعة محافظة ريف دمشق، بهكتاراتها النظامية وبعشوائياتها.
ضمان الحق بالحلم
كما جرى على مستوى «ضمان» حقوق المواطنين في منطقة خلف الرازي واللّوان، في مشاريع «مدن الحلم»، حيث خرج الغالبية منها بلا حُمُّصْ وأصبحت حكراً على الأغنياء والمترفين، علماً أنها لم تنفذ وتُستكمل بعد، لم يتم إغفال حقوق الملاكين من أصحاب الأراضي في عشوائيات ريف دمشق، حيث تم التأكيد: «على ملكيات المواطنين في مناطق السكن العشوائي، إذ كل من يملك متر أرض فيها سيأخذ مقابلها سكناً بالسعر المريح ليعود المواطن لمنزل مخدم بكل ما يساعد على الحياة بشكل جيد».
وفي الذهن طبعاً عامل الزمن الثقيل على هؤلاء، الذين لن يكون مصيرهم أحسن من مصير من سبقهم بالخروج بشكل نهائي من منطقتي خلف الرازي واللّوان، بنتيجة المضاربة العقارية وانتظار السكن البديل.
وربما لم يبق إلا معرفة ما ستسفر عنه الإبداعات التسويقية من تسميات جذابة تطلق على مشاريع الإعمار القادمة في مناطق الريف، مع «برومو» الإعلان عنها المرفق بالملف الافتراضي ثلاثي الأبعاد، لتدغدغ العواطف وتطلق العنان للأحلام الوردية، كما لاستقطاب المضاربات بغاية جني الأرباح.
مسؤولية الدولة والسياسات الحكومية
لاشك أن جميع مناطق المخالفات والعشوائيات بحاجة للتنظيم، كما أن من حق المواطنين الحصول على السكن النظامي المصمم والمنفذ هندسياً بشكل جيد، والملائم صحياً وبيئياً، والمستكمل ناحية البنى التحتية والخدمات العامة، على أن يكون بسعر اقتصادي يتناسب مع إمكانات المواطنين مع تقديم التسهيلات اللازمة لذلك بعيداً عن أوجه الاستغلال والمضاربة، ولعل ذلك لا يمكن تحققه إلا من خلال خطط إسكان حكومية عامة تأخذ بعين الاعتبار تطور الحاجة الموضوعية للسكن المرتبطة بالاحتياجات المتنامية وبالزيادة السكانية المطردة، الأمر الغائب عن السياسات العامة للدولة منذ عقود طويلة خلت، وهو ما فسح المجال عملياً لزيادة المخالفات ومناطق السكن العشوائي، مع زيادة عوامل الاستغلال من قبل تجار العقارات وسماسرتها.
والسؤال الذي لا بد من طرحه بعد ذلك كله: هل من الممكن أن تقوم الشركات القابضة القائمة على التشاركية بغاية تحقيق الأرباح وفقاً للمشاريع ذات الطابع النخبوي الموجهة للأغنياء والأثرياء، أن تحل مكان الدولة على هذا المستوى، بما يحد مستقبلاً من المخالفات والعشوائيات؟
اختصاراً، نقول: إن حل مشكلة السكن والإسكان المزمنة هي من مسؤولية الدولة أولاً وأخيراً، وعلى الحكومة أن تعيد النظر بسياساتها بهذا الملف الهامّ بما يؤمن حق المواطنين بالسكن النظامي والصحي، مع الأخذ بعين الاعتبار واقعهم الاقتصادي المعيشي، الذي يعتبر أيضاً مسؤولية حكومية، وربما يبدأ ذلك من خلال القطع النهائي مع السياسات الليبرالية المحابية لجيوب أصحاب الأرباح على حساب جيوب أصحاب الأجور، فكل ما عدا ذلك لن يكون إلا زرعاً للوهم وحصاداً للسراب!