سياسات التعليم.. إذا أردتم الحل «حكوها صح»!
مَنْ مِنَ المعلمين لا يرغب أن يكون متفرغاً لتدريس حصصه المدرسية المقررة فقط؟
ومَّن لا يرغب بأن تكون المناهج المعتمدة سهلة وسلسة على الطلاب، بعيداً عن الملخصات والكراسات التبسيطية لبعض المواد؟
ومن يتكبد تكاليف الدروس الخصوصية المرتفعة لأبنائه، بحال كانت الحصة المدرسية كافية، ومستوفية شروط الفهم والاهتمام؟
هذه بعض النقاط التي صدرت من أجلها التعليمات من قبل وزارة التربية مؤخراً، معممة على جميع مديريات التربية، مع التنبيه على العقوبات للمخالفين، وهي تعليمات قديمة لم يتم التقيد بها لأسباب عديدة طيلة السنوات الماضية.
تجاهل وقفز على الواقع
من الجائز للمعلم أن يمارس أي عمل (سائق تكسي، بائع خضار، دهان، كهربجي- أو أية حرفة أو مهنة أخرى) ليسد رمقه، ويستكمل ضرورات حياته المعيشية، بسبب تدني وضعف أجره الشهري، باستثناء قيامه بالتدريس في المدارس الخاصة، أو بالدروس الخصوصية، وإلّا فالعقوبة الوزارية ستطاله!.
هذا هو المضمون الفعلي لجزء من التعليمات الوزارية التي يتم التأكيد عليها بين الحين والآخر، مع التنبيه والتحذير من طائلة العقوبات، وكأن المعلم «غاوي» مشقة وتعب، ويبحث عن المزيد من بذل الجهود المضنية مع الطلاب، هكذا.. في التفاف وتجاهل تام لواقع الأجور التي لا تغني ولا تسمن من جوع، والتي تفرض على المعلمين أن يبحثوا عن أي مصدر رزق إضافي يعنيهم على ترميم بعضٍ من نواقص معيشتهم واحتياجاتهم الضرورية، حالهم كحال جميع أصحاب الأجور من المفقرين.
أما الجزء الآخر من التعليمات الأخيرة الصادرة عن الوزارة فقد قضت بالعقوبة على من يضع الملخصات والنوت من المدرسين، وذلك كون الحقوق محفوظة للمطبوعات المدرسية، أيضاً في التفاف على حقيقة مفادها صعوبة المناهج وكبرها، والاضطرار للجوء للملخصات، أو الكرّاسات التبسيطية أحياناً لبعض المواد.
طبعاً لا ننفي وجود أوجه الاستغلال من قبل بعض المعلمين، اعتباراً من استهتارهم بالحصة الدرسية، مروراً بعدم اهتمامهم بالطلاب، وليس انتهاءً بمساعي استقطاب بعضهم للدروس الخاصة، لكن ذلك لا ينفي حقيقة تدني الأجور، أو صعوبة المناهج، أو ضعف بعض المعلمين الذي يؤدي لتراجع سوية الطلاب، ناهيك عن عدم توفر الكثير من مستلزمات العملية التعليمية نفسها في جميع المدارس، وبالسوية نفسها، أو عن واقع الاكتظاظ في الشُّعب الصفية التي تحول دون القيام بمهام العملية التعليمية كما هو مفترض ومطلوب.
المشكلة مسؤولية الحكومة والوزارة
لا شك أن هناك مشكلة مزمنة يعاني من مغبتها الطلاب وذووهم حيال النقاط أعلاه وسواها، وهي مشكلة معروفة وملموسة ومدركة من قبل وزارة التربية نفسها، ولعل الحد الأدنى المطلوب لتنفيذ مضمون التعليمات أعلاه وتطبيقها على أرض الواقع دون الاضطرار لتكرارها مجدداً، هو البحث عن جوهر المشكلة لحله، وليس اللجوء إلى نتائجها الموضوعية، مع التهديد بالعقوبات.
فأس المشكلة يكمن ضمن محورين، الأول: هو واقع تردي الأجور، والثاني: هو حقيقة صعوبة المناهج، وضعف أداء بعض المعلمين، وربما تضاف بعض النقاط التي لا تقل أهمية، والتي تعزز المشكلة وتعمقها، وقد يتوج كل ذلك بعامل الاستغلال لأسّ المشكلة بمحوريها من قبل بعض المعلمين كنتيجةٍ ليس إلّا.
فمن المسؤول عن تردي الواقع المعيشي للمعلمين؟
ومن المسؤول عن ضعف أداء بعض المعلمين؟
ومن المسؤول عن صعوبة المناهج، وعدم تمكن الطلاب من استيعابها؟
ومن القادر على معالجة هذه المشكلة من جذورها، دون تجيير ومواربة والتفاف؟
من كل بد، وبكل اختصار ومباشرة، فإن المسؤولية الأولى والأخيرة بما يخص السياسات التعليمية المتبعة واستمرارها تقع على عاتق الحكومة ووزارة التربية، فالأجور مسؤولية الحكومة، والمناهج وتأهيل المعلمين وتأمين مستلزمات العملية التعليمية و.. مسؤولية الوزارة.