الهروب للأمام وحصار الشعب
آخر ما حُرر بشأن أزمة الغاز المستفحلة، ليس الوعود عن حلها، والتي يتم تجاوز هوامشها الزمنية المفترضة، لتعاد وتكرر هذه الوعود مع هوامش زمنية افتراضية جديدة وهكذا، بل الحديث عن تطبيق العمل بالبطاقة الذكية من أجل استلام مخصصات كل أسرة من هذه المادة.
فأزمة الغاز ما زالت قائمة ومستفحلة، وقد شملت جميع المحافظات والمدن والقرى والبلدات، في استغلال لم ينقطع منذ سنين لحاجة المواطنين لهذه المادة والتي تزيد خلال فصل الشتاء، وعلى الرغم من ذلك، وقبل حلحلة مشكلة نقص الكميات، ومحاسبة المسؤولين عن السوق السوداء من الفاسدين وتجار الأزمة، بدأ الحديث عن إدخال البطاقة الذكية على خط توزيع المادة على الأسر في المستقبل القريب.
للتذكير بالذكاء المفقود
بداية، لا بدّ من التذكير بالحديث عن البطاقة الذكية على مستوى توزيع مادة مازوت التدفئة، حيث لم يتم حل مشكلة تأمين هذه المادة حتى الآن، على الرغم من أن الحديث عن البطاقة الذكية والمخصصات من مادة المازوت خلال فصل الشتاء لكل أسرة أصبح عمره سنوات حتى الآن، علماً أن التوزيع حالياً يتم من خلال قسائم وقوائم توزيع، وعلى دفعات، بعضها لم يتم تسليمه في المواسم السابقة، وفي الموسم الحالي لم تُستكمل الدفعة الأولى البالغة 100 ليتر لكل أسرة حتى الآن، بالمقابل لم تسفر تلك الآلية عن ردع السوق السوداء أو الحد منها، بل بالعكس، فقد زادت واستفحل نشاطها على حساب المواطنين واستغلالاً لحاجتهم، ومع ذلك هناك من يريد أن يُقنع المواطنين أن البطاقة الذكية هي الحل السحري لمشاكلهم المزمنة على مستوى احتياجاتهم وضروراتهم.
كذلك هي حال تطبيق البطاقة الذكية على مستوى التزوّد بالبنزين، ففي بعض المحافظات التي طبق فيها العمل بموجب البطاقة الذكية يجرى الحديث عن فوارق الكميات، بين المعبأة في الآلية، وبين المسجلة كمسحوب من البطاقة باسم تلك الآلية بحسب بعض المواطنين، حيث لا أحد يعلم أين تذهب هذه الفروقات بالكميات، فبرغم من كونها كميات قليلة على مستوى تجزئة التعبئة بكل آلية، حيث لا تتجاوز 2 ليتر بكل تعبئة ربما، إلا أنها كبيرة على مستوى المجموع اليومي في كل كازية، وربما تكون المسارب لهذه الكميات إما للتهريب خارجاً أو للسوق السوداء داخلاً، مما يعني شبه شرعنة لعمل المستفيدين من هذه الكميات المتراكمة يومياً، كونها سلفاً أصبحت خارج دائرة المتابعة والرقابة «الذكية»، ناهيك عن جملة من المشاكل الأخرى المرتبطة بالبطاقة والشبكة والعاملين في الكازيات، وربما الكثير شاهد أو سمع عن الكميات المهربة من مادة البنزين والمازوت إلى لبنان أو العراق، ناهيك عما هو مشاهد من كميات في السوق السوداء، ومع ذلك يجري العمل على تعميم العمل بالبطاقة الذكية في المحافظات تباعاً.
وكأن القائمين على إدارة ملف المحروقات يسعون كل مرة إلى تأجيل مواجهة المشاكل وحلها عبر الهروب للأمام، تسويفاً وتأجيلاً للحل، في الوقت الذي ما زال الاستغلال قائماً على قدم وساق في السوق السوداء والتهريب، بدليل ما يجري على مستوى كامل سلة المحروقات (غاز- مازوت- بنزين).
معالجة النتائج بدلاً من الأسباب
في العودة لموضوع الحديث «تطبيق الذكاء على مستوى تأمين الحاجة من الغاز المنزلي»، فقد صرح مدير فرع غاز دمشق وريفها أن: «موضوع تطبيق البطاقة الذكية على الغاز المنزلي قيد الدراسة حالياً وسيبت فيه قريباً، ونتوقع ألّا تقل الكمية المخصصة لكل عائلة عن أسطوانتين في الشهر». وبأن: «استلام الغاز عبر البطاقة الذكية سيكون على بطاقة مازوت التدفئة نفسها، وهذا الإجراء سينهي جميع عمليات الاحتكار وبيع المادة في السوق السوداء». مضيفاً: «عند تطبيق البطاقة الذكية على الغاز سيتم مراعاة الكميات التي ستصبح استحقاق كل عائلة، بحيث يكون ما سيتم تخصيصه في فصل الشتاء أكثر من مخصصات العائلة في الصيف».
وتعقيباً على ذلك، نكتفي بإيراد تعليقات بعض المواطنين، حيث قال أحدهم: «بس يتوفر الغاز ما بيعود في سوق سودا.. طالما في أزمة فاللصوص والمحتكرون رح يبتكرو طرقاً جديدة للاحتكار ومص دم الشعب.. مشكلة المسؤولين عنا تفكيرهم محصور بمعالجة نتائج الأزمات وليس أسبابها».
وقال آخر: «معو حق نحن عم نشرب غاز كتير لك يعني عم نشتري الغاز ونطيرو بالجو.. هذا حصار لما تبقى من الشعب.. الله يحرمكن الأوكسجين متل ما عم تحرمونا أبسط مقومات الحياة».