مزيد من التصريحات.. مزيد من الإفقار
عادل إبراهيم عادل إبراهيم

مزيد من التصريحات.. مزيد من الإفقار

«الحكومة تدرك أن الراتب لا يكفي، ولكن..» هي عبارة قالها وزير المالية مؤخراً في معرض حديثه عن مشروع قانون الموازنة العامة للدولة المعروض أمام مجلس الشعب.

فكما كل عام يُحال مشروع قانون الموازنة العامة للدولة من الحكومة إلى مجلس الشعب من أجل دراسته والنقاش حوله وإقراره، وكما كل عام يُثار الحديث عن الوضع المعيشي للمواطنين تحت قبة البرلمان وعبر الإعلام، وكما كل عام يردّ وزير المالية حول ذلك بنفس العبارات «التطمينية» المكررة.
«الحكي ببلاش»
في المقابل، فإن المواطنين المُكتوين يومياً بمعيشتهم وبنار الغلاء المستعرة على دخلهم وجيوبهم، يكتوون بالتصريحات الرسمية كذلك الأمر، وخاصة تلك التي تتحدث عن الدعم المقدم حكومياً وكأنه مِنّة، بينما واقع الحال يقول بأنه أقل بكثير مما يجب، وتحديداً في ظل استمرار التخفيضات على هذا الدعم، ناهيك عن المبالغة فيه في الكثير من الأحيان، والأدهى هو ربط كل مساوئ الواقع الاقتصادي، الاجتماعي والمعيشي، بذريعة الحرب والأزمة، كونها أصبحت شماعة تعلق عليها كل الموبقات وتغطيها.
وربما لا غرابة بعد ذلك أن تعمم عبارة «الحكي ببلاش» من قبل المواطنين على كل التصريحات الرسمية عندما تصل أسماعهم، وخاصة بما يتعلق بالوعود الخُلّبية عن تحسين مستويات معيشتهم، في ظل الاستمرار بنفس السياسات التي تدفع بهم نحو المزيد من الفقر والعوز والجوع والتهميش.
ما أشبه الأمس باليوم
فيما يلي بعض التصريحات الرسمية من قبل وزير المالية نفسه على مدار ثلاثة أعوام تحت قبة مجلس المجلس للحديث عن نفس الموضوع، وهو مشاريع قوانين الموازنات العامة للدولة، ومن ضمنها الحديث عن المستوى المعيشي والدعم والمستحقين:
«أكد وزير المالية أن زيادة الرواتب والأجور للعاملين في الدولة وتحسين المستوى المعيشي هو الهاجس الأكبر للحكومة وهذا الموضوع قيد المعالجة.. موضحاً أن الحكومة تسعى جاهدة لتطوير آليات إيصال الدعم الاجتماعي إلى الفئات المستحقة وتوزيعه بالشكل الأمثل». كان هذا ردّ وزير المالية تحت قبة البرلمان خلال الجلسة المخصصة حول مشروع قانون الموازنة العامة للدولة للسنة المالية 2019، بحسب ما ورد عبر الموقع الرسمي لمجلس الشعب بتاريخ 8/11/2018.
وفي مثل هذا الوقت من العام الماضي، وفي معرض النقاش حول مشروع قانون الموازنة العامة للدولة للسنة المالية 2018 تحت قبة البرلمان، ردّ وزير المالية على موضع زيادة الرواتب والأجور للعاملين في الدولة بقوله: «إن زيادة الرواتب والأجور تعني زيادة أسعار المشتقات النفطية والحكومة ترفض زيادة أسعار المشتقات النفطية، ولو كان ذلك من أجل زيادة الرواتب والأجور، مبيناً أن الحكومة تعمل على تحسين الواقع المعيشي.. وبشأن زيادة الاعتمادات المخصصة للدعم الاجتماعي وإيصاله إلى مستحقيه أوضح وزير المالية، أن الحكومة تسعى جاهدة إلى تطوير آليات إيصال المواد المدعومة إلى الفئات المستحقة وتوزيعها بالشكل الأمثل». وذلك بحسب ما ورد عبر موقع وكالة سانا بتاريخ 7/11/2017.
وفي معرض ردّه عن الأسئلة والاستفسارات حول مشروع قانون الموازنة العامة للدولة للسنة المالية 2017 خلال نقاشه تحت قبة البرلمان، وضح وزير المالية: «أن موضوع زيادة الرواتب وتحسين المستوى المعيشي للمواطنين هو الهاجس الأكبر للحكومة التي لن تدخر جهداً في زيادتها عند توفر الإمكانات المالية لذلك، لافتاً إلى أن الحكومة تسعى جاهدة لتطوير آليات إيصال الدعم لمستحقيه وتوزيعه بالشكل الأمثل». وذلك بحسب ما ورد عبر موقع وكالة سانا بتاريخ 2/11/2016.
وربما يتعذر سرد التصريحات الحكومية والرسمية المشابهة، الكثيرة والمكررة، حول نفس الموضوع طيلة السنوات الماضية، والتي حالت السياسات المتبعة دون ترجمتها، لاستحالة ذلك عملياً.
زير السياسات وبيرها
إذا كان «الهاجس الأكبر» للحكومة منذ سنين هو تحسين المستوى المعيشي للمواطنين، وإذا كانت الحكومة منذ سنين تسعى لإيصال الدعم لمستحقيه بـ «الشكل الأمثل»، وما زالت مساعيها الحميدة تُسجل على هذا المستوى تباعاً من خلال ما يجري على مستوى تخفيض الدعم عملياً، فكيف من الممكن أن تكون النتيجة لو لم تكن لدى الحكومة هذه «الهواجس» وتلك المساعي «المثلى»؟
واقع الحال يقول: إن السياسات الليبرالية المتبعة حكومياً لا يمكن لها أن تسفر عن أي تحسن على المستوى المعيشي، كما تشير الدلائل على أن تلك السياسات هي المسؤولة عن حال الإفقار المتعمد للشرائح الاجتماعية الواسعة، والدفع بها نحو المزيد من التهميش، ناهيك عن نتائجها السلبية على المستوى الاقتصادي الوطني العام.
وعليه، فإن تكرار الحديث الرسمي وفقاً لنفس الصيغ والعبارات مراراً وتكراراً لن يخرج زير الوضع المعيشي المتردي من «بير» السياسات الليبرالية، المفقرة للبلاد والعباد، ما لم يتم القطع معها والعدول عنها.