عفرين.. المأساة والتعتيم الإعلامي
منذ أن احتلت القوات التركية والمجموعات المسلحة الموالية لها مدينة عفرين والمناطق المحيطة بها بتاريخ 18/3/2018، باستخدام صنوف الأسلحة الثقيلة والخفيفة كافة، بذريعة حماية الأمن القومي التركي، وحال الأهالي في هذه المناطق من السيء إلى الأسوأ على المستويات كافة.
فقد أدت العمليات العسكرية التي قادتها قوات الاحتلال التركي إلى تدمير جزء هام من البنى التحتية في المنطقة، وكذلك إلى تشريد عشرات الآلاف من بيوتهم نزوحاً وهرباً.
مأساة كبيرة
حجم المأساة التي عانى منها أهالي المنطقة تتزايد مع تزايد أعداد هؤلاء، خاصة وأن منطقة عفرين كانت قد استقطبت أعداداً متزايدة من النازحين إليها خلال فترة الحرب والأزمة، وذلك من العديد من المناطق والمدن الداخلية، حيث تجاوزت أعداد القاطنين فيها المليون نسمة في الفترة التي سبقت الاحتلال.
ومن النتائج المباشرة التي دفع ضريبتها أهالي المنطقة، بالإضافة إلى النزوح والتشرد نتيجة الاحتلال، هو ما جرى على مستوى الانفلات الأمني وصولاً للفوضى والاستقواء بالسلاح من قبل المجموعات المسلحة وأفرادها، وما نجم عن ذلك من عمليات سلب ونهب وتعدٍّ على الأملاك والبيوت وسرقة محتوياتها بل واحتلالها هي الأخرى، بالإضافة إلى عمليات اختطاف المدنيين وتوقيفهم وتعذيبهم، مع عدم إغفال محاولات بث الفرقة والشقاق بين السوريين وما ينجم عن ذلك من مساوئ إضافية تزيد من عوامل البؤس وانعدام الأمن والأمان لدى الأهالي.
الوضع المعيشي إلى الأسوأ
أما على الجانب الاقتصادي والمعيشي فيزداد الوضع سوءاً بالنسبة للأهالي، خاصة مع تراجع العمل الزراعي نتيجة سوء الوضع الأمني وبسبب ارتفاع تكاليف الإنتاج الزراعي، وبسبب ما تفرضه المجموعات المسلحة من إتاوات على هذا الإنتاج.
فمن المعروف أن منطقة عفرين تعتبر منطقة زراعية، والزراعة تعتبر المصدر الأساس للرزق بالنسبة لغالبية أهلها، وخاصة محصول الزيتون، حيث تقدر أعداد أشجار الزيتون فيها بين 13- 18 مليون شجرة.
ففي بعض القرى مثلاً يتم فرض «خوة» بقدر 500 تنكة زيت زيتون عليها، لقاء السماح لأهلها بأن يعاودوا رعاية أرضهم وأشجارهم مروراً بحصاد الموسم، وصولاً لعصره وتسويقه، وأحياناً تكون «الخوّة» أكبر من ذلك حسب مساحة القرية وأعداد أشجار الزيتون فيها، وقس على ذلك على مستوى بقية المنتجات الزراعية، فأشجار الجوز مثلاً تقدر بحدود مليوني شجرة، وأشجار الرمان تقدر بحدود نصف مليون شجرة، وما ينعكس جراء كل ذلك من سلبيات على المستوى المعيشي للفلاحين والمنتجين.
مع الأخذ بعين الاعتبار أنه ممنوع على الأهالي أن يسوّقوا إنتاجهم من زيت الزيتون خارج منطقة عفرين، وبالتالي فإن النتيجة الحتمية لذلك هي عدم التمكن من تغطية تكاليف إنتاج هذا الزيت، ما يعني المزيد من الضغط الاقتصادي والمعيشي.
أما المشكلة الأكبر فهي أن بعض الأراضي الزراعية زُرعت فيها الألغام من قبل المجموعات المسلحة، وهذه الأراضي أصبحت بالنتيجة خارج العملية الإنتاجية، فلا رعاية لأرض ولا لأشجار ولا قطاف لمحصول.
وقاحة في التعتيم الإعلامي
وبعد ذلك كله، وبرغم كل ما يتم تسجيله يومياً من انتهاكات بحق الأهالي في المنطقة من قبل قوات الاحتلال التركي والمجموعات المسلحة الموالية لها، وصولاً لعدم السماح لهم بممارسة حياتهم ونشاطهم الاجتماعي والاقتصادي، وبرغم كل عوامل الفوضى وانعدام الاستقرار التي يدفع ضريبتها هؤلاء يومياً، هناك فجاجة، بل وقاحة في أنماط التعتيم الإعلامي على المنطقة ومعاناة أهلها، سواء من قبل المجتمع الدولي بمنظماته وهيئاته، وخاصة تلك التي تتغنى بالإنسانية، أو من قبل من يدَّعون المعارضة والحرص على السوريين وسلامهم وأمنهم واستقرارهم، علماً أن جزءاً كبيراً من أهالي عفرين هم نازحون مشردون في بعض المخيمات، في كل من (فافين- تل رفعت وغيرها) وهؤلاء بانتظار الفرصة المواتية لعودتهم إلى بيوتهم وقراهم، والمقترنة بالظروف الأمنية التي لا يمكن أن تتوفر إلّا بخروج قوات الاحتلال التركي والمجموعات المسلحة الموالية لها من المنقطة.