عولمة مشكلة العشوائيات للحل أم للهروب؟
بات من الطبيعي أن تصطدم آمال المواطنين بالتصريحات الرسمية، كما لم يعد من المستغرب بالنسبة إليهم أن تبدو بعض مشاكلهم المزمنة وكأنها مشاكل مستجدة بحسب بعض التصريحات، حيث تؤجل حلولها مراراً وتكراراً، وبحيث تكبر هذه المشاكل وتتسع وتتعمق عاماً بعد آخر.
مشكلة مناطق السكن العشوائي تعتبر واحدة من الأمثلة الحية على هذا المستوى، فبرغم عمر العشوائيات المديد والطويل، وبرغم الحديث الرسمي وغير الرسمي عن مشكلة السكن والإسكان المزمنة، ما زالت التصريحات تتكرر بشأن الحلول المزمعة بشأنها، وكأنها مشكلة نشأت الآن، مع هامش زمني طويل للحلول المقترحة وصولاً لوضعها بالتنفيذ، في حال تم ذلك أصلاً!.
حل مفتوح الأجل
الترجمة العملية على ذلك كانت على لسان أحد أعضاء المكتب التنفيذي في محافظة دمشق، الذي بشّر المواطنين بأن: (المرحلة الحالية لتنظيم المناطق العشوائية تقتصر على التخطيط»، وبأن: (الخطة الزمنية لهذه المرحلة تبدأ هذا العام 2018، وستمتد حتى عام 2024»، أما المفاجأة فقد كانت حول مرحلة التنفيذ والتي من الممكن أن تمتد لـ 50 عاماً، بحسب ما صرح به عبر إحدى وسائل الإعلام نهاية الأسبوع الماضي.
مرحلة المخططات التي تم الحديث عنها شملت العشوائيات في كل من (برزة- القابون- جوبر- الزاهرة- التضامن- دف الشوك- المزة 86- حي الورود- سفح قاسيون- المعضمية- معربا)، حيث سيكون البدء بمناطق القابون وجوبر وبرزة، والنهاية بمنطقتي المعضمية ومعربا، والتي ستستغرق 6 سنوات من الآن، لتأتي بعد ذلك مصادقتها وصولاً لمرحلة التنفيذ، غير واضحة المعالم ومفتوحة الأجل.
أما اللافت فهو الاعتراف بأن: (مناطق العشوائيات ليست جديدة»، وبأن: (40% من سكان دمشق يقطنون فيها»، وبأن هذه المناطق (موجودة في جميع بلدان العالم وحتى في باريس»، بحيث نتوه بعد ذلك في الإجابة عن التساؤل: هل الغاية من تعميم وجود المشكلة عالمياً هو أحد أشكال الحل، أم أحد أشكال الهروب منه؟
يُشار بهذا الصدد إلى أن حديث عضو المكتب التنفيذي أعلاه عن ظاهرة العشوائيات ليس جديداً، فقد سبق أن صرح في شهر تشرين الثاني من العام الماضي بأن: (ظاهرة العشوائيات موجودة في كل أنحاء العالم، فهي موجودة في فرنسا والمغرب وتونس ومصر وغيرها من البلدان العربية والأوروبية»، وقد أردف بأن: (الخدمات التي تقدّم للمناطق العشوائية لا توجد في أية محافظة أخرى أو حتى دولة أخرى في العالم»!
العودة.. (لا معلق ولا مطلق»!
القضية الأهم التي تم التوقف عندها من قبل المواطنين من أصحاب الملكيات في بعض المناطق أعلاه، هي: الحديث عن عودة السكان إلى المناطق المتضررة، ومن يحق له العودة ومن لا يحق له ذلك؟
فقد تحدث عضو المكتب التنفيذي بأنه (يحق للمواطنين العودة بعد تهيئة البنية التحتية في هذه المناطق»، ليسمح لهم بعدها بإعادة الترميم والبناء، ففي حال كانت نسبة الأضرار تتراوح بين الـ10 إلى 15% يسمح بالترميم والعودة، وفي حال كانت نسبة الدمار في بعض المنازل العشوائية والمخالفة 99% سيتم إعادة بنائها بشكل منظم دون السماح بإعادة ترميهما.
فالحديث وفقاً للنسب أعلاه ترك هامشاً واسعاً بين الـ15% والـ 99% خارج التصنيف بين السماح بالعودة من عدمها، وهي نسبة كبيرة وفضفاضة تشمل أعداداً كبيرة من سكان هذه المناطق عملياً (لا معلقين ولا مطلقين»، مع هامش زمني فضفاض أكبر على مستوى المخططات المزمعة، والمدى الزمني الطويل المفتوح على التنفيذ والذي يصل إلى 50 عاماً، في حين يتمنى هؤلاء العودة إلى ركام بيوتهم والسكن بما بتقى منها للتخلص من مغبات بدلات الإيجار والاستغلال.
فهل من الممكن أن يطول انتظار هؤلاء 50 عاماً ليعود الأحفاد إلى بيوت الأجداد مثلاً؟!
دراسات واجتماعات وقرارات
في بداية عام 2010 ركز الاجتماع التأسيسي لفريق عمل (مشروع دراسة المخطط التنظيمي العام لمدينة دمشق ومحيطها والمخطط الإقليمي لمحافظة ريف دمشق» على احتياجات المحافظتين وضرورة التنسيق بينهما من أجل تطوير المخططات العامة لهما، وناقش المجتمعون دراسة المخطط التنظيمي العام لمدينة دمشق والتي تهدف لإعداد مصور عام جديد لمدينة دمشق ومحيطها الحيوي لتحديد إستراتيجيات التطوير المطلوبة واستخدامها في إعداد الدراسات التفصيلية لأية مشروعات ودراسات مستقبلية حتى عام 2030، والرؤى والتوجهات الإستراتيجية للمصور العام لمدينة دمشق على المستوى الوطني والإقليمي والمدينة.
في منتصف عام 2012، (أنهت هيئة التخطيط الإقليمي مشروع المخطط الإقليمي لمحافظة ريف دمشق، وآلية التنمية التي ستعتمد لتطوير وتنمية المحافظة»، وأوضح رئيس هيئة التخطيط الإقليمي في حينه، أن (إنجاز المخطط الإقليمي لريف دمشق هو الخطوة الأساسية للتوجهات الإقليمية للمحافظة بانتظار استكمال دراسة المصور العام لدمشق كي يتم التكامل بين الدراستين لإصدار المخطط الإقليمي لدمشق الكبرى».
وفي شهر تشرين الثاني 2017، صرح مدير الهيئة العامة للتطوير والاستثمار العقاري عبر إحدى الصحف الرسمية، بأن: (لجنة الخدمات والبنى التحتية في رئاسة مجلس الوزراء ارتأت تكليف الهيئة العامة للتطوير والاستثمار العقاري بمعالجة ملف مناطق السكن العشوائي»، مضيفاً أنه: (تم تشكيل لجنة قانونية فنية من العديد من الجهات لتعديل القانون 15 لعام 2008 وإعطاء حيز مناسب لمعالجة مناطق السكن العشوائي وحل الإشكاليات المتعلقة بها، فنياً وقانونياً ومالياً».
وقد صرح وزير الإسكان، منتصف أيار الماضي عبر إحدى وسائل الإعلام، أن: (نسبة مناطق السكن العشوائي لا تتجاوز 50% فقط من المناطق السكنية في سورية»، مشيراً إلى وجود: (157 منطقة سكن عشوائي في المدن السورية، ومؤكداً بحينه أن: (حل مشكلة انتشار العشوائيات هو بإعداد مخططات تنظيمية لها».
وفي نهاية شهر أيلول الماضي، وعلى موقع وزارة الأشغال العامة والإسكان ورد التالي: ( تركز اجتماع لجنة الإستراتيجية الوطنية للسكن الذي عقد في وزارة الأشغال العامة والإسكان على مناقشة الأفكار والطروحات المتعلقة بالمحاور الأساسية لعمل اللجنة، وهي: /محور الإحصاء- التخطيط الإقليمي- تأمين الأراضي- مصادر التمويل- الأطر المؤسساتية والقانونية- التنفيذ وتقنياته/.. وطلب الوزير أن تقدم ورقة عمل مشتركة من التخطيط الإقليمي والعمراني توضح واقع المخططات التنظيمية الحالية ومدى استيعابها وقدرتها مستقبلاً على استيعاب مشاريع سكنية بحيث لا تخلق مناطق عشوائية جديدة».
وربما نعجز عن توثيق ما تم بحثه ونقاشه وإقراره رسمياً على مستوى مشكلة المخططات التنظيمية ومناطق السكن العشوائي وغيرها من العناوين المرتبطة بمشكلة السكن والإسكان عموماً خلال العقود الطويلة الماضية، ولا أحد يعلم ما قد يتراكم لاحقاً من تصريحات وقرارات بهذا الشأن، مع الهوامش الزمنية المفتوحة على التسويف؟! خاصة إذا ما أخذنا بعين الاعتبار تصريح أحد أعضاء المكتب التنفيذي في محافظة دمشق، عبر إحدى الصحف المحلية مطلع حزيران الماضي، بأن: (آخر مخطط تنظيمي صدر لمدينة دمشق كان في عام 1969»، كمثال على عمر المشكلة المزمنة ومآلها على المستوى الرسمي حتى الآن!.
مشكلة الغالبية
الحديث عن معالجة مناطق السكن العشوائي يختلف عن معالجة مناطق المخالفات، مع وجود خلط متعمد أحياناً بينهما، فنسبة المساكن في هذه المناطق مجتمعة أكبر من 50% من إجمالي عدد المساكن في سورية، ونسبة القاطنين في هذه المناطق مجتمعة على مستوى دمشق أكبر بكثير من نسبة الـ 40% من سكان العاصمة التي تم الحديث عنها أعلاه، ما يعني بالمحصلة: أن إجمالي من يعانون من هذه المشكلة هم الغالبية من السوريين، وخاصة أصحاب الدخل المحدود والمفقرين.
والملموس بالنتيجة، أن حجم البؤس والآلام والمعاناة التي يعيشها سكان العشوائيات والمخالفات، والمأساة التي يعيشها النازحون من بعض هذه المناطق بانتظار السماح لهم بالعودة، لا أحد من الرسميين يقدرها على ما يبدو، خاصة في ظل هذا النمط من التعامل مع هذا الملف المزمن، والتسويف المتتالي لحل مشكلة السكن بشكل عام، الأمر الذي أدى ويؤدي إلى زيادة حدتها وتعميقها وتوسيعها، مع عدم إغفال ما تسفر عنه من أوجه استغلال وفساد، يستفيد منها أصحاب الثروات على حساب الغالبية من المفقرين والمهمشين والنازحين.
أخيراً، نختم بما دونّه أحد المواطنين عبر صفحات التواصل الاجتماعي تعقيباً على خبر مشروع الخطط والتنفيذ أعلاه، حيث قال: (ياترى.. عشوائيات باريس أنشئت بعد دفع الرشاوى والإتاوات للبلديات والعاملين بالبلديات وداعميهم ومن لف لفهم وسار بركبهم في المحافظات، كما هي عشوائياتنا أم تمت بدون دفع... والله لن يسامح التاريخ والأجيال كل من ساهم في إنشاء العشوائيات، وكل من تستر عليها، وسمح بها وتركها تنمو وتكبر وتتوسع أياً كان وبأي موقع كان».