قدرات الطلاب بين التميّز والتمييز
الفرز والتقسيم بين الطلاب بحسب القدرات هو شكل متبع ومتعارف عليه، وتعتبر شهادتا التعليم الأساسي، والتعليم الثانوي، مراحل انعطافية في حياة الطلاب، تحدد مستقبلهم استناداً لما يناله كل منهم من علامات بنتيجة امتحانات هاتين الشهادتين.
أما أن يتم استخدام هذا الشكل وتلك الآلية خلال مرحلة التعليم الأساسي أو الثانوي، وفي الصف الثالث الإعدادي أو الثالث الثانوي تحديداً، من خلال فرز الطلاب على الشعب الصفّية بحيث تكون هناك شعب للمتفوقين وأخرى للبقية المتبقية من الطلاب فهذا ربما يكون فيه تعدِّ على مبدأ تكافؤ الفرص، ناهيك عما يتركه من أثار جانبية سلبية أخرى على الطلاب ومستقبلهم.
مراحل انعطفاية تحددها القدرات
يخضع الطلاب خلال مرحلتي التعليم الأساسي والثانوي إلى آليات فرز تعتمد في جوهرها على مبدأ التقسيم حسب القدرات، والمترجمة من الناحية العملية بما يحققه هؤلاء من درجات بنتائج امتحاناتهم النهائية لنيل شهادات (التعليم الأساسي- التعليم الثانوي) والتي تعتبر مراحل انعطافية تحدد مستقبل كلا منهم، الأولى: بين التعليم العام أو المهني، ثم بين الفرع العلمي أو الفرع الأدبي في العام (بحسب الرغبة)، وتليها ما يتعلق بمعدلات القبول الجامعي بحسب العلامات المحصلة نتيجة امتحانات الشهادة الثانوية.
هذا الشكل من الفرز والتقسيم بين الطلاب، وبرغم ما يمكن أن توضع عليه من ملاحظات، وخاصة بتكاملها مع الملاحظات الأخرى على العملية التعليمية نفسها بمدخلاتها ومخرجاتها، إلا أنه ذو صبغة عامة تراعي نوعاً ما مبدأ تكافؤ الفرص بين الطلاب في هذه المراحل الانعطافية من حياتهم، والتي يتم تحديد مستقبل كل منهم استناداً إليها، خاصة وأنها لا ترتبط بما يقدم للطلاب من إمكانات أو ما تسخره من أدوات، بحيث تغيب مؤشرات التمييز بين الطلاب عبر هذه الآلية نوعاً ما.
تمييز سلبي
شكل آخر من الفرز والتقسيم بين الطلاب بحسب القدرات قد نجده في بعض المدارس والمعاهد الخاصة كنموذج معمم، إلا أنه بدأ يتسلل إلى بعض المدارس الحكومية بشكل مغلف ومبطن باعتباره مخالفاً، حيث تعمد بعض المدارس الثانوية إلى بعض أشكال الفرز والتقسيم بين الطلاب، بحيث يتم تجميع بعض الطلاب المتفوقين في شعبة صفية واحدة، ولا مانع من وجود أبناء الكادر الإداري مع بعض المحظيين من أبناء المتنفذين والواسطات في هذه الشعبة، بغض النظر عن قدرات هؤلاء وعلاماتهم، والتبرير الضمني لهذا الإجراء هو مصلحة هؤلاء الطلاب وأن تحظى المدرسة بتقييم إيجابي في نهاية العام الدراسي، بحسب ما يحققه المتفوقون المحسوبون عليها من علامات بنتيجة الامتحانات النهائية، بغض النظر عن الانعكاسات السلبية لهذا الإجراء على بقية الطلاب وحقوقهم.
هذه الشعب الصفية تحظى عادة بالاهتمام من قبل الإدارات، وخاصة على مستوى البرنامج الأسبوعي واليومي المتابع وغير المنقطع، اعتباراً من بداية العام الدراسي مهما كانت الأسباب، فلا حصص درسية يمكن أن تفوت على الطلاب في هذه الشعب بسبب قلة الكادر التدريسي، أو بسبب غياب بعض المدرسين، حيث تُجيّر السلبيات والنواقص ليتم حصادها من قبل الشعب الصفية الأخرى، والملفت أكثر، أن هذه الشعب يخصص لها المدرسون الأكفاء من أصحاب الخبرة الطويلة والأسماء اللامعة، بينما تخضع الشعب الأخرى لتجارب الاختبار بالنسبة للمدرسين المستجدين ليراكموا خبراتهم على حساب الطلاب فيها.
ما من شك بأن هناك تبايناً بين الطلاب على مستوى القدرات والإمكانات، وهو ما يجب أن يؤخذ بعين الاعتبار من قبل الإدارات لا ريب، كما من قبل المدرسين أنفسهم، فالاهتمام بالطلاب من المفترض أن يكون عادلاً ومتوازناً بحيث يحافظ المتفوق على مستواه من التميز مع دفعه للمزيد من التفوق، ويحفز الطلاب ذوي السويات الأقل من أجل الوصول للتفوق أسوة بزملائهم عبر التشجيع والمكافأة، وبجميع الأحوال يجب أن تسخر الإمكانات المتاحة في كل مدرسة بشكل عادل بين الطلاب دون تمييز مع محاولة تضييق الفجوة بين الطلاب عبر رفع كفاءتهم وقدراتهم جميعاً، على مستوى الإمكانات المتاحة والمتوفرة، وعلى مستوى البرامج، كما على مستوى المدرسين وكفاءاتهم وخبراتهم، وذلك وفقاً لمبدأ تكافؤ الفرص الذي من المفترض أن يكون مصاناً ضماناً لحقوق الطلاب ومستقبلهم.
ومع بداية العام الدراسي الحالي نتساءل مع ذوي الطلاب: هل من مجيب في رفع الغبن عن بعض طلابنا من مثل هذه الإجراءات التمييزية السلبية الإضافية بحقهم، عبر تكريس التميز ومنع التمييز؟