تجربة «الذكاء وبنفسجية اللون» في الدعم

تجربة «الذكاء وبنفسجية اللون» في الدعم

نشطت السوق السوداء على المحروقات مجدداً، وهذه المرة على إثر البدء بتطبيق تجربة توزيع مادة البنزين للسيارات بموجب البطاقة الذكية، تحت عنوان توجيه الدعم لمستحقيه.

فقد شهدت محافظات طرطوس واللاذقية، وتبعتهما حمص، ازدحاماً وطوابير طويلة للسيارات على محطات الوقود، وظهور بوادر أزمة عامة على مادة البنزين، كان الفاعل الأساسي فيها والمستفيد منها من كل بد هم: شبكة المهربين والقائمين على السوق السوداء والفاسدين.
رسمياً
كان وزير النفط قد صرح في وقت سابق من محافظة اللاذقية بأن: «سياسة الدعم مستمرة للمشتقات النفطية ولن تتخلى عنها الحكومة شرط أن تصل إلى مستحقيها». كما بين أنه: «يجري يومياً دعم المشتقات النفطية بمليار و200 مليون ليرة لإيصال الدعم بشكل صحيح». موضحاً أن: «العمل بالبطاقة الذكية في توزيع المشتقات النفطية هو مشروع حيوي واقتصادي بامتياز من حيث الوفورات وسياسة الدعم، وله انعكاسات إيجابية، سواء مالياً أو في تبسيط الإجراءات وتقليل فاتورة الاستيراد».
كما تجدر الإشارة في هذا السياق إلى أنه جرى سابقاً إقرار تغيير لون البنزين رسمياً في إطار مكافحة تهريبه، وقد أوضح وزير النفط في حينه أنه: «لن يتم تغيير أية مواصفة للبنزين فيما عدا مواصفة اللون الأصفر، والذي من المقترح أن يكون بنفسجياً، وذلك لن يكون له أية تأثيرات سلبية أو شوائب».
كما سبق لوزير النفط أن أشار إلى: «أن الوزارة تعمل على تطبيق نظام «GPS» لضبط حركة الصهاريج بالتعاون مع مركز البحوث العلمية السوري، وبفضل هذا النظام لن يكون بإمكان صهاريج البنزين المحملة تغيير مسارها».
لكن ما زاد الطين بلة هو ما رشح لاحقاً عن «مصدر في وزارة النفط والثروة المعدنية»، بحسب بعض وسائل الإعلام، بأن: «الوزارة ستعتمد مستقبلاً، سياسة الشرائح لتوزيع البنزين عبر البطاقة الذكية، أي: تقسيم كبار مستهلكي المادة وفقاً لشرائح، وتوفير ما يحتاجونه، لكن بأسعار مختلفة عن السعر المدعوم، وذلك إن أرادوا تعبئة بنزين بكمية أكبر من المخصصة لهم بموجب البطاقة».
الذكاء ومافيا التهريب والفساد
الأمر المفروغ منه: أن أي إجراء سيحد من سطوة السوق السوداء ومن تهريب المشتقات النفطية، سيدفع مافيا المستفيدين من هذه الأنشطة غير المشروعة للوقوف بوجه هذه الإجراءات وتشويهها وحرفها عن غايتها، من أجل الحفاظ على مصالحهم وحصتهم من المال المنهوب، بنتيجة تحكمهم بجزء من كميات المحروقات المتوفرة بين أيديهم بفعل عوامل الفساد حصراً، باعتبار أن المشتقات النفطية استيرادها وتكريرها وتوزيعها وبيعها وتداولها محصور بالدولة وتحت إشرافها.
فإذا علمنا أن: «كميات البنزين المهربة من سورية إلى لبنان تبلغ بحدود مليون ليتر يومياً»، أي: حوالي 100 صهريج، وذلك بحسب بعض وسائل الإعلام اللبنانية على لسان وزير مكافحة الفساد في لبنان، يتبين حجم كتلة الاستفادة المالية، والثروة التي يجنيها المهربون وشركاؤهم من الفاسدين، ناهيك عن السوق السوداء الداخلي للمحروقات والمشتقات النفطية، الذي لا تتوفر بيانات عن حجمه الحقيقي، وكل ذلك على حساب حاجات المواطنين والاقتصاد الوطني.
على ذلك، ربما لا غرابة من افتعال الأزمات على المشتقات النفطية، والتي بدأت بوادرها مع مادة البنزين حالياً، والتي من الممكن أن تتوسع لاحقاً لتطال مادة المازوت، وخاصة مازوت التدفئة باعتبار أن موسم الشتاء أصبح على الأبواب.
فهل ستثبت «بنفسجية اللون، وذكاء البطاقة» جدواها على مستوى الوقوف بوجه مافيا التهريب والفساد، أم سيتم البحث عن تجارب أخرى، ربما «أكثر ذكاءً وتلوناً» لاحقاً؟.
خشية من رفع الأسعار
التجارب السابقة تقول: إن الحكومة، وبذريعة حجم الدعم والتهريب والسوق السوداء، كانت تعمل على رفع أسعار المشتقات النفطية تباعاً بما يوازي السعر العالمي والسعر في الدول المجاورة، كما كانت تبدع المزيد من الآليات والطرق من أجل «إيصال الدعم لمستحقيه»، والتي كان آخرها تجربة البطاقة الذكية ومآلاتها الملموسة حتى تاريخه.
للتذكير، في عام 2010 كان سعر ليتر المازوت 20 ليرة، وسعر ليتر البنزين 44 ليرة، وسعر أسطوانة الغاز المنزلي 250 ليرة، وقد تتالت ارتفاعات أسعار المشتقات النفطية خلال السنوات الماضية من خلال قفزات متتابعة وصلت لما آلت إليه الأسعار حالياً، مع عدم إغفال الأسعار الاحتكارية في السوق السوداء استغلالاً لحاجات المواطنين، وكل ذلك كان يتم رسمياً بذرائع: (تصحيح الأسعار- منع التهريب- إيصال الدعم لمستحقيه.. وغيرها).
لكن ما يخشاه المواطن نتيجة جملة ما سبق من تصريحات ومن إجراءات مترافقة مع التجربة الذكية الملونة الجديدة، وما ظهر على أرض الواقع من بوادر أزمات مفتعلة قد تتوسع لاحقاً، هو: أن يتم اللجوء مجدداً إلى رفع سعر المحروقات، بذريعة تأمين الحاجات ومنع التهريب، والذي تم التمهيد له من خلال الحديث عن: «سياسة الشرائح لتوزيع البنزين عبر البطاقة الذكية بأسعار مختلفة عن السعر المدعوم»، خاصة مع التذكير المستمر بحجم الدعم اليومي للمشتقات النفطية.
كبار الناهبين والفاسدين
الحديث عن تهريب 100 صهريج بنزين يومياً، يثير الكثير من التساؤلات عن جدوى وفاعلية وجدية جملة الإجراءات المعمول بها!
فكيف يمكن لهذا العدد الكبير من الصهاريج أن تكون أعين الرقابة غافلة عنه؟
وكيف يمكن لكمية مليون ليتر بنزين أن تخرج من البلد عبر معابر وطرق التهريب؟
ومن أين تأتي الكميات الكبيرة من المحروقات للمهربين وللسوق السوداء، إن لم تكن معابر النهب والفساد الكبير هي البوابة المشرعة لها؟!
لعل ذكاء الاستجرار والبيع والتوزيع، بحاجة لذكاء مرافق عبر المتابعة والرقابة والإشراف، قد تكون (البطاقة الذكية- نظام الألوان- تطبيق نظام «GPS» للمراقبة) بعض أدواته، لكنها من كل بد غير كافية، بحيث تبدو الحاجة لذكاء إضافي على مستوى محاسبة كبار الفاسدين، أهم من الخوض في المزيد من التجارب على حساب المواطنين وحاجاتهم!
ولعل الأهم من كل ذلك، هو: التوقف عن التذرع بالدعم بمقابل ما يجري على مستوى تخفيضه تباعاً من الناحية العملية، فأسعار المحروقات «المدعومة» ارتفعت لأكثر من 10 أضعاف خلال سنوات الحرب والأزمة، ولم يقابلها إلا تخفيض على المستوى المعيشي لعموم المواطنين، وخاصة على مستوى الأجور التي لم تلق إلا التجميد خلال هذه السنوات، والنتيجة، هي: مزيد من الإفقار بذرائع (الحرب والأزمة وتصحيح الأسعار والدعم و..) ومزيدٌ من الأرباح في جيوب كبار الفاسدين والتجار والمهربين والناهبين.