دير الزور.. الدراجات النارية ليست برداً ولا سلاماً!
الدراجات النارية وسيلة نقل ومواصلات رخيصة وسهلة الاستعمال، لأصحاب الدخل المحدود والفقراء والمستضعفين في الأرض من العمال والفلاحين والموظفين وغيرهم، وخاصةً في الأرياف، وقد ارتفعت أسعارها، حيث يبلغ سعر الدراجة الجديدة 375 ألف ليرة، والمستعملة كحدٍ أدنى، 125 ألف وحسب نظافتها، وهي ليست وسيلة نقل فردية فقط، بل تنقل أيضاً أسرة بكاملها، كما وتُنقل عليها أكياس السماد والبذار وغيرها.
وقد انتشرت بكثرة قبل الأزمة بسبب استيرادها غير المنظم وتهريبها ودون محاسبة المسؤولين عن ذلك، وإنما كان يتم التعامل معها ومع أصحابها، بحملات عشوائية دون تمييز بين الصالح والطالح.
استمرت وازدادت أهمية ودور وسيلة النقل هذه خلال الأزمة، وخاصةً على إثر تقطّع وسائل النقل الأخرى وقلتها وعدم انتظامها، وقلة المحروقات، وبسبب استهلاكها القليل.
ضحايا الدراجات!
قبل فك الحصار عن دير الزور، كانت الدراجة النارية حكراً على بعض حاملي السلاح المنفلت والزعران، وهم الذين يتوفر لهم الوقود، يصولون ويجولون فيها بصلافةٍ ودون اهتمامٍ بحياة المواطنين، من التشفيط والتشحيط والترقيص والسير على دولابٍ واحد وغيرها، ولا يمر يوم دون أن تكون فيه عدة حوادث تؤدي إلى الموت أو الإصابات مختلفة الدرجات، وويل لمن يحتج أو يعترض على ذلك من المواطنين.
بعد فك الحصار، وتوفر الوقود، وانتشار ظاهرة التعفيش، ومنها: تعفيش الدراجات النارية، ازدادت وتضاعفت أعداد الدراجات النارية، بل واستخدمت حتى في التعفيش، وبالتالي ازدادت الحوادث وتضاعفت، رغم الشكاوى العديدة من الأهالي، لكن لا من يصد ولا من يرد!
خيار وفقوس؟
مع إلزام العاملين في الدولة بالعودة إلى عملهم وبالتالي معهم أسرهم، ومع بدء عودة الأهالي وتزايد أعدادهم، ازدادت حاجة المواطنين للدراجة النارية للتنقل، وخاصة مع انطلاق جوانب الحياة والعمل، ومع عدم توفر وسائل المواصلات العامة والتكاليف العالية لوسائل النقل الخاصة، ازداد استخدامها، حيث يستخدمها الطالب وعامل الدولة والعامل العادي والموظف والمواطن العادي، وأيضاً ساهم ذلك في زيادة الحوادث، وخاصة من قبل الذين لا يخضعون للقانون وأصبحت الأمور فاقعة، فقامت حملة من الأمن الجنائي تستهدف الدراجات النارية، لكنها لم تستهدف حَمَلَة السلاح المنفلت والزعران، وإنما المواطنين العاديين.
مواطنون وشهادات
ع/ ع بائع خضرة، يقول: كان عندي دراجة نارية أستخدمها للنقل والتنقل وسرقت، ولأن سكني في حي الجورة، وعملي أصبح في سوق الهال بعد ترميمه في حي الجبيلة، اشتريت دراجةً أخرى للذهاب إلى العمل والعودة، وتمت مصادرتها من الأمن الجنائي دون تقديرٍ لظروفي رغم شرحها لهم، يا أخي ما في تقدير صحيح انتهى الحصار، لكننا ما زلنا محاصرين بعملنا وحياتنا.!
م/ ن موظف، يقول: أجبرت على العودة، واضطررت للسكن في الجزء السليم من منزلي رغم عدم توفر الخدمات، فهو أرحم من الآجار، وأستخدم الدراجة النارية لتوصيل أولادي للمدرسة ثم الذهاب إلى دائرتي، شلّحوني دراجتي عنوةً، بينما من يركبون دراجتهم ويحملون السلاح لا يجرؤ أحد على مجرد الحديث معهم أي: خيار وفقوس.. كَرَّهونا حياتنا!
س/ ل عامل، يقول: أنا ابن قرية، وعامل مهني (معمرجي) أنزل من قريتي في الصباح الباكر إلى أحياء المدينة، وأشتغل لأعيش أنا وأسرتي، فعملي هذا هو مصدر بقائي وحياتي، مع قطعة أرضٍ صغيرة في القرية، أزرعها ببعض الخضار التي تكفي حاجتي، وأحمل منها ما يزيد عنها وأبيعه في المدينة، لقد صادروها مني، ولم أعد قادراً على الحضور للعمل، ولا الذهاب لقطعة الأرض، ولا لبيع خضرتي، فكيف سأعيش؟ سأضطر لشراء واحدة أخرى وأغامر لعل وعسى!
ر/ م طالب جامعي، يقول: اشترى لي أهلي دراجة نارية، بعد أن قطعوا ثمنها من معيشتهم، لأذهب إلى كليتي في الجامعة، وآخذ زميلي معي ونتشارك في الوقود، وهي توفر لنا من ثمن المواصلات، وتؤمن لنا حضور المحاضرات، صحيح أن دراجتي نارية وغير نظامية، لكن لا تطلق ناراً ولا تحمل سلاحاً، بل كتباً ودفاتر وقلماً، نحن نعيش ظروفاً استثنائية، وتحتاج لمعاملة استثنائية! سبب الحوادث والمشاكل علناً، هم من يركبون الدراجات ويحملون السلاح وهم المستثنون من المحاسبة، هل لأنهم أبناء الخبّازة؟ والمدينة الآن تحررت من الإرهابين وليست هناك حجةً لبقائهم فيها مع سلاحهم، ولن أتحدث عن جوانب الفساد في ذلك، فهي متغلغلة في المفاصل كلها، وسأضطر للذهاب إلى كليتي سيراً على الأقدام!
البدائل والمحاسبة
لا شكّ أن مشكلة الدراجات النارية قديمة جديدة، ليس المسؤول عن حوادثها من يستخدمونها من المواطنين فقط، ومعالجتها ليست على حسابهم بهذه الطريقة، وإنما المعالجة الحقيقية تبدأ من توفير وسائل النقل العامة بالعدد الكافي وبأسعار مناسبة، داخل المدينة وبين أحيائها، وفيما بينها وبين القرى والبلدات، ومحاسبة المنفلتين بممارساتهم، والمستقوين بسلاحهم وحماتهم أولاً، ووضع ضوابط لهم على الأقل، وهم أسباب الحوادث، التي هي ليست برداً وسلاماً على المواطنين، وخاصةً أن المدينة تحررت الآن من الإرهابيين، وليست هناك حاجةٌ لوجودهم فيها، وما تحدث به المواطنون حول تقدير ظروف من يستخدمها فعلياً للعمل أو التنقل صحيح، وهذا ليس صعباً، إذا أراد المسؤولون فعلاً أن تعود الحياة إلى طبيعتها رويداً رويداً، والعمل بروح القانون والقرارات، وليس بشكليتها، ولعل ذلك يخفف شيئاً من معاناة المواطنين، ويسد نافذةً من نوافذ الفساد، ريثما يتم إغلاق أبوابه الكبيرة المشرعة، وهذا لا ينطبق على دير الزور فقط بل في كل أنحاء الوطن!