مهرجان قرب بيوت مدمرة
الاستهتار الرسمي لم يعد مقتصراً على مستوى ما يجري من هدر لحقوق المواطنين، بل وصل للقفز على آلامهم وأوجاعهم ومشاعرهم، وكل ذلك من أجل الإيحاء بأن الوضع بخير، والرسميون يقومون بواجباتهم.
فبين الحين والآخر نسمع عن نشاط احتفالي، أو عن حفل فنّي، أو مهرجان سياحي، ولعله لا مشكلة بذلك لولا الأرقام التي ترصد من أجل هذه الاحتفالات والمهرجانات ذات الغايات التصويرية، في الوقت الذي أصبح الفقر والجوع علامة مميزة مطبوعة على الوجوه، وفي الوقت الذي ما زالت آلاف الأسر مشردة تبحث عن سقف يؤويها.
النخبة المخملية المحظوظة
الحرب والأزمة، ترشيد الإنفاق، عقلنة الدعم، تصحيح الأسعار، وغيرها من العناوين الكثيرة الأخرى يتم تسويقها والعمل بها رسمياً وكل ذلك على حساب معيشة المواطن واحتياجاته وضروراته وخدماته، في المقابل تُغدق الأموال وتُخصص الاعتمادات وتُجمع التبرعات والهبات من أجل حفل هنا أو مهرجان هناك، وكأننا تجاوزنا احتياجاتنا وضروراتنا ووصلنا إلى مرحلةِ البحث عما يرفّه عن حياتنا، رغم أهمية هذا الجانب وضرورته.
ما من شك بأن هذه الاحتفالات والمهرجات ليس المعني بها هو المواطن النازح والمشرد والمفقر والجائع، بل هي أصلاً ليست موجهة إليه من أجل أن يرفه عن نفسه من بعض أهوال ما رآه وعاشه وما زال، وهو الأحق بذلك من كل بد، بل هي موجهة للنخبة المخملية التي اغتنت وأثرت على حسابنا وعلى حساب البلد، نهباً وفساداً وبلطجة، والأدهى من ذلك أن هؤلاء من يُصرف عليهم من أجل أن يتمتعوا ويرفهوا عن أنفسهم، وكأنهم أصلاً يعيشون المعاناة أو تذوقوا طعمها، ومن يحصد غنائم هذه الأنشطة الاحتفالية هم أنفسهم في النتيجة، على شكل أرباح محققة في جيوبهم.
بيوت مدمرة وحقول مهزومة
في منطقة مثل بلودان يتم العمل على تأهيل بعض الشوارع الرئيسة، والساحة العامة، من تعبيد وأرصفة وإنارة ونظافة وزهور وغيرها من أجل استقبال مهرجانها السياحي القريب القادم المسمى بمهرجان بلودان، وقد تم تخصيص ما يلزم من أموال لهذه الغاية، بمئات الملايين من الليرات، سواء من خلال مخصصات البلدية والمحافظة أو من خلال ما تم التبرع به من قبل غرفة التجارة أو سواها، في الوقت الذي ترى فيه بعض الشوارع والحارات الفرعية محفرة وبلا إنارة أو خدمات، وفي الوقت الذي ما زالت آثار الدمار في المحيط القريب هي السائدة، والأهم: أن جزءاً كبيراً من أهالي بلودان والمنطقة ما زالت بيوتهم مدمرة، جزئياً أو كلياً، وحقولهم مهزومة حرقاً وقطعاً.
فكيف من الممكن أن يقنع هؤلاء الأهالي بأهمية المهرجان أو بإيجابية الدور الرسمي، أو بالملايين المصروفة على هذه السياحة؟ وكل ذلك لن ينعكس على حياتهم ومعاشهم، في مقابل مشاهدتهم تلك السيارات الفارهة التي تجوب شوارعهم بمن فيها من أثرياء ليتمتعوا بالطبيعة والشوارع المعبدة والمضاءة وبالمطاعم والمهرجانات السياحية وغيرها.
ترقيعات غير عادلة
من المفروغ منه، أن العمل على تعبيد الطرق والشوارع وإعادة تأهيل الساحات العامة والخدمات والبنى التحتية تعتبر من الضرورات الواجبة، وخاصة بعد ما أصاب كل ذلك من دمار واهتلاك طيلة سنوات الحرب، وهي تعتبر من الواجبات والمسؤوليات، مع عدم تغييب الواجبات والمسؤوليات الأخرى تجاه المواطنين وحقوقهم، أي: أنّ المخصصات والاعتمادات المرصودة من المفترض أن توزع بنوع من العدالة بين هذه وتلك، دون التذرع بتوفرها من عدمه، لكن أن تكون هذه الأعمال محدودة، ومقتصرة على بعض المناطق والبلدات دون غيرها، أو بعض الشوارع والساحات دون سواها، وتحت عناوين احتفالية أو مهرجانية ذات طابع سياحي ترفيهي موجه للصفوة من المخمليين، على أعين المشردين والمفقرين، وعلى حساب حقوقهم، فهو لا يمكن أن يوصف إلّا بأنه تعالٍ على آلام هؤلاء، واستكبارٍ على مشاعرهم.
لسنا بخير أيها السادة الرسميون، ولن تجدي كل الترقيعات الاحتفالية والمهرجانات السياحية الخاصة بالبهرجة والتصوير على تغطية ما يعترينا من عور معيشي وخدمي، أو من فقر بلغ مرحلة الجوع، كما لن تشفع كل هذه النشاطات والإنفاق عليها للمسؤولين عن تقصيرهم على مستوى واجباتهم ومسؤولياتهم، ومشاهد الخراب والدمار هي الشاهد على كل التقصير.