زهرة النيل كارثة إضافية على مياهنا
عاصي اسماعيل عاصي اسماعيل

زهرة النيل كارثة إضافية على مياهنا

تُقرع أجراس الإنذار مجدداً من أجل مكافحة زهرة النيل السامة، التي انتشرت في مجرى نهر العاصي منذ ما قبل عام 2009.

حيث لم تُجدِ وسائل وطرق المكافحة على ما يبدو من أجل الحد من انتشار هذه النبتة السامة، وما زالت تنتشر بكثافة على المسطحات المائية لنهر العاصي، مهددة بكارثة بيئية تضاف إلى ما هو موجود من الكوارث التي تهدد حياتنا ومستقبلنا.
أخطار مائية وبيئية
لقد صرح رئيس شعبة السدود في مديرية الموارد المائية في حماة، لصحيفة الفداء الرسمية بتاريخ 10/7/2018، قائلاً: «إن زهرة النيل السامة هي نبتة ضارة وفدت إلى سورية في العام 2010، واستوطنت منطقة الغاب ومحردة حيث تعيش على سطح مياه الأنهار والسدود والمسطحات المائية الأخرى وتشكل غطاءً نباتياً كثيفاً، حيث تستهلك كل نبتة 2 ليتر من الماء يومياً، وبالمحصلة فقدان مئات الآلاف من الأمتار المكعبة من المياه وذهابها هدراً إلى جوف النبتة وحرمان المحاصيل الزراعية من الاستفادة منها».
أما مدير الموارد المائية في حماة فقد أوضح: «إن الانتشار الكثيف للنبتة في المسطحات المائية، وخاصة في سد محردة والقنوات الأخرى، يؤثر على أداء مبردات محطة توليد كهرباء محردة ويهددها بالعطب، إضافة إلى أن النبتة تساهم في ارتفاع نسبة تبخر المياه وخفض منسوبها في سد محردة، الذي يحوي حالياً نحو 13 مليون متر مكعب من المياه، تهدر النبته حوالى 150 ألف متر مكعب يومياً نتيجة امتصاصها الهائل للمياه».
أخطار إضافية
بحسب بعض أخصائيي البيئة، فإن زهرة النيل تشكل خطراً على البيئة الحيوية بحسب ما أثبتته الدراسات والتجارب، وذلك لكونها تمتلك ميزات خطرة وفريدة لا تتوافر في نباتات أخرى، ولا سيما قدرتها الكبيرة على امتصاص المعادن الثقيلة والخطرة، كالرصاص والكادميوم، كما أن لها القدرة على الاحتفاظ بهذه العناصر داخل نسيجها بشكل كبير أيضاً، وبناء عليه فإن أثرها السلبي الكارثي سينتقل إلى الكائنات الحية، بما في ذلك الإنسان والحيوان، حيث تنتقل العناصر المعدنية الثقيلة سابقة الذكر إلى الحيوان بحال تناوله من هذه النبتة، لتتجمع في جسمه، كامنة بداخله تراكمياً دون تحلل، ولتنتقل بدورها إلى الإنسان تالياً في حال تناوله أي من المشتقات الحيوانية (لحوم_ حليب_ وغيرها).
بالإضافة إلى أن هذه النبتة تؤثر على نقاوة الماء والهواء، وذلك بحال تفسخها الذي يؤدي إلى تصاعد الغازات السامة، ناهيك عن أنها تعتبر ملاذاً طبيعياً آمناً للحشرات والطفيليات، وغيرها من المسببات المرضية للإنسان والحيوان وللأسماك الموجودة في المسطحات المنتشرة فيها أيضاً.
المكافحة غير مجدية والتكاثر مستمر
توفر المياه، وارتفاع درجات الحرارة، تعتبر من الأسباب الرئيسة لسرعة انتشار النبتة وتكاثرها، ولعل نهر العاصي وسهل الغاب على ذلك يعتبران بيئة مناسبة وخصبة لزيادة انتشار وتكاثر هذه النبتة السامة في النهر ومسطحاته المائية، والتي تؤدي بالنتيجة إلى حجب الشمس عن المياه، مما يمنع من انحلال الأوكسجين في المياه، الأمر الذي يؤدي إلى المزيد من النتائج السلبية على الكائنات الحية في النهر وتلك المسطحات، كما على مجمل المحيط الحيوي والبيئي في المنطقة.
وبحسب الأخصائيين، فإن خطورة هذه الزهرة، تتمثل بكونها تنمو بمعدلات عالية جداً، إذ بإمكان النبتة الواحدة أن تنتج آلاف النبتات خلال موسم التكاثر، الذي يبدأ من شهر أيار ولغاية شهر تشرين الثاني.
أما على مستوى إجراءات المكافحة فقد قال مدير الموارد المائية في حماة: «إن عملية استئصال هذه النبتة الضارة مستعصية ولم تجد نفعاً ملموساً حتى الآن، وهي تقتصر على المكافحة الميكانيكية واليدوية البسيطة عن طريق البواكر والعمال، وتجري بالحدود الدنيا لإزالة النبتة نسبياً ومنع امتدادها لمبردات محطة توليد كهرباء محردة».
مع الأخذ بعين الاعتبار أنه سبق خلال أعوام ماضية تم إجراء تجارب مكافحة بيولوجية وكيميائية، لكنها أثبتت كذلك الأمر عدم جدواها، ناهيك عن السلبيات التي قد تنجم عبر اتباع هذه الطرق في المكافحة في حال استمرارها، مما أدى للعزوف عنها، والاقتصار على المكافحة الميكانيكية أعلاه، والتي أثبتت قصورها وعدم جدواها حتى الآن، علماً أن عمليات التجريف الميكانيكي بحد ذاتها عليها الكثير من المآخذ، وذلك لتأثيرها السلبي على الوسط البيئي.
والنصيحة البيئية للمختصين تقول: إن أفضل طريقة للتخلص من النبتة هي من خلال استئصالها من الجذور بشكل يدوي، باعتبارها تتكاثر عبرها، وبعد ذلك يتم تقطيعها ثم تجميعها وتجفيفها ليتم حرقها بالنهاية، خاصة وأن عملية الحرق لا تؤثر بانتشار أبخرة الرصاص والكادميوم، كون هذه العناصر الثقيلة تحتاج إلى درجات حرارة مرتفعة جداً للوصول لحالة التبخر.
تأريخ
عرضت صحيفة الفداء بتاريخ 7/7/2009، مقالة حول زهرة النيل ومخاطرها بعنوان: «زهرة النيل الإيكورنيا.. دخلت إلى سورية بهدف البحث العلمي لكنها أصبحت كارثة بيئية.. أضرار مائية وبيئية واقتصادية بالجملة.. آفة خطيرة تقلق الفلاح وتستنفر المسؤول».
ومما ورد في المتن: «تؤكد بعض المصادر بأن تلك العشبة أتت من مصر إلى سورية تحت عنوان براق وهو البحث العلمي في بداية عام 2005، رغم تطبيق قانون الحجر الصحي النباتي الذي يمنع إدخال مثل هذه النباتات كونها تعد عدواً للبيئة، وانتشارها يؤدي إلى خسارات وطنية هائلة، وأية فائدة يمكن أن تنجم عنها لا توازي الكارثة البيئية التي ستسببها فيما لو انتشرت بكثافة، إذ ثبت علمياً أن الآفة قد تسربت من أحد المخابر الجامعية كما أكد مدير الهيئة العامة للتقانة الحيوية في أحد التصريحات الصحفية».‏
أي: أن بدء انتشار هذه النبتة الضارة والسامة قد مضى عليه حتى الآن ما يقارب 18 عاماً، وصولاً لما يمكن اعتباره كارثة بيئية، بسبب عدم جدوى سبل المكافحة المستخدمة حتى الآن، والأسوأ هو: أن هذه الكارثة كان المتسبب بها ما أطلق عليه «بحث علمي» في حينه.