أبناء الـ 10 ليرات غير شرعيين!
عادل ابراهيم عادل ابراهيم

أبناء الـ 10 ليرات غير شرعيين!

صدر القانون رقم 20 بتاريخ 29/5/2018، بكل هدوء وبلا أي ضجيج، وقد قضت مادته الوحيدة على ما يلي: «تجبر أجزاء العشر ليرات السورية للقيمة الإجمالية المستحقة إلى العشر ليرات السورية الأعلى، لكافة المطارح المتعلقة بالرسوم والتكاليف المحلية المفروضة في معرض تطبيق أحكام قانون الموازنة المستقلة رقم /35/ لعام 2007».

 

القانون أعلاه صغير جداً بحجمه، فهو عبارة عن مادة واحدة فقط لا غير، لكنه عميق وواسع بتأثيره، ويحمل بطياته دلالات بحاجة للإيضاح.
استنزاف جديد للجيوب
نظرة أولية على القانون، بمادته الوحيدة، قد لا تترك أي انطباع، فجبر الكسور والأجزاء الرقمية أمر طبيعي في العمليات الحسابية، وتحمل بطياتها مرونة مطلوبة فيها، وخاصة على مستوى علاقتها بالتعاملات المالية والتجارية، وهو أمر يتم اللجوء إليه من أجل تسهيل تلك العميات ومنح المشروعية لأنماط التعاملات.
وتبسيطاً يمكن القول: أن وحدة جبر الكسور الرقمية بناء عليه أصبحت تقاس بـ 10 ليرة سورية، بدلاً من ليرة واحدة، لكن وبالعمق فإن هذا القانون لا يتضمن جبر أجزاء العشر ليرات للأعلى على مستوى الحسابات الرقمية في قانون الموازنة المستقلة، بل على مستوى المطارح والرسوم والتكاليف كافة التي أجازها القانون، أي: أن هذا الجبر «للأعلى» سيكون من جيوب المواطنين، وهو بالنتيجة عائد مالي إضافي لهذه الموازنة من جيوبنا.
وللعلم فإن هذه الرسوم والمطارح الضريبية كثيرة وعديدة ومتنوعة، من فاتورة الهاتف والكهرباء و..، وصولاً للرسوم والتحصيلات الضريبية المكانية كافة، والتي تختلف من محافظة لأخرى، حسب ما أجازه القانون 35.
والنتيجة، أن المواطن سيتكبد نفقة إضافية، تكبر أو تصغر، بحسب ما تقتضيه عمليات الجبر تلك، فربما تكون بمئات الليرات سنوياً، وربما تصل للآلاف، فالليرة والخمس ليرات أصبحت سواء وفقاً لآلية الجبر للأعلى بحيث تصبح 10 ليرات مباشرة، ولك أن تحسب كم 10 ليرات سيتم جبرها من جيبك أيها المواطن، بكل فاتورة وكل رسم، مع ما ستتحمله من تجيير لهذه الرسوم من قبل الفعاليات الاقتصادية المختلفة التي ستحملها على تكاليفها وأسعارها، أي من جيبك أيضاً، ولم لا طالما أن الأمر غايته التسهيل والمرونة ظاهراً!.
إزالة «صفر» دون ضجيج
أما الأعمق من هذا، فهو الاعتراف الموارب بأن الليرة السورية لم تعد هي وحدة القياس النقدي رسمياً، بل أصبحت وحدة القياس هي الـ 10 ليرات، وهو ما جرى المرور عليه مرور الكرام دون أي ضجيج.
أيضاً، بتبسيط يمكننا القول: وكأن هناك «صفراً» تمت إزالته في العمليات الحسابية المتعلقة بجباية الرسوم «جبراً لأعلى 10 ليرات»، وربما ذلك يكون مهمازاً على بقية التعاملات الحسابية والنقدية الرسمية لاحقاً، علماً بأن الواقع يشير سلفاً إلى أن هذا الـ «الصفر» أزيل من التعاملات اليومية، فعمليات الجبر للأعلى من جيوبنا فرضت دون استئذان، اعتباراً من أجور النقل وليس انتهاءً بسعر جرزة البقدونس، والليرة السورية كوحدة تعامل نقدي لم تعد متداولة منذ زمن، بل هي غير موجودة في سوق التعاملات، ولعل لذلك الكثير من الأسباب ذات الطابع الاقتصادي المرتبطة بظروف الحرب والأزمة ومفرزاتها، والأهم بجملة السياسات الليبرالية المعتمدة منذ عقود.
العدالة المستباحة
ما يعنينا من أمر، أنه في ظل هذا الاعتراف الرسمي الموارب الذي أزال «صفراً» على حساب المواطن بلا مواربة، فلم لا يتم تعميمه لمصلحة المواطن بالمقابل، وذلك عبر إضافة هذا «الصفر» على الأجور مثلاً، تعويضاً عن فاقد القيمة للعملة وانعكاسه المباشر على مستوى المعيشة، فهذه من تلك عندما ينظر إليها من زاوية أشمل وأكثر عدالة؟!
فالجهات العامة والخاصة على السواء سبق لها وأن أضافت «أصفاراً» على أسعار السلع والخدمات، وهي تجبي عائداتها من جيوبنا تباعاً، وكل مرة بمسمى مختلف، اعتباراً من «تصحيح الأسعار» وليس انتهاءً بـ «حساب التكاليف استناداً لسعر صرف الدولار»، وما بينهما من تسميات، وليأتي القانون الأخير ضمن هذا السياق، لكن بذريعة جديدة وهي عبارة «الجبر للأعلى»، وبحيث يظهر بالنتيجة وكأن كسور الـ 10 ليرات هي المواربة والأبناء غير الشرعيين لهذه الـ 10 ليرات في الحسابات الرسمية، وليست السياسات الليبرالية نفسها التي جعلت من الليرة السورية نفسها مولوداً غير شرعيّ، بحيث جرى وأدها بصمت، دون تشييع أو تأبين!