بدنا تعويضات ــ وبدنا نرجع!
هل ستُقتل أحلام المواطنين- الذين فرض عليهم النزوح والتشرد من بلداتهم وقراهم- من العودة إلى بيوتهم مع مضي كل يوم جديد وهم بعيدون عنها، في ظل استمرار تلقي الوعود الرسمية بشأن تسهيل العودة، لكن مع وقف التنفيذ، إلا لمن رحم ربي؟!
كثيرة هي المدن والبلدات والقرى التي استعادت الدولة السيطرة عليها بعد طرد الجماعات المسلحة منها، منذ فترات طويلة، وكثر هم المواطنون من أهالي هذه البلدات الذين ما زالوا بانتظار السماح لهم بالعودة والاستقرار فيها، والذين ملّوا من كثرة الذرائع والمعيقات التي تحول دون عودتهم واستقرارهم، مع استمرارهم بالقول: «بدنا نرجع- وبدنا حقوقنا كلها».
بلدات مغلقة بوجه أهلها؟
الجهات الرسمية، اعتباراً من الحكومة مروراً بالمحافظين، وليس انتهاءً برؤساء البلديات، وكل من موقعه، ألقوا بالكثير من التصريحات والوعود المكررة، وعلى فترات قريبة ومتباعدة، بشأن عودة الأهالي إلى بلداتهم، طيلة السنوات الماضية، لكن كل ذلك لم يتم ترجمته عملياً على المستوى التنفيذي بشكل عام وشامل.
فبلدات وأحياء دمشق وريفها (داريا- حي تشرين- القابون- جوبر- مخيم اليرموك- التضامن- السبينة- القدم- الحجر الأسود- المليحة- وادي بردى- عربين- زملكا- كفر بطنا- وغيرها الكثير من البلدات والقرى في الريف الدمشقي) ما زالت مغلقة حتى اليوم بوجه الغالبية من أهلها، ولم يعد من هؤلاء إلّا القليل، وحال هذه البلدات والأحياء في دمشق وريفها لا يختلف عن غيرها من البلدات والقرى في بقية المدن والمحافظات، برغم كل ما يتم الحديث عنه حول إعادة التأهيل للبنى التحتية في هذه البلدات، وعودة الخدمات العامة إليها، وكتلة الإنفاق الكبير، والاعتمادات المرصودة لهذه الغاية.
العودة المشروطة
في مطلع شهر نيسان، كشف أحد أعضاء المكتب التنفيذي لمحافظة دمشق، عبر إحدى الصحف المحلية، عن: «إمكانية عودة المهجرين إلى مناطقهم المحررة، سواء المخالِفة منها أو النظامية»، مؤكداً أن: «أي مواطن يستطيع، بعد سماح الجهات المختصة، الدخول إلى منطقة سكنه والبدء بترميم منزله أو محله أو معمله فوراً، مع تقديم كل التسهيلات اللازمة من المحافظة في هذا الجانب وأن يعيده كما كان، بشرط عدم التجاوز على الأملاك العامة وعدم التغيير في الارتفاع».
حديث عضو المكتب التنفيذي أعلاه، كان فيه الكثير من رسائل التطمين، بما يخص مسؤولية محافظة دمشق بالحد الأدنى، إلا أن واقع الحال يقول: إن الكثير من أهالي أحياء دمشق مثل: (القدم- القابون- جوبر- حي تشرين- وغيرها) لم يفسح المجال أمامهم للعودة إلى بيوتهم حتى تاريخه، في ظل اشتراط «سماح الجهات المختصة» التي ربطت مفردة «فوراً» بها، فكيف الحال مع البدء بالترميم المرتبط بالتعويضات، ليصار إلى إعادة الاستقرار فيها؟!
ذريعة الجهات المختصة
ربط إمكانية العودة والاستقرار بموافقة «الجهات المختصة»، التي هي من تقرر السماح بالعودة من عدمها بالنسبة للأهالي، وذلك حسب التصريح أعلاه، أصبحت أحد أسباب معيقات العودة والاستقرار، والسؤال الذي يفرض نفسه: طالما أن هؤلاء الأهالي موجودون على الجغرافيا السورية التي تقع تحت سيطرة الدولة، فما هو الفرق عند «الجهات المختصة» بين أن يكونوا في بلداتهم وأحيائهم وبيوتهم، أو في غيرها من المدن والبلدات التي فرض عليهم العيش بها مؤقتاً؟
فمع عدم إغفال أهمية الاحتياطات الأمنية وضرورتها، لكن بالمختصر المفيد، فإن الغالبية من هؤلاء موجودون تحت عين الرقابة الأمنية سلفاً، اعتباراً من خروجهم نزوحاً من بلداتهم، وصولاً لأماكن إقاماتهم المؤقتة، سواء كانت مراكز إيواء، أو بيوت استأجروها بموجب موافقة أمنية، وسيبقون تحت أعين هذه الرقابة في بلداتهم عند السماح لهم بالعودة، فلماذا التأخر والتلكؤ والتسويف بذلك؟ بحيث أصبحت الموافقة الأمنية سبباً لتأخير عودة هؤلاء!
الحق بالتعويضات
أما عن دور الحكومة والجهات الرسمية على مستوى تسهيل العودة والاستقرار، فيكفي أن نقول: أن الأولوية، بعد إعادة تأهيل البنى التحتية وعودة الخدمات العامة وغيرها إلى المدن والبلدات، هي: التعويضات العادلة التي تعتبر من حق الأهالي، سواء لقاء الأضرار التي أتت على بيوتهم المدمرة جزئياً، أو لقاء العفش والأثاث الذي فُقد أو سرق، مع عدم إغفال دور الدولة وواجبها على مستوى إعادة تأهيل البيوت المدمرة كلياً.
فمن دون هذه التعويضات العادلة من المتعذر على كثير من المواطنين تحمل كتلة المصاريف الكبيرة التي سيتكبدونها من أجل عمليات الترميم، وإعادة التأهيل لبيوتهم ومنازلهم، خاصة في ظل ما تحملوه طيلة السنوات الماضية جراء النزوح والتشرد، وفي ظل الواقع المعاشي المتردي أصلاً، فواقع الحال يقول: إن موضوع التعويضات فيه الكثير من التسويف والمماطلة، كما يطغى على هامشه الكثير من أوجه المحسوبيات والفساد، ناهيك عن بعده عن العدالة.
نعود ونقول مجدداً: إن عودة الأهالي إلى بيوتهم وقراهم، ستتم إن عاجلاً أو آجلاً، كونها تعتبر حقاً شخصياً أولاً وواجباً وطنياً ثانياً، وكل تأخير في ذلك، بالإضافة إلى كونه يبدو وكأنه محاولة لوأد حق هؤلاء، هو تأخير في الاستقرار واستعادة الحياة لطبيعتها على المستوى الاجتماعي والاقتصادي، وهو ما يصبح مجالاً للمتاجرة من قبل القوى المعادية التي لا تريد الخير لشعبنا وبلادنا.