جرمانا: المكب الكبير... وحرب الشماعات
مشكلة النظافة وترحيل القمامة في منطقة جرمانا، هي مشكلة مزمنة معترف بها رسمياً، حتى وصفها رئيس البلدية في إحدى المرات بأنها كارثة، وعلى الرغم من ذلك يتم تدويرها من عام لآخر دون إيجاد حل جذري لها.
مشاهد أكوام القمامة في الشوارع والحارات وأمام الأبنية، صباحاً ومساءً وفي كل الأوقات، أصبحت وكأنها حالة اعتيادية، تكاد تعتبر أمراً طبيعياً ومفروغاً منه، في ظل استمرار التبريرات نفسها المساقة على ألسنة المعنيين في البلدية، مع تسجيل الغياب للمحافظة على مستوى دورها في الإشراف والمتابعة لحل هذه المشكلة المزمنة، أو سواها.
مسرحية بؤس طويلة
أحد الأهالي من أبناء البيئة الريفية الفلاحية، التي تكاد تذوي في جرمانا في ظل التغول العمراني العشوائي المخالف على حساب الأراضي الزراعية، على مرأى ومسمع المسؤولين، قال: «بالنسبة إلنا نظافة الحظيرة والمعلف شي أساسي وخط أحمر، عشان هيك حنا منقوم بتنظيفها مرتين باليوم عشان سلامة المواشي.. لك خيي خلي البلدية تنظف هالمعلف ولو لمرة باليوم.. مش معقول هالوسخ والريحة.. ح يقتلونا».
إحدى الصيدلانيات تقول متهكمة، وهي تكش بمنديلها الذباب المتطاير داخل الصيدلية: «صرنا منكش دبان.. مش من قلة الشغل.. بس من كترتهم ما عم يخلونا نعرف نشتغل».
أحد المواطنين قال: «صرنا ممكن نشترك بألعاب القوى بالقفز.. مش هواية لسكان جرمانا.. بس من كثرة القفز ع تلال الزبالة بالحارات والشوارع وحنا ماشيين».
وقال أحدهم: «من فترة كان رئيس البلدية ع التلفزيون.. وصار الحكي عن جرمانا وبنائها و.. وأخدت المذيعة كل وقت البرنامج.. وبالأخير لفتت الانتباه أنو في ملفات كتيرة يجب الحديث عنها لكن وقت البرنامج لا يسمح.. طبعاً ملف الزبالة منها.. ندمت ع الوقت اللي ضاع ع البرنامج.. ما استفدنا بشي».
إحدى السيدات قالت: «من كم يوم عملو حملة نظافة تطوعية من المنظمات الأهلية.. مكتورين الخير الشباب اللي تطوعت واشتغلت.. بس التطبيل والتزمير عن الحملة والصور اللي نزلت ع الفيس كان أكبر من الشغل بكتير.. بكل الأحوال مشكلة الزبالة مسؤولية البلدية مش مسؤولية المنظمات الأهلية».
وتهكم أحدهم بالقول: «قصة الزبالة بجرمانا صارت مسرحية تراجيدية طويلة.. كل سنة بفصل جديد.. مش معروف مين كتب السيناريو ولا مين المخرج.. بس إحنا الضحايا.. ومش مبينلها نهاية».
واختصر أحدهم بالقول: «في شي اسمو تدوير القمامة والنفايات.. بس عنا تدوير للمشاكل».
الواقع رسمياً
رسمياً، بحسب رئيس البلدية، عبر العديد من وسائل الإعلام التي رصدت الحال:
_ الكثافة السكانية مرتفعة في جرمانا، حيث يقطن فيها أكثر من 1,5 مليون مواطن.
_ القمامة المرحلة يومياً تتجاوز 1000 طن، رغم ضعف إمكانات البلدية.
_ عدد ضواغط القمامة المتوفرة والعاملة لدى البلدية هي 4 فقط.
_ عدد عمال النظافة في المدينة هم 9 عمال فقط.
_ هناك نقص كبير بأعداد الحاويات في القطاعات الثلاثة المقسمة على أساسها المدينة.
_ المتعهدون يتهربون من التعاقد مع البلدية، لترحيل القمامة من بعض القطاعات، لكونها لا تحقق الجدوى الاقتصادية منها.
_ لا يوجد متقدمون للعمل كعمال نظافة، نظراً لتدني الأجور وباعتبار التعاقد طابعه موسمي.
_ لا تتوفر الإمكانية لشراء ضواغط نظراً لارتفاع سعرها.
_ لا يوجد مكان قريب من جرمانا لترحيل القمامة إليه، والمكب الحالي على بعد 40 كم تقريباً.
_ هناك مسعىً للاتجاه نحو المنظمات الدولية لتأمين شراء عدد من الضواغط على نفقتها.
_ هناك مشكلة متعلقة بثقافة النظافة لدى المواطنين، وتم تفعيل قانون النظافة بفرض المخالفات.
موعد مستمر مع المعاناة
ما سبق أعلاه من الناحية الموضوعية، هو سرد للمشكلة وأسبابها، ومن غير المقبول أن يتم اعتباره تبريراً لاستمرارها دون حلول!
فهذه التبريرات المكررة منذ سنوات، مع استمرار تردي واقع النظافة العامة، جعل المدينة من الناحية العملية وكأنها مكب كبير للقمامة، فكمية القمامة الموجودة في الشوارع والحارات وبمحيط الحاويات الممتلئة، تفوق ما يتم ترحيله يومياً منها.
والنتيجة، أن سكان جرمانا على موعدٍ مستمرٍ من المعاناة خلال فصل الصيف الحالي أيضاً، ليس ناحية المشاهد المؤذية للقمامة المنتشرة التي تعبث بها الحيوانات الشاردة لتزيد من تبعثرها وانتشارها، بل من تزايد الحشرات والقوارض، مع ما تحمله من إمكانية لنقل الأمراض وانتشارها، والروائح الكريهة التي أصبحت تعبق في المدينة نتيجة تفسخ القمامة في ظل ارتفاع درجات الحرارة.
شماعة ومسؤوليات
المؤسف، بعد كل هذه السنين من المعاناة والانتظار، أن يتم تسويق الحلول على أكتاف المواطنين والمجتمع الأهلي والمنظمات الدولية، فتكرار الحديث عن سرد المشكلة وفقاً لما سبق من تفنيد رسمي لها، جعل من أسبابها شماعة مستهلكة للتقصير المزمن بحق الأهالي، وبصحتهم ومستقبلهم.
فالقضية لا تحل بحملات التوعية، ولا بزج المجتمع الأهلي بحملات النظافة، ولا باستجداء المنظمات الدولية لتمويل شراء بعض الضواغط، بل هي بحاجة لحلول جذرية تنهي المعاناة بشكل نهائي، وهو ما يجب أن تقوم البلدية به باعتباره من مسؤوليتها، وما يجب أن تستنفر له جهود المحافظة والإدارة المحلية مؤازرةً.
فتأمين مكب قمامة قريب، وتأمين الآليات للنظافة بالعدد الكافي، والتشجيع على الاستخدام بأجور مجزية، وتوفير العدد الكافي من الحاويات، ووضع شروط تعاقدية مدروسة ومنصفة لترحيل القمامة، وغيرها من النقاط الأخرى، تعتبر من واجبات ومسؤوليات (البلدية ومحافظة ريف دمشق والإدارة المحلية) مجتمعين، وربما تأتي بعدها أهمية حملات التوعية ودور المجتمع الأهلي وتفعيل قانون النظافة، وليس العكس.
أهالي وسكان جرمانا، الذين يعانون ما يعانوه من مشاكل متراكبة تنعكس سلباً على حياتهم اليومية، من الكهرباء للمياه، ومن تأخر المخطط التنظيمي الذي أدى لزيادة وتوسع المخالفات والتعدي على الأراضي الزراعية المتبقية، وصولاً للشوارع غير المعبدة والمليئة بالحفر، وليس انتهاءً بكارثة القمامة المستفحلة، ما زالوا بانتظار الحلول لمشاكلهم المزمنة.
ويبقى السؤال: إلى متى مع هذا الجحيم اليومي؟!