العوامل النفسية في كرة القدم
فهد عربي فهد عربي

العوامل النفسية في كرة القدم

استكملت نهاية الأسبوع الماضي منافسات الدور الثاني لمسابقة كأس الجمهورية بكرة القدم بين فريقي الوحدة وتشرين على أرض ملعب الفيحاء، والذي انتهى بأحداث شغب، مع اشتباك مجموعات متفرقة من جمهوري الفريقين خارج الملعب، ولتصل بينهما إلى مواقع التواصل الاجتماعي تهديداً ووعوداً بالرد.

أحداث مؤسفة رافقت مجريات اللقاء ومع نهايته، سهّل في وقوعها، ضعف الإجراءات التنظيمية من ناحية دخول وخروج الجمهورين لمدرجات الملعب التي ضاقت على استيعاب حضورهم الكبير المتوقّع.
يُرجع العديد من المتحدثيّن ظاهرة الشغب، إلى تعصّب المشجعين لناديهم، ويعولوا في إيجاد الحلول لها، على روابط المشجعين ذاتها وتحلّيها بالتشجيع الراقي، في حين يذهب البعض الآخر منهم بأننا شعب لا يستحق الرياضة، لافتقاد جمهورنا للروح الرياضية، وكأننا لا ينقصنا سوى الرياضة لتزيد من آلامنا المعيشية والأمنية بتأثير الأزمة الوطنية...
الإطار النفسي الاجتماعي لظاهرة الشغب
لكي نصل إلى العوامل الجوهرية لهذه الظاهرة، لا بدّ لنا من التطرّق إلى العوامل النفسية والاجتماعية الكامنة في نفوس المشجعين، والتي تدفعهم إلى الشغب مع بروز أي خطأ بسيط ولأي لسبب كان.
إنّ هذه الظاهرة ليست بالجديدة والذاكرة تعجّ بالأمثلة الكثيرة «في بلدنا وبلدان أخرى كذلك»، فهنالك فئة معينة من الجمهور «لا تشكّل بعددها سوى نسبة ضئيلة من العدد الكلي للحاضرين في الملعب»، والتي تتصّف بالتعصّب الشديد لفريقها إلى حدٍ مبالغ فيه، ولوحظ لديها سيادة عقلية معينة، لها تأثير مباشر على باقي الحاضرين في الملعب بعددهم الكبير بتأثير الأجواء الحماسية التي يوفرها الملعب، والخطير في الأمر أنها تعطي «انطباع العمومية» على كامل الجمهور المحتشد في الملعب، وهو ما تتناقله وسائل الإعلام لدى حديثها عمّا يجري داخل أسوار الملعب دون التوسع في إيضاح ذلك، ومن الملاحظ اتصاف هذه الفئة المعينة من الجماهير بما يلي:
_ التطرّف وسرعة تصديق ما يقال، الأمر الذي يساهم في خلق الإشاعات.
_ تفكير يدفع لأكثر ردود الفعل تشنجاً، لا يوجد معها مكان للحلول الوسطية.
_ سيادة روح العدائية نحو الفريق المنافس وجمهوره، وممارسة العنف بحقه مع توفّر أقل الفرص لذلك.
وتعتبر الملاعب أكثر الأماكن المناسبة للتعبير عن المشاعر السلبية بشكل علني، وهنا لا بدّ من التنويه أنّ الملعب هو المكان الأمثل لذلك، ولكنّه ليس الوحيد، أي: أنّ هذه الظاهرة «الشغب أو ممارسة العنف» تحمل إمكانية وجودها في أماكن أخرى.
وعادةً ما تقوم هذه الأحداث بسرعة في الملاعب، قبل أن تزول بسرعة خارجها مع افتراق الجمهور عن بعضه، والعودة الطبيعية لكل مشجّع إلى تحكيم عقله. وبمعنى آخر: إنّ الشغب تعبير عاطفي بحت، يجري بدون التفكير بالعواقب التي سيحملها، بتأثير أجواء التشجيع النفسية إيجاباً أو سلباً، ومن السهل انتقاله إلى جموع الحاضرين.
بالعودة إلى الأسباب والدوافع التي تقف خلف تلك الظاهرة، يتبيّن أنها تشتق من الظروف المعيشية السائدة في أيّ مجتمع من جوانبها كافة، وتتعزّز مع الإحباطات المتكررة عن تلبية الجمهور لمتطلباته المادية والروحية والمعنوية، وبمعنى آخر: إنه لخطأ كبير حصرها في ظروف الملاعب وعزلها عن ظروف الجمهور المحبط خارج الملعب، والذي يجد من الرياضة متنفساً روحياً له.
إن ظاهرة الشغب في الملاعب تكاد تكون ظاهرة عالمية، وهي ليست ظاهرة رياضية بحته، ومن غير الصحيح إرجاعها إلى العامل الأخلاقي لجمهور الرياضة عموماً، أو جمهور هذا الفريق أو ذاك، كما يجري عادة، فمظاهر التّنمر والعدوانية التي تظهر، وإن كانت انعكاساً للشحنات العاطفية الانفعالية بالمعنى المباشر، فهي في العمق تعود إلى جملة عوامل اقتصادية_ اجتماعية، وسياسية، ومن ثم ثقافية لدى الجمهور، وخصوصاً جمهور الرياضات الشعبية، حيث التهميش، وتراكم حالات الإحباط، والإحساس بالقهر، التي تشكل بيئة مناسبة لمختلف مظاهر التطرف، خصوصاً في ظل الدفق الإعلامي الهائل المواكب لهذه الرياضات.
عودة إلى لقاء الأمس
يؤخذ على المعنيين في الجانب التنظيمي للمباراة، التأخر في إنارة الملعب حتى وصول الفريقين إليه، فمجموعات جماهيرية ليست بالقليلة تواجدت قبل اللقاء ودخلت الملعب مبكراً، وتبادلت الشتائم فيما بينها قبل أن يتطوّر الأمر إلى الاشتباك بين بعضهم البعض، خلافاً على مكان الجلوس لكل منهم في الملعب في ظل تأخر وصول رجال حفظ النظام، هذا عدا عن إغلاق أبواب الخروج والدخول من وإلى الملعب، واقتصارها على مدخل واحد أو اثنين؟
فادي الدباس: «التنظيم صعب وبسيط و مفقود»؟
أرجع الرئيس الجديد للمنظمة الكروية، غياب العامل التنظيمي في الملعب بأنه صعب بالرغم من بساطته، وهو ما نفتقده في بلدنا، وخاصة في الرياضة، والذي جاء بمثابة استسلام للوضع الراهن الذي نحن عليه، وترك هذه المشكلة للمجهول، ليتبادر إلى الأذهان تساؤل عن المعني الحقيقي في مسؤولية تنظيم المباريات، في ظل احتكار الرجل نفسه لجميع المناصب الفرعية للجان الاتحاد، وبما فيها مشرف اللعبة في أندية دمشق كذلك؟
لقد جرى اللقاء تحت شعار، «دمشق خالية من الإرهاب» وبهدف فك الحظر الجزئي المفروض على ملاعبنا من قبل الاتحاد الدولي بكرة القدم، فمباراة بهذه الأهمية، هل يعقل غياب المهمّات التنظيمية عن أذهان القائمين عليها، بما يوفّر حفظ وسلامة جمهوري الفريقين؟

كرة القدم في الشمس والظّل

كتب إدواردو غاليانو في مقدمة كتابه «كرة القدم في الشمس والظّل»:
تاريخ كرة القدم هو رحلة حزينة من المتعة إلى الواجب. فكلما تحولت هذه الرياضة إلى صناعة، كان يجري استعباد الجمال الذي يتولد من متعة اللعب لمجرد اللعب. وفي عالم نهاية قرننا هذا، تستنكر كرة القدم الاحترافية ما هو غير مفيد، وما هو غير مفيد في عرفها، هو كل ما لا يعود بالربح. وليس هناك أية أرباح تُجنى حين يتحول الرجل، لبرهة، إلى طفل يلعب بالكرة مثلما يلعب الطفل بالبالون، ومثلما تلعب القطة بكبة خيوط صوفية: يصبح راقصاً يرقص بكرة خفيفة مثل البالون الذي يطير في الهواء، أو مثل كبة الصوف التي تتدحرج، لاعباً دون أن يدري أنه يلعب، ودون أن يكون هناك سبب أو توقيت أو حكم.
لقد تحول اللعب إلى استعراض، فيه قلة من الأبطال وكثرة من المشاهدين، إنها كرة قدم للنظر. وتحول هذا الاستعراض إلى واحدٍ من أكثر الأعمال التجارية ربحاً في العالم، لا يجري تنظيمه من أجل اللعب وإنما من أجل منع اللعب. لقد راحت تكنوقراطية الرياضة الاحترافية تفرض كرة قدم تعتمد السرعة المحضة والقوة الكبيرة، وتستعبد الفرح، وتستأصل المخيلة وتمنع الجسارة.
ومن حسن الحظ، أنه ما زال يظهر في الملاعب، حتى وإن كان ذلك في أحيان متباعدة، وقحاً مستهتراً يخرج عن النص، ويقترف حماقة القفز عن كل الفريق الخصم، وعن الحكم وجمهور المنصة، لمجرد متعة الجسد المنطلق إلى مغامرة الحرية المحرمة.