واقع اتحاد الكرة.. لا توجد حلول فردية
فهد عربي فهد عربي

واقع اتحاد الكرة.. لا توجد حلول فردية

أثارت نتائج انتخابات المؤتمر الاستثنائي لاتحاد الكرة الأسبوع الفائت، ردود افعال سلبية ضمن الوسط الرياضي، على خلفية تعيين قيادة جديدة للاتحاد المذكور «بالتزكية» تكمّل عمل القيادة السابقة له، والتي دفعت للإقالة بعد الضغط الذي مارسته منظمّة الاتحاد الرياضي العام، وهي السلطة الرياضية الأعلى. وذلك بالرغم من العلم المسبق بانعدام احتمالية وصول أصحاب الكفاءات من خبراتنا المحلية إلى مواقع القرار، وخبرة الوسط الرياضي للسياق العام الذي تدار به الأمور.

 

سنبتعد قليلاً عن الجدال في موضوع أحقية فلان دون غيره في الفوز بالانتخابات، وذلك ليس تجاهلاً لحالة السخط تلك، وإنمّا بهدف إلقاء الضوء على بنية الرياضة كظاهرة اجتماعية، ونمط العلاقات السائد بين الشخصيات والقوى المشاركة بها، وهي التي تدفع إلى رئاسة الاتحاد مع كل دورة انتخابية بوجوه مختلفة شكلاً، ومتطابقة في السلوك وأداء الدور المفروض عليها القيام به.
تأثير القوى المشاركة في صنع الرياضة
لا تقتصر المشاركة في الرياضة على فريقين متنافسين بروح رياضية عالية أمام جمهور محتشد في الملعب يشجّع الفريق الأكثر تنظيماً ومهارةً، وما يجري على البساط الأخضر لا يمثّل سوى ظاهر الأمر.
فالرياضة تعتبر من أكثر الظواهر الاجتماعية جذباً للجماهير، لما تبثه من مشاعر حماسية شديدة التأثير بوعيهم وسلوكهم، ولأنها كذلك؛ فإنها تخضع لتأثير شريحة اقتصادية محددة تدخل إلى هذه الظاهرة بدافع تجاري بحت، بغاية «الربح» منها لا تطويرها.
وفي ذات الوقت، فإنّ قوانين العمل المحدّدة لها تخضع لتأثير السياسات الحكومية في كل بلد على حدة، وفي ضوء ذلك فإنّه من المستحيل عزل القطاع الرياضي عما يحدث في قطاعات أخرى في هذا البلد أو ذاك، وبتأثير ذلك فإنّه من الخطأ التعويل على حلول فردية لأشخاص محددون دون غيرهم كي يغيروا واقع الحال، بحكم آلية الضبط المكين التي يشكلها تحالف القوى الاقتصادية والسياسية التي تقف خلفها، والتي تتناقض مصالحهما الخاصة مع مصالح الجمهور والرياضين.
عودة لواقع حال كرتنا المحلية
تعاني كرتنا منذ عقود من مشاكل عديدة في ظل غياب آليات وبرامج عمل لتطويرها، والتي أخذت تتفاقم مع بداية الأزمة في ظل هجرة كوادر اللعبة من رياضين ومدربين.
فعلى صعيد الأندية والمسابقات المحلية، تشير نتائج دوري الدرجة الممتازة، ودوري الدرجة الأولى كذلك، إلى تقارب المستويات الفنية بين الفرق المتنافسة، وتراجع الأندية عن تقديم لاعبين مميزين ترفد بهم المنتخبات الوطنية بذات الكم قبل الأزمة، ومعاناتها كذلك من مشاكل عديدة يشكّل العامل المادي العصب الرئيسي في حلها، دون أن ينفي ذلك وجود فرق تتمتّع بحالة استقرار مالي كحال فرق الهيئات «الجيش والشرطة والمحافظة» وحال فريقي «الوحدة والاتحاد مؤخراً» مع توفّر داعم كبير لكل فريق، في حين تعيش بعض الأندية بين ظلمات الفقر مع منع الاتحاد الرياضي العام الاستقلالية الكاملة لها في استثمار منشآتها الرياضية وتحكمّه بميزانيتها ومحاصصته لأموالها، عدا عن فرضه الضرائب على الأجور الهزيلة للعاملين فيها، وهنا لم نذهب إلى فرق الدرجتين الثانية والثالثة، والتي يصبح العدد الاجمالي لجميع الأندية معها ما يقارب 400 نادٍ قبل الأزمة، وفقاً لمصادر إعلامية محلية، وقد خرج الكثير منها عن العمل مع بداية الأزمة.
تراجع المستوى الفني
على صعيد المنتخبات الوطنية، تعتبر نتائج فرق الفئات العمرية المختلفة أكبر مؤشر على تراجع المستوى الفني لها، والتي فشلت في تجاوز الأدوار الأولى للمسابقات القارية في السنوات الماضية، وهنا نستثني منتخب الرجال ونتائجه اللافتة في الفترة الأخيرة لغياب اللاعبين المحليين عن حجز مكان لهم ضمن عماده الأساسي، والذي يقتصر على اللاعبين المحترفين في دول عربية وأجنبية، والبعيدين عن مشاكل اللاعبين المحليين، فضلاً عن تدريبهم وفق برامج إعداد أفضل مما لدينا.
عودة الجمهور
أما جماهيرياً، فقد شهد الموسم الكروي الحالي العودة التدريجية للجمهور إلى مدرجات الملاعب بعد الانحسار الملحوظ للأعمال العسكرية عن مناطق عديدة من البلاد، وهو ما ساهم في عودة الدوري إلى شكله القديم بعد أن اقتصر على اللعب ضمن محافظة دمشق منذ بداية الأزمة بطريقة التجمّع، وهذا عامل إيجابي، إلا أنّ السلبي فيه كثرة حالات الشغب في معظم الملاعب وتطورها إلى حالات اعتداء في ملاعب أخرى، وهذه المشكلة لا تقتصر فقط على الظلم الذي تتهم به بعض الأندية للمنظمّة في محاباتها لأندية دون أخرى، وإنما يتعدى ذلك إلى الظروف المعيشية والغلاء والآثار النفسية للأزمة، فضلاً عن نشر فيديوهات تحريضية على مواقع التواصل الاجتماعية، قبل تلك المباريات التي شهدت حالات الشغب والاعتداء.
تمايز المؤثرين
في حين يتغنّى القائمون بإنجازاتهم في الحفاظ على دوران عجلة المسابقات في ظروف الأزمة، وبعيداً عن أسمائهم، فإننا نميّزهم ضمن مستويين من الشخصيات الفاعلة والمؤثرة أثناء سير العمل:
الوجوه القديمة من ممارسي اللعبة والذين احتكروا إدارتها دون تقديمهم لأي جديد، سوى الحصد المتتالي للخيبات، ولكنهّم يبقون من الملاك الرياضي، وسبق لهم ممارستها ويعلمون تفاصيلها على الأقل، وقد استطاعوا استثمار خبرتهم الكروية وعلاقاتهم الشخصية في صالح الرياضة، كما حدث مؤخراً لدى التعاقد مع المدرب الألماني لتدريب المنتخب بعد الاتفاق مع الاتحاد الدولي والآسيوي بدفع رواتبه من أموالنا المجمّدة في حسابات الاتحاد الدولي بكرة القدم.
وجوه لا تاريخ رياضي يشفع لها، ولم يعرفها الناس سوى بخطاباتها في المكاتب وبُعدها عن واقع الحال، ليصل الأمر إلى «جديد الانتخابات الأخيرة» مع وصول شخص من خارج ملاك الرياضة والرياضين إلى رئاسة المنظمّة؟! في تناقض عجيب لأصحاب القرار الذين أرجعوا أسباب إقصائهم للخبرات المحلية إلى نقص خبرتهم في الانتخابات السابقة.
السياسات المنحازة
أياً يكن الواصلون إلى مواقع القرار في المنظمّة الكروية فإنهم لا يستطيعون العمل وفق أهوائهم الشخصية من تلقاء ذاتهم، دون استنادهم إلى قوة تشريعات وقوانين تعززها السياسات الحكومية التي لاتتوافق غالباً مع حقوق الرياضين وجماهيرهم، والمتاجرة بأحلامهم حفاظاً على المصالح الضيقة.
وعلى كل حال، يجب ألا يكون دعم منتخب الرجال مجرد مناسبة لالتقاط الصور التذكارية، والتمظهر بالرعاية الأبوية، أو بهدف احتواء حالة السخط من قبل جمهور الكرة، تجاه الممارسات الخاطئة في القطاع الرياضي فالمعيار الحقيقي للجدية يتمثّل في الذهاب إلى وضع سياسة متكاملة ومعالجة جذرية، للمشاكل الكثيرة التي تعاني منها الرياضة والرياضيين.