قوانين الأحوال الشخصية لا تساعد على إلغاء التمييز
أديب خالد أديب خالد

قوانين الأحوال الشخصية لا تساعد على إلغاء التمييز

مع الأسف: إن قوانين الأحوال الشخصية في بلادنا تعزز الانقسام والتفرقة والتمييز في المجتمع، بدلاً من المساعدة على إزالتها وإلغائها، سواء بين الرجل والمرأة، أو بين الأديان والمذاهب.

فإذا كانت المصاهرة، على سبيل المثال، تعتبر من أنجع الطرق والوسائل للتقريب بين الأديان والمذاهب والأقوام تاريخياً، فإن رضوخ القانون لمبدأ التحريم في المصاهرات، بحسب كل دين ومذهب، ينزع إمكانية التقارب وتذويب التمييز بينها من الناحية العملية.

احترام الأديان لا يتعارض مع احترام الدستور
مع عدم التغييب، إن مبدأ احترام تقاليد الأديان والمذاهب وعباداتها وطقوسها، يعتبر حقاً لا نزاع حوله على المستوى الفردي، إلا أن ذلك يجب ألّا يتعارض مع أهداف وغايات القانون العام، الذي يجب أن يقضي بعدم التمييز والتفرقة، افتراضاً.
فقانون الأحوال الشخصية يتناقض مع نصوص الدستور السوري، من حيث النص على المساواة بين الرجل والمرأة في الحقوق والواجبات، كما نصت المادة الثالثة والثلاثون منه، وصيانة الحرية الشخصية للمواطنين.

قانون الأحوال الشخصية
قانون الأحوال الشخصية المعمول به حالياً، صدر عام 1953، مستمداً أحكامه من الشريعة الإسلامية، وأغلب أحكامه أُخذت من المذهب الحنفي، حسب ما كان معمولاً به خلال فترة الاحتلال العثماني.
وينص القانون على تنظيم أحكام الأسرة من خطبة وزواج، وحقوق الزوجين من مهر ونفقة، وحقوق الأولاد من نسب ورضاع ونفقات، وانحلال الزواج بإرادة الزوج، كالطلاق أو الخلع أو بالتفريق القضائي، كالإيلاء واللعان والظهار، ويضم القانون أيضاً أحكام تفريق للعيب والغيبة والضرر وعدم الإنفاق، وأحكام الأهلية والوصاية على الصغير، وأحكام أموال الأسرة من ميراث ووصايا وأوقاف، ونحوها مما يعد تصرفاً مضافاً إلى ما بعد الموت.

ظلم كبير للمرأة
لعله بات من المعروف، أن قانون الأحوال الشخصية فيه ظلم كبير للمرأة وحقوقها من عدة نواحٍ، منها:(الميراث_ طريقة الزواج_ المهر_ الشهادة_ وغيرها)، بالإضافة إلى استخدامه مصطلحات لا تتناسب البتة مع مكانة المرأة ودورها.
فعلى سبيل المثال: الزواج والهدف منه، فمازال المُشرع يستخدم تعبير عقد النكاح بدلاً من عقد الزواج، حيث تقتصر هذه التسمية بمدلولها على الناحية الجنسية للزواج فقط، وكأن الهدف من الزواج هو فقط ممارسة الجنس، كما أنه يستخدم تعابير في أحكام الطلاق لم تعد تتماشى مع لغة العصر ومتغيراته كـ (الخلوة الشرعية_ وقبل الدخول أم بعده) حيث تنحصر آثار الزواج والطلاق بالنسبة للقانون بممارسة الجنس فقط.
كما أن المرأة لا تستطيع حسب القانون تطليق نفسها إلا بعد موافقة الزوج، مع تنازلها عن حقوقها التي ينص القانون أنها حقوقاً شرعية!، فيما يحق للزوج متى أراد تطليق زوجته دون تحمله أية عواقب، ناهيك عن حالات تعدد الزواج وأحكامها، والغبن الذي يلحق بالمرأة والأسرة بناء عليه بالنتيجة.

الميراث والإجحاف فيه
أما فيما يخص الميراث وحصول الذكر على حصة أكبر من حصة الأنثى، فالحجة الشرعية تقول: إن الذكر هو من يتكفل بالإنفاق، حيث لم تكن الإناث تعملن أو تخرجن من البيوت، أما اليوم فإن النساء يخرجن ويعملن، وهن يشاركن أزواجهن في تحمل أعباء الحياة، حيث أجبرت العديد من النساء نتيجة للأوضاع الاقتصادية، حتى قبل انفجار الأزمة، لمشاركة الرجل في العمل وتحمل أعباء الحياة، واليوم وبسبب الحرب وفقد المعيل باتت المرأة  تتحمل أعباء المنزل والعمل معاً.
فهل من المقبول بعد ذلك كله أن يستمر العمل بموضوعة الإرث كما كانت عليه منذ قرون، أليس في ذلك إجحاف لحقوق المرأة التي أصبحت منتجة وشريكة كاملة على مستوى الواجبات والأعباء؟ مع الأخذ بعين الاعتبار أن هذه الموضوعة هي حالة ذات طبيعة حياتية وليست حالة تعبدية، كما أن هناك الكثيرين من رجال الدين الذين أفتوا بعدالة توزيع الإرث بين الرجل والمرأة استناداً لمتغيرات الواقع الاقتصادي الاجتماعي.
وعلى النسق نفسه، لماذا تورث العائلة كاملة في حالة عدم وجود وارث ذكر للمورث، فأي ظلم يلحق بالمرأة في هذه الحالة أيضاً، خاصة إذا كان لا يوجد معيل لها؟ أليس من الأفضل أن تحصل الإناث على أموال مورثهم كاملة دون نقصان؟.

فوضى الفتاوى
مع تبني المشرع لقانون أحوال شخصية مستمَدّاً من الشريعة الإسلامية، فقد أعطى لكل من رأى نفسه «شيخاً» أن يفتي به دون الرجوع إلى نصوص القانون نفسه، حيث يحدث اختلاط وتشويه دائماً لنصوص القانون وسوء فهمه من قبل المواطنين، نتيجة لتضارب الفتاوى وتعدد الأحكام الشرعية، وبات الناس يلجؤون إلى المشايخ بدلاً من رجال القانون لشرح القانون لهم، أو للحكم بينهم، وهو ما أضاع هيبة القضاء والقانون، كما فتح المجال لأي شيخ أن يعقد عقد زواج باعتباره شيخاً.. هكذا، وهذا ما أدى إلى انتشار ظاهرة الزواج العرفي خارج المحاكم.

تعديلات على مقاس رجال الدين
شدد وزير الأوقاف في حديثه أثناء جلسة مجلس الشعب، الأسبوع الماضي، على استعداد الوزارة ورجال الدين للحوار والتعاون مع كل اللجان والجمعيات والشخصيات الفكرية بهدف الاستماع إلى آرائهم ومقترحاتهم بشأن تعديل قانون الأحوال الشخصية.
هذا الطرح «المرن» يعني: أن التعديلات المرتقبة على قانون الأحوال الشخصية المزمعة، لن تخرج عن عباءة وزارة الأوقاف ورجال الدين، وهيمنتهم مرة أخرى على نصوصه وأحكامه، بعيداً عن دور وزارة العدل ورجال القانون من قضاة ومحامين.
والنتيجة المتوقعة سلفاً بناء على ذلك لن تكون بأفضل مما هي عليه الآن، لا من حيث إذابة الفوارق بين الأديان والمذاهب، ولا من حيث إلغاء التمييز بين الرجل والمرأة، وتكريس اعتبارها «ناقصة عقل ودين»، مع تكريس الطابع الذكوري على أحكامه ونصوصه، باعتبار المرأة تحتاج «الوصاية» الذكورية عليها دائماً وأبداً.
فهل هذا هو المطلوب مجتمعياً، وهل هذا ما نرجوه ونطمح لرسمه كأفق ومستقبل للوطن وأبنائه؟