صراع المرض والاستغلال المشرعن
ما زالت أسعار الأدوية تشكل عبئاً على المواطنين في ظل استمرار ارتفاعها، كما مازالت الردود الرسمية لها الطابع التبريري على حساب هؤلاء.
فقد ارتفعت مؤخراً أسعار بعض الأصناف الدوائية بشكل كبير، وخاصة لبعض الزمر كثيرة الاستعمال، لارتباطها بالأمراض المزمنة، مثل: ارتفاع الضغط، أو أدوية القلب، وحتى لبعض زمر المسكنات والمضادات الحيوية، مع استمرار تسجيل غياب عين الرقابة المفترضة، وخاصة على المستودعات والمعامل والتهريب.
تبريرات رسمية
معاون وزير الصحة للشؤون الصيدلانية، صرح منذ عدة أيام عبر إحدى الإذاعات المحلية: أن ارتفاع أسعار الأدوية مبرر، وسببه هو التغييرات التي تطرأ على أسعار المكونات الأساسية التي تحدد سعر الأدوية، إلى جانب ارتفاع سعر الدولار لعشرة أضعاف مما كان عليه.
معاون الوزير لم يغفل في حديثه مفردات التسعير النهائية (المواد الأولية_ مواد التعبئة والتغليف_ كلفة التصنيع_ ربح المعمل_ ربح الصيدلية_ الهدر_ الدعاية)، نافياً احتكار الصيدليات للأدوية، لعدم وجود معلومة لديهم حول توقيت رفع السعر.
وقد عزا فقدان بعض أصناف الأدوية لعدم وجود جدوى اقتصادية من تصنيعها إلى جانب خسائر في المعامل، مما أدى إلى طرح الدواء الوطني بسعر اقتصادي مناسب للمواطنين، وذلك مقابل تسوية تعطي المعمل حقه في التكلفة.
أما أكثر ما يلفت بحديث معاون الوزير فهو قوله: «رغم الارتفاع الحالي في الأسعار، لا تزال أسعار الأدوية في سورية الأرخص في العالم».
نشرات متتالية وبدائل مجهولة
المُسجل منذ فترة ليست بالقصيرة، أن وزارة الصحة تعمل بالتنسيق مع معامل الإنتاج الدوائي، على إصدار نشرات أسعار متتالية للأصناف والزمر الدوائية المنتجة محلياً، آخذة بالحسبان التكاليف ومفرداتها التي تحدث عنها معاون الوزير آنفاً، مع الأخذ بعين الاعتبار أن واقع رفع الأسعار استناداً لمتغيرات سعر صرف الدولار، أُخذ بها عند ارتفاع سعر الدولار بمقابل الليرة، بينما لم يؤخذ به استناداً لانخفاضه، وربما حال تسعير الأدوية على هذا الأساس لم يختلف عن غيرها من السلع والاحتياجات الأساسية الأخرى للمواطنين.
ولعل ما يؤخذ على الوزارة بهذا الصدد، هو: أنها تُصدر نشرات أسعارها على التتالي وليس في وقت واحد، ما يفسح المجال للاختلال في السوق الدوائي بالنتيجة، فبعض الزمر ارتفع سعرها رسمياً مرتين أو ثلاث خلال السنوات القليلة الماضية.
وعلى الرغم من ذلك ما زالت معامل الإنتاج تتذرع بين الحين والآخر بعدم تمكنها من تغطية تكاليف تصنيعها لبعض الزمر الدوائية، وبالتالي تمتنع عن تصنيعها، ما يعني بالمحصلة، احتكار ما هو موجود منها ككميات في السوق الدوائي بغية استغلال الحاجة، سواء من قبل المستودعات أو من قبل الصيادلة.
مع الأخذ بعين الاعتبار، أن هذا وذاك يؤدي بالمحصلة إلى زيادة انتشار ظاهرة البدائل المهربة من هذه الزمر، مع كل سلبياتها، ليس على مستوى أسعارها المرتفعة استغلالاً لحاجة المرضى إليها، ولا على مستوى تأثير ذلك على الاقتصاد الوطني، بل ولعل الأهم، هو: غياب الرقابة على هذه الأصناف المهربة من ناحية المواصفة والسلامة على الصحة، والتي يكون ضحيتها المرضى بالنتيجة، إما بعدم فاعليتها، أو بانعكاساتها السلبية على صحتهم أحياناً.
شرعنة الاستغلال!
لعل حديث المعاون التبريري أعلاه، لا يخرج عن سياق التبريرات الرسمية الشبيهة، على مستوى الأسعار والسلع والخدمات، والتراجع المطرد لدور الدولة على هذه الجوانب الحياتية الضرورية.
فمعاون الوزير الذي برر رفع أسعار الأدوية استناداً إلى مفردات التكلفة ومعدلات ارتفاع سعر الدولار لعشرة أضعاف، والذي اعتبر أسعار الأدوية في سورية هي الأرخص عالمياً، ربما غفل عنه أن المواطن يتعامل بالليرة السورية، كما أن دخله المتآكل لم يرتفع بمقدار الأضعاف الدولارية التي تحدث عنها، أما عن واقعة الاحتكار فقد أغفل تماماً الحديث عن عمل المستودعات ومعامل الإنتاج والمستوردين والمهربين، والمستغلين من كل حدب وصوب.
من كل ما سبق، فإن النتيجة العملية في ظل هذا الواقع البائس، هي: أن المريض سيبقى رهينة صراعه مع مرضه، كما مع الاستغلال المستمر، المبرر والمشرعن رسمياً.