سمر علوان سمر علوان

«أكشاك الإعانة» بالملايين!

شهدت شوارع دمشق مؤخراً حملات واسعة لإزالة إشغالات الأرصفة، من بسطات وأكشاك، حيث جرى استبدال بعضها بنموذج موحد من الأكشاك، يهدف إلى إضفاء «طابع جمالي» على العاصمة، ووضع حد للمساحات غير المنتظمة التي من عادة الأكشاك احتلالها لعرض البضاعة على الأرصفة.

 

خطوة تأتي في سياق «دعم المحتاجين» من مصابي الجيش وذوي الشهداء، وتمكينهم من الحصول على مصدر دخل ثابت_ أو هذا ما صُرح به رسمياً على الأقل_ إذ تُظهر الوقائع ارتفاعاً كبيراً في تكلفة الكشك الواحد، لتزيد أحياناً عن مليوني ليرة سورية، إلى جانب صعوبات ومحسوبيات كثيرة تقف في طريق كل من يود الحصول على ترخيص، وهو ما يتنافى مع مبدأ الدعم الاجتماعي والاقتصادي لمعدومي الدخل ومحدوديه، والذي تُسوق له المحافظة كمبرر لإجراءاتها الجديدة.
معايير فنية
تقول المحافظة: إنها صممت الأكشاك الجديدة بناء على دراسة أجراها مهندسون فنيون، بحيث تكون موحدة من الداخل والخارج وتشغل مساحة 4×2 متراً، وهي مغلفة بالكامل تفادياً لأية تجاوزات أو تعديات على الأرصفة العامة، وتحمل اللونين الفضي والأزرق، وينقش عليها كل من العلم السوري وشعار محافظة دمشق، إضافة إلى بطاقة نحاسية للتعريف بصاحب الكشك، ورقم الكشك ومدة ترخيصه، ومكانه المخصص به، كما تفصل بين الكشك والآخر مسافة لا تقل عن 50 متراً على أقل تقدير، حتى في المناطق التي تشهد حركة كبيرة.
تكاليف مرتفعة
بعيداً عن تقييم الجانب الجمالي لهذه الأكشاك، يبدو من الجلي أن المحافظة غرقت في التفاصيل الفنية الصغيرة، وأغفلت الجانب الأبرز، وهو: الحاجة الملحة التي دفعت السوريين إلى اتخاذ الأرصفة وسيلة لكسب الرزق، حين فرضت عليهم تكاليف باهظة لإنشاء أكشاك تنسجم مع معاييرها الجمالية، وتتناقض أشد التناقض مع العوز الذي أجبرهم على هذه المهنة.
أما عن تفاصيل القرار وشروط الترخيص، فتؤكد المحافظة في تصريحاتها لوسائل الإعلام المحلية: أن كل الأكشاك القديمة ستخضع لعملية التجديد عند انتهاء ترخيصها، ولن يُمنح الترخيص إلا بعد التجديد، وأنه سيتم توحيد جميع الأكشاك.
للإعانة فقط
كما أشارت إلى أن جميع الأكشاك المرخصة مؤخراً هي «أكشاك إعانة»، إذ أن المحافظة لم تمنح ترخيصاً لأي كشك منذ 2006 وحتى 2011، ولكن مع بداية الأزمة ونتيجة كثرة الطلبات من ذوي الشهداء ومصابي الحرب، الذين تجاوزت نسبة عجزهم 80%، جرى منح التراخيص مجدداً، على ألا يتم ذلك إلا بموافقة المحافظ شخصياً، مع التأكيد على أنه تم اختيار نموذج الكشك «بأقل تكلفة ممكنة لتناسب جميع الأطراف».
التراخيص مكلفة أيضاً
لكن لأصحاب الأكشاك رأياً مخالفاً، إذ يؤكدون الصعوبات التي تعترض كل من يحاول الحصول على كشك ليؤمن معيشته منه، ويوضح أحد الباعة من أصحاب الأكشاك، أنه تكبد مليوناً و800 ألف ليرة لبناء الكشك في منطقة المزة، لكنه يستطرد، إن تأمين هذا المبلغ يعد سهلاً للغاية مقارنة بالمتطلبات التي يقتضيها الحصول على ترخيص، والتي تبتدئ بتدبير المعارف والواسطات والموافقات، ولا تنتهي بدفع مبالغ مالية ضخمة قد تتعدى كما أشار أحدهم لأكثر من مليون ليرة للترخيص.
الواقع المغاير
ما سبق، أدى لأن يستدين هؤلاء المعوزين لقاء فائدة تشغيل على المبلغ المستدان، من أجل الحصول على الترخيص وإنشاء الكشك بالمواصفات المطلوبة، طبعاً مع عدم إغفال قيمة البضائع المعروضة للبيع، كون هذه التكاليف مجتمعة تعتبر مرتفعة جداً بالنسبة لإمكاناتهم، والبعض اضطر لإدخال شريك معه في تقاسم الأرباح لقاء هذا التمويل الكبير، على حساب جهدهم وتعبهم والترخيص الذي يحمل اسمهم.
أما الواقع المشاهد، فيشير إلى أن الأكشاك الجديدة بمساحتها وتصميمها «الجمالي»، والتي بدأت بالانتشار على الأرصفة بدمشق، لم تأت بديلاً عن الأكشاك القديمة القائمة، كما أنها بالإضافة لمساحتها المقدرة بحدود 8 أمتار مربعة لكل منها، فهي تتعدى على الأرصفة بمساحات أكبر من ذلك بمحيطها، وهي على ذلك لم تكن استثناءً عن غيرها.
كل ذلك يأتي في الوقت الذي تؤكد فيه المحافظة، أنها تُصدر التراخيص بدافع «الإعانة» لذوي الشهداء ومصابي الحرب ممن لديهم نسب عجز مرتفعة تفوق 80%.
فهل هذه هي الطريقة التي تُعين بها المحافظة هؤلاء الذين يقدرون بالآلاف.. أم أن لديها على ما يبدو فهمها الخاص لمصطلحات: «الإعانة»، «الطابع الجمالي»، «التعدي على الأرصفة»؟!