قراءة في قانون مكافحة الجريمة المعلوماتية
ميلاد شوقي ميلاد شوقي

قراءة في قانون مكافحة الجريمة المعلوماتية

تتميز الجريمة الإلكترونية عن الجريمة التقليدية من حيث تعريفها وخصائصها وأركانها، واتسمت هذه الجريمة بخصائص عديدة أهمها: أنها جريمة عابرة للحدود، تمارس داخل النظام المعلوماتي، وترتكب من طرف «مجرم» معلوماتي يتمتع بالذكاء والمهارة، كما أنها صعبة الإثبات بسبب تطور وسائل التكنولوجيا.

 

القانون المثير للجدل، العيب الأكبر فيه: أنه يحيل كيفية تطبيق أغلب مواده إلى التعليمات التنفيذية، التي ستصدرها الهيئة الوطنية لخدمات الشبكة في وزارة الاتصالات، وهذا بحد ذاته غير جائز في القوانين الجزائية.
فالقانون الجزائي يجب أن يصدر واضحاً متكاملاً بلا لبس أو غموض، لما له من تقييد على حرية الأفراد.
الجريمة المعلوماتية
اختلف الفقه الجنائي في كيفية تعريف الجريمة المعلوماتية.
فذهب فريق إلى تعريفها بناءً على أساس وسيلة ارتكاب الجريمة، وبالتالي كل فعل غير مشروع يقع عن طريق الحاسب الآلي يعتبر جريمة معلوماتية.
وفريق آخر اعتمد على أساس موضوع الجريمة، وعليه عرّف الجريمة المعلوماتية، بأنها الجريمة التي ترتكب عبر الإنترنت، عن طريق إدخال بيانات مزورة في الأنظمة، أو إساءة استعمال المخرجات، إضافة إلى أفعال أخرى تشكل جرائم أكثر تعقيداً من الناحية التقنية مثل: تعديل الكمبيوتر.
القانون رقم 17 السوري عرّف الجريمة المعلوماتية: بأنها جريمة تُرتكب باستخدام الأجهزة الحاسوبية أو الشبكة، أو التي تقع على المنظومة المعلوماتية أو الشبكة.
هنا اعتبر المُشرع، الأنظمة المعلوماتية محلاً للجريمة، ويمكن أن تكون أداة لها، وبهذا يكون المُشرع قد أخذ بالمفهوم الواسع جداً للجريمة المعلوماتية.
كشف بيانات المستخدمين
ألزم القانون مقدمي خدمات النفاذ إلى الشبكة، ومقدمي خدمات الاستضافة على الشبكة، بحفظ نسخة من البيانات ومن المحتوى المتداول على الشبكة، من بيانات ورسائل نصية ومسموعة مرئية وصفحات شخصية على مواقع التواصل الاجتماعي، وبرامج التواصل عبر الهاتف المحمول لمدة 6 أشهر، وتقديمها للقضاء عند طلب الأخير ذلك، في انتهاك خطير لخصوصية الأفراد، المصانة بموجب المادة 37 من الدستور.
كذلك نص القانون في المادة 12 على أنه من واجب مقدمي خدمات الإنترنت سحب أي جزء من المحتوى المتداول على الشبكة، أو منع الوصول إليه بمجرد معرفتهم الفعلية بالطابع غير المشروع للمحتوى، دون انتظار حكم قضائي مبرم.
وهذا يعد انتهاكاً صارخاً لقانون الإعلام وحرية التعبير، إضافة إلى السماح لأي متضرر بالطلب من مقدم خدمات التواصل على الشبكة بسحب أي محتوى يرى أنه يضرّه، دون الرجوع إلى القضاء أو انتظار إصدار حكم قضائي (المادة 6)، وفرض عقوبات وغرامات مالية تصل إلى مليون ليرة ضد مقدمي الخدمات على الشبكة، الذين يمتنعون عن حذف هذا المحتوى، ويشترط عادة في القوانين أن يكون الضرر الذي لحق بالمجني عليه جسيماً، والحكم يكون عن طريق القضاء حصراً.
الدليل الرقمي
هو الذي يستخدم لإثبات أو نفي الجريمة، وهو عبارة عن البيانات الرقمية المخزنة في الأجهزة الحاسوبية، أو على المنظومة المعلوماتية أو المنقولة بواسطتها، ولكن هذا التعريف يعتبر البيانات المخزنة على الأجهزة الحاسوبية أو الهواتف النقالة أدلة إثبات ضد صاحبها، حتى لو لم يتم مشاركتها على الشبكة، وبالتالي يُجيز القانون تفتيش ومحاكمة الأفراد على ما يخزنوه على أجهزتهم الإلكترونية، لأن المُشرع اعتبر الشروع في الجريمة المعلوماتية بمثابة الجريمة التامة، حسب المادة 30، بعكس ما ينص عليه في قانون العقوبات حيث لا عقاب على الشروع في الجنح.
وتستطيع المحكمة الحكم بمصادرة الأجهزة والبرمجيات الحاسوبية، أو أية أدوات أخرى مستخدمة في ارتكاب الجرم، وذلك يُعد تعدياً على المواطنين وممتلكاتهم.
كما حدد القانون بأن النطاق العلوي السوري الذي ينتهي بـ sy.)) هو النطاق الاعتباري، الذي يطبق عليه القانون السوري، بحسب ما ينص عليه قانون العقوبات المادة 17.
مكافحة الجريمة المعلوماتية
الفصل الثالث من القانون، عدد الجرائم المعلوماتية من المادة 15 حتى المادة 23 وهي:
1_ الدخول غير المشروع إلى منظومة معلوماتية.
2_ شغل اسم موقع إلكتروني.
3_ إعاقة الوصول إلى الخدمة.
4_ اعتراض المعلومات.
5_ تصميم البرامج الخبيئة واستخدامها.
6_ إرسال البريد الواغل.
7_ الاحتيال عن طريق الشبكة.
8_ الاستعمال غير المشروع لبطاقات الدفع.
9_ انتهاك حرمة الحياة الخاصة.
الضابطة العدلية
أجاز القانون للضابطة العدلية القيام بعمليات التقصي الإلكتروني، بناءً على إذن من السلطة القضائية المختصة، وعدّ البرمجيات الحاسوبية من الأشياء المادية التي يجوز تفتيشها، كما أجاز تفتيش الأجهزة والبرمجيات الحاسوبية المتصلة بأجهزة المشتبه به، كما فرض على كل صاحب أو مدير أية منظومة معلوماتية، تُرتكب جريمة باستخدام منظومته، أن يتيح للضابطة للعدلية تفتيشها، وضبط البيانات والمعلومات والبرمجيات الحاسوبية، والحصول على نسخة منها، ويعاقب بالحبس من شهر إلى ستة أشهر وبغرامة تصل إلى 500 ألف ليرة سورية كل من يخالف أحكام هذه المادة.
كان من المفترض أن يحيط المُشرع هذه الأعمال لرقابة قضائية سابقة، لخطورة هذا الإجراء، وخصوصية المعلومات التي تحتويها، حيث يُمنع تفتيش هذه البيانات إلا بقرار قضائي مبرم صادر عن المحكمة المختصة وليس بإذنٍ من قضاة التحقيق فقط.
دمج قانون العقوبات
بقانون الجريمة المعلوماتية
نصت المادة 29 من القانون على عقوبة الأعمال الدعائية والتحريض على ارتكاب الجرائم، المنصوص عليها في القوانين الجزائية النافذة المرتكبة باستخدام الشبكة.
فماهي الأعمال الدعائية التي قصدها المشرع هنا؟
ولماذا تُجرم هذه الأفعال، وما علاقتها بالتحريض على ارتكاب الجرائم؟
هذه المادة قد تُستخدم لتحقيق غايات سياسية (لتكميم الأفواه، ومنع توجيه أي انتقاد للحكومة مثلاً) أكثر منها جنائية.
وتنكشف غاية واضعي القانون في المادة 30، حيث شدد المُشرع العقوبات وفق القواعد العامة للتشديد، المنصوص عليها في قانون العقوبات النافذ في حالات، منها: إذا كان موضوع الجريمة يمس الدولة أو السلامة العامة!
فلماذا لم يتم تحديد ماهي الجرائم التي تمس الدولة؟
هل كما وردت في قانون العقوبات السوري، والتي باتت غير دستورية!؟ فالاتفاقية العربية لمكافحة جرائم تقنية المعلومات، والتي وقعت عليها سورية، حددت تلك الجرائم بالجرائم المتعلقة بأمن الدولة الخارجي والإرهاب، والمرتكبة بواسطة تقنية المعلومات، والجرائم المتعلقة بالجريمة المنظمة، كالإتجار بالأشخاص أو تجارة الأسلحة أو الأعضاء البشرية.

المُشرع لم يعمد إلى صياغة نصوص واضحة تُجرم أفعال محددة، كما يفترض أن تكون النصوص الجزائية، ولا لغاية تجريم الأعمال غير المشروعة التي تحصل من الشبكة، بل عمد إلى وضع نصوص عامة تُجرم كل ما يحصل على الشبكة أو من خلالها، وأعطى صلاحيات واسعة للضابطة العدلية والجهات المختصة لتفتيش بيانات الشبكة بشكل مخالف للدستور، بهدف تقيد حرية التعبير وتقزيم قانون الإعلام.
كما أنه خوّل أي متضرر، بغض النظر عن درجة الضرر الذي لحق به، الحق في طلب سحب أو تعديل المحتوى من الشبكة، دون اللجوء إلى القضاء، حتى عبارة السلطة القضائية التي وردت في أغلب مواد القانون لا تعتبر ضمانة للمواطنين، بل يجب استبدالها بعبارة بحكم قضائي مبرم.