سياسات التعليم «التطفيشية»
نوار الدمشقي نوار الدمشقي

سياسات التعليم «التطفيشية»

صدمة كبيرة جديدة تلقاها طلاب التعليم المفتوح في جامعات القطر المختلفة، بالإضافة للراغبين بالتسجيل في هذا النظام التعليمي مع ذويهم، تمثلت بمضمون الكتاب الموجه من قبل وزير التعليم العالي إلى رؤساء الجامعات الحكومية، بما سمي: «المحددات الأساسية التي سيتم تضمينها في نظام التعليم المفتوح للمرحلة القادمة».

 

وقد أشار الكتاب إلى أن «المحددات» كان قد تم التوصل إليها في ورشة التعليم المفتوح الأخيرة التي عقدت في جامعة تشرين.
محددات للتيئيس
لقد نصت هذه المحددات، حسب صورة الكتاب المسربة عبر وسائل الإعلام، على ما يلي:
_ عدم قبول الثانويات جديدة (مرور عامين على صدروها أو أكثر).
_ عدم استفادة الطالب من تأجيل خدمة العلم_ عدم تسجيل الطالب في اختصاصين بآن واحد في التعليم المفتوح، أو التعليم المفتوح، وتعليم آخر.
_ لا يحق لطلاب التعليم المفتوح التسجيل في الدراسات العليا، يحق له التسجيل في دراسات التأهيل والتخصص.
_ لا يحق لخريج التعليم المفتوح ممارسة الوظائف الآتية (محامٍ_ قاضٍ_ مهندسٍ_ مدرس في وزارة التربية).
_ يحق لخريج التعليم المفتوح العمل في الوظيفة العامة فقط.
_ يتم قبول الطلاب حاملي شهادة الثانوية بكافة أنواعها في التعليم المفتوح حسب الاختصاص لكل ثانوية.
_ تشكيل لجان لإعادة النظر في البرامج والخطط الدرسية والمناهج، في ضوء التعديلات الجديدة في نظام التعليم المفتوح، على أن يتم تحديد طبيعة وطريقة تقدم المادة العلمية للطالب، في نظام التعليم المفتوح (كتاب ورقي_ كتاب الكتروني_ تعليم افتراضي_ عن طريق وسائل إعلام/ تلفزيون..).
_ تحديد مدة الإبقاء في الجامعة بـ 12 سنة (ثلاث سنوات لكل عام) مع زيادة رسوم الطالب في حال الرسوب.
وقد خُتم الكتاب بمنح مدة أسبوعين للعرض على مجلس التعليم المفتوح في الجامعات لموافاة الوزارة بالرأي.
رفض وانتقادات
المقترحات «المحددات» أعلاه، والتي «سيتم تضمينها في نظام التعليم المفتوح في المرحلة القادمة»، تبعتها موجة من الاعتراضات والانتقادات والرفض من قبل الطلاب، الذين تركزت مطالبهم على عدم الأخذ بها جملة وتفصيلاً، وذلك لانعكاساتها السلبية الكبيرة عليهم، الآنية والمستقبلية، وذلك لأسباب عديدة وكثيرة، أهمها: أنها تضر بمصلحة الطلاب وبحقهم، كما تمس بشكل مباشر مستقبلهم وطموحهم، بالإضافة لكونها تمثل تراجعاً كبيراً في مستوى نظام التعليم المفتوح، وعلى مستوى الأفق المرسوم لهذا النظام التعليمي وغايته، ارتباطاً مع أنظمة التعليم الأخرى المعمول بها، وارتباط ذلك كله بالمصلحة الوطنية.
التوجه الوزاري مؤكد
وزير التعليم العالي، وفي معرض رده على موجة الانتقادات الطلابية، على أثر تسرب مضمون التوجه الوزاري بما يخص نظام التعليم المفتوح، اكتفى بالقول: أنه لم يصدر أي قرار جديد يتعلق بطلاب التعليم المفتوح.
لعل الوزير كان دقيقاً بجوابه أعلاه، حيث لم تصدر أية قرارات بهذا الشأن حتى الآن!
في المقابل فإن ذلك الجواب لا ينفي مضمون التوجه أعلاه، وما يؤكد ذلك هو ما صرح به الوزير مؤخراً تحت قبة البرلمان بشأن نظام التعليم المفتوح، فقد أكد: «إن الوزارة تعمل على تطوير نظام التعليم المفتوح، حيث تمت دراسته من فريق عمل متخصص، في ورشة توصلت إلى ملخص تم إرساله إلى الجامعات، وقريباً ستصدر قرارات حول تصويب مسار التعليم المفتوح، وتطويره ليكون مستمراً لمن فاتتهم فرصة التعليم، وخاصة فيما يتعلق بمواضيع السن والقبول وفترة المكوث والأسعار والمقررات والبرامج المفتتحة التي نحتاج إليها في سوق العمل».
لمصلحة من؟
لن نخوض بتفسيرات ما تحدث به الوزير حول: «تطوير نظام التعليم المفتوح» و«تصويب مساره» و«الأسعار» و«فترة المكوث» و«سوق العمل» و..، كما لن نخوض بتفصيل «المحددات» أعلاه، فهي جميعاً من الوضوح بما يكفي للقول: أنها تضر بمصلحة الطلاب: وبحقهم وبمستقبلهم وطموحهم المشروع، وتمثل تراجعاً كبيراً على نظام التعليم المفتوح المعمول به، وعلى النظام التعليمي في المرحلة الجامعية عموماً، بالرغم من الملاحظات الكثيرة المسجلة أصلاً على أنظمة التعليم المعمول بها، وعلى السياسات التعليمية بشكل عام.
لكن من حق الطلاب، كما من حقنا جميعاً، التساؤل: من يقف خلف مثل هذه الاقتراحات والتوجهات «التطويرية» التي تزيد من بؤس السياسات التعليمية المتبعة، ولمصلحة من تُجير التراجعات المتتابعة والمتتالية على مستوى التعليم الحكومي الرسمي بكافة مراحل التعليم؟
مزيد من التجهيل والتهميش
ما من شك، أن الإجابة على هذا التساؤل، وغيره من التساؤلات المشروعة، أصبحت جلية وواضحة وضوح الشمس، فجملة السياسات التعليمية المتبعة في قطاع التعليم الحكومي، مع التعديلات «التطويرية المستحدثة» التي تنعكس سلباً عليه، لا تصب إلا باتجاه المزيد من خصخصة التعليم، وبخدمة ولمصلحة التعليم الخاص في مراحله المختلفة، وشريحة المستفيدين منه من أصحاب رؤوس الأموال والمستثمرين في هذا القطاع، على حساب مصلحة الطلاب وذويهم، وخاصة أصحاب الدخل المحدود وفقراء الحال والمعدمين، ولو كان ذلك بالضد من المصلحة الوطنية.
خاصة إذا ما أخذنا بعين الاعتبار أن هذا التطفيش من أنظمة التعليم الحكومية المأجورة المستحدثة (موازٍ- افتراضي- مفتوح-..)، وفي ظل الاستمرار بسياسات القبول الجامعي في نظام التعليم الرسمي «المجاني» التطفيشية هي الأخرى، تضع الطلاب أمام خيارين لا ثالث لهما:
إما اللجوء للتعليم الخاص مرتفع التكاليف، والذي لا يقدر عليه إلا أبناء طويلي الباع من أصحاب الثروة والفاسدين و..
أو العزوف عن استكمال التعلم في المرحلة الجامعية، والوقوف على قارعة التبطل والجهل والتهميش.
وكأن التعليم أصبح مِنّة، لا يستفيد منها إلا ذوي الملاءة المالية، القادرين على تعليم أبنائهم في مؤسسات القطاع التعليمي الخاص بمراحله كافة، وليس حقاً لجميع المواطنين، وواجباً حكومياً يفترض تأمين هذا الحق بأيسر السبل!
إن سياسات التطفيش والتيئيس من العلم والتعلم، وضحاياها المتمثلين بالشريحة المسحوقة من المواطنين وأبنائهم، بتضافرها مع السياسات الليبرالية المتبعة والمطبقة رسمياً على كافة مناحي الحياة، والتي تتجلى نهاية بسد الأفق أمام الشرائح الواسعة من الشعب، لن تكون نتيجتها إلا دفع هذه الشرائح نحو المزيد من الفقر والعوز والتهميش، مع المزيد من الجهل والتجهيل القسري رسمياً، مع عدم إغفال تأثير ذلك كله على جملة الظواهر الاقتصادية الاجتماعية السلبية وتعميقها كآفات، اعتباراً من البطالة والفساد، مروراً بالسرقة والتعفيش والتسول، وليس انتهاءً بالمخدرات والدعارة وتجارة السلاح والأعضاء وغيرها، والتي يقف خلفها وتستفيد منها شبكات عاملة، محلية وإقليمية ودولية.
فهل يعقل أنه وفي ظل الحرب الطاحنة والأزمة العميقة، ونتائجهما السلبية الكثيرة، وخاصة على مستوى الشباب والجيل المقبل على الحياة رغم بؤسها، وبدلاً من استقطابهم وتقديم التسهيلات لهم، وخاصة على مستوى التحصيل العلمي وفرص العمل وغيرها، أن تُقدم «اقتراحات» من شأنها دفن مستقبل هذه الشريحة، وطردها من الحياة لتعيش على هامشها، جوعاً وفقراً وجهلاً؟!
الليبرالية بالضد من الوطنية

ربما يمكننا القول وبدون مواربة، بأن السياسات الليبرالية المعتمدة، والمعممة، والمعمقة، على مستوى التخطيط والتنفيذ، تثبت يوماً بعد آخر بأنها بالضد من مصلحة المواطنين عامة، وأصحاب الدخل المحدود وفقراء الحال خصوصاً، كما بالضد من المصلحة الوطنية جملة وتفصيلاً.