ملاحظات أولية على قانون الحراج الجديد /1/
مما لاشك فيه، أن للحراج في سورية دوراً هاماً على المستوى البيئي والاقتصادي والاجتماعي، بل والعلمي والثقافي كذلك الأمر، ولعل هذه الأهمية ذات البعد الوطني، أصبحت ترتدي أهمية أكثر وأعمق جراء ما تتعرض له الثروة الحراجية الوطنية من تعدٍ متواصل أدى لتراجعها، وتقلص رقعتها تباعاً، مع ما يتبع ذلك من انعكاسات سلبية بيئية واقتصادية واجتماعية، سواء جراء الحرائق، بغض النظر عن تأويلات أسبابها ومسببيها، أو بنتيجة عمليات التحطيب أو التفحيم، أو جراء الرعي الجائر فيها، وغيرها من الأسباب الكثيرة الأخرى، والتي زادت بشكلٍ لافتٍ خلال سني الحرب والأزمة.
ولعل أبرز ما ظهر من ملاحظات على قانون الحراج 25 لعام 2007 عبر تطبيقه طيلة الفترة الماضية، هو: قصور العقوبات الواردة بمتنه، حيث لم تكن حائلاً دون التعدي على الحراج والغابات، طبعاً بغض النظر عن آليات تطبيق القانون نفسه، وهو على ذلك ليس شاذاً عن غيره من القوانين المطبقة، وخاصةً على مستوى المحسوبيات والوساطة والنفوذ والفساد، وغيرها من الآليات التي تُفقد أي نص تشريعي من محتواه وغاياته الموضوعة لأجله، أو تحرفه عنها، بالإضافة إلى غياب دور التجمعات الأهلية الساكنة في مناطق الحراج، أو بمحيطها وجوارها، ارتباطاً بمصالحهم الحياتية المرتبطة بهذه الحراج من الناحية العملية.
قانون جديد
لقد أقر مجلس الشعب، الأسبوع الماضي، مشروع القانون الخاص بالحراج، وأصبح قانوناً. وبموجبه تم إلغاء قانون الحراج رقم 25 لعام 2007.
وفي الأسباب الموجبة، المعدة من قبل وزارة الزراعة والإصلاح الزراعي، المرفقة بمشروع القانون ورد: «صدر المرسوم التشريعي رقم 25 لعام 2007 الخاص بالحراج والأراضي الحراجية، وبعد تطبيقه خلال المدة التي تلت صدوره، تبين وجود بعض الثغرات، وقضايا، وأمور أخرى، تستدعي تعديل بعض أحكامه، وإضافة أحكام جديدة إلى ما تضمنه من نصوصٍ وأحكامٍ بهدف الإحاطة بالمستجدات جميعها، بما يساعد ويؤدي إلى حماية الحراج واستثماره بشكل أفضل».
«المكتوب مبين من عنوانه»
هل سيحقق القانون الجديد الغايات المرجوة منه على مستوى وقف تدهور الثروة الحراجية الوطنية، وصولاً لتطويرها وتنميتها المستدامة توفيقاً بين دورها الاقتصادي والاجتماعي والبيئي والعلمي والثقافي، وتتويجاً باستثمار واستغلال مواردنا الحراجية الطبيعية المتجددة بشكل عقلاني مخطط، آخذاً بعين الاعتبار أهمية البعد الأهلي الاجتماعي في هذا القطاع الحيوي؟
على ما يبدو «المكتوب مبين من عنوانه» فاعتباراً من الفصل الأول بمادته الأولى، التي ترد بمتنها التعاريف، يتبين أن جزءاً هاماً من الغايات والأهداف الوطنية المرجوة من القانون قد غابت، لتحل محلها مصالح وغايات أخرى، بعضها واضح أنه يصبّ في مصلحة القطاع الخاص والمستثمرين.
الحلقة الأولى من الملاحظات
نظرة سريعة على تعديلات القانون 25 والتي تم إقرارها بموجب القانون الجديد، قيد الصدور، نتوقف عند النقاط التالية، بما يخص التعاريف بهذه الحلقة، على أن نستكمل بقية الملاحظات في حلقات لاحقة.
تعاريف مواربة
أولاً: غياب الكثير من التعاريف التي كانت واردة في القانون 25 ولم ترد في القانون المقر، مثل: النظام البيئي الحراجي_ الحياة الفطرية_ الشجرة_ الشجيرة_ الجنبات، الجنيبات_ البادرات_ الفسيلة_ الاستجمام_ غابات الاستجمام.
وبالطبع غياب هذه التعاريف يعني غياب كل ما هو متعلق بها في متن القانون الجديد، سواء على مستوى الحماية، أو التطوير والاستثمار والعقوبات، وغيرها من القضايا الأخرى.
ثانياً: تغيير أسماء بعض التعاريف، مثل: الحديقة الوطنية، بدلاً من المتنزه الطبيعي.
وطبعاً من التسمية ربما يتبين الفارق بين التعريفين، والغايات الاجتماعية والاقتصادية من كلّ منهما.
ثالثاً: إيراد تعاريف جديدة لم تكن موجودة في القانون السابق مثل: النوع الحرجي_ الأخشاب الحراجية_ الأحطاب الحراجية_ اللجنة الأهلية الحراجية.
وما يرتبط بهذه التعاريف من غايات وأهداف وردت بمتن القانون الجديد، سنأتي على بعضها في مادة لاحقة.
تراجع واضح الغايات والمصالح
رابعاً: ولعله الأهم: التعديل بمتن بعض التعاريف، توسعاً أو اختصاراً، مثل:
تعريف حراج الدولة، فقد كان كالتالي: «هي الحراج والأراضي الحراجية العائدة ملكيتها للدولة، سواء أكان عليها حق انتفاع أم لم يكن».
وقد أصبح بموجب القانون الجديد: «الأراضي الحراجية المملوكة للدولة وأراضي أملاك الدولة ذات التغطية الحراجية، التي تزيد عن 10% والأراضي غير المحددة والمحررة، التي تزيد تغطيتها الحراجية عن 20%».
لعل التباين واضح بين التعريفين من حيث الإطلاق بالتعريف الأول، والاستثناء الوارد بالتعريف الجديد، والذي ترك تحديد التغطية الحراجية به لبعض اللجان، وما يتبع ذلك من إجراءات وتصرفات من الممكن أن تكون سلبية بحق حراج الدولة والأراضي الحراجية، وفقاً للقانون الجديد.
تعريف الحراج الخاصة، لقد كان كالتالي: «هي الحراج العائدة ملكيتها للأشخاص الطبيعيين، أو الاعتباريين من أشخاص القانون الخاص».
وقد أصبح بموجب القانون الجديد: «الأراضي الحراجية التي تزيد تغطيتها الحراجية عن 40% والعائدة ملكيتها إلى أشخاص طبيعيين، أو اعتباريين».
كذلك هو حال التباين في متن التعريفين بين القديم والجديد، من حيث دور اللجان في تحديد نسبة التغطية الحراجية، وما يتبع ذلك من حق بالتصرف بهذه الأراضي، وما فيها من حراج، وفقاً لهذه النسبة.
تعريف حرم الحراج، لقد كان كالتالي: «هو منطقة محيطة بالحراج بعمق 200 متر، تبدأ من كل حد من حدود المنطقة الحراجية، ويسمح بوضع مشيدات غير ثابتة، ضمن هذه المنطقة، بما يكفل تقديم الخدمات الضرورية لرواد المنطقة الحراجية، ويتم إقامة المشاريع الاستثمارية السياحية حصراً بعد حدود هذه المنطقة».
وقد أصبح بموجب القانون الجديد كالتالي: «منطقة محيطة بالحراج وخالية من المنشآت بعمق 25 مترٍ تبدأ من كل حد من حدود الأراضي الحراجية».
أما الفارق بين هذين التعريفين فهو كارثة بحد ذاته، اعتباراً من الحدود التي أصبحت 25 مترٍ بعد أن كانت 200 مترٍ، وصولاً لغايات وضع هذه الحدود أصلاً، حيث تم تبويبها في التعريف الأول، بينما غابت عن التعريف الثاني.
تعريف السياحة البيئية الطبيعية، لقد كان كالتالي: «هي سياحة التمتع الملتزم بالطبيعة ومكوناتها، وهي التي تتم دون الإخلال بالنظم البيئية، ودون أي تأثير سلبي على مكونات التنوع الحيوي، بقصد استكشافها والاستمتاع بمناظرها ونباتاتها وحيواناتها البرية، وتجليات حضاراتها ماضياً وحاضراً بما يكفل الحفاظ على هذه المناطق الطبيعية، ويعود بالنفع على المجتمع المحلي. مع مراعاة عناصر توظيفها سياحياً، من خلال مخططات إدارة الموقع المتضمنة الخدمات وتحديد المسارات للزوار واللوحات الإرشادية، ومناطق الإقامة ضمن الموقع والتي توضع بالاتفاق بين الوزارة ووزارة السياحة».
وقد أصبح بموجب القانون الجديد كالتالي: «سياحة التمتع الملتزم بالطبيعة ومكوناتها، وهي التي تتم دون الإخلال بالنظم البيئية».
أيضاً، هناك وضوح في الغاية والأهداف، مع مهام متضمنة، وفقاً للتعريف الأول، بينما تم اختصار هذه الأهداف والغايات، مع تغييب للمهام وفقاً للتعريف الجديد.
الجلي من الملاحظات الأولية أعلاه، عن التعاريف الواردة في الفصل الأول فقط، أن هناك تراجعاً واضحاً بين القانونين، مع الكثير من الثغرات المفتوحة على المستوى التنفيذي، وخاصة فيما يتعلق بحدود الحراج، والحراج الخاصة وحراج الدولة، مع ما يرتبط بذلك من مصالح كبيرة آتية، وفقاً للقانون الجديد بحيثياته على حساب الحراج والغابات، والثروة الوطنية الحراجية عموماً.
وللحديث تفصيلات في حلقات آتية...