دير الزور.. ما بعدَ هزيمة الإرهاب.!؟

دير الزور.. ما بعدَ هزيمة الإرهاب.!؟

على الرغم من مرور ثلاثة أشهرٍ ونيّفٍ على دحرِ داعش وفكّ الحصار عن حيي الجورة والقصور في 5/9/2017 ومن ثمّ دحرها من أحياء المدينة الأخرى والريف الشرقي(الشامية) وصولاً إلى المياذين والبوكمال، إلاّ أنه لم تجر فكفكة كثير من الأمور التي تتعلق بمعاناة المواطنين والتي تتوفر إمكانات حلها، بل زادت عليها معاناة المواطنين الذي هربوا إليها من الأحياء الأخرى والريف المحرر، والذي أصبح خاوياً تعيث فيه أشباح التعفيش على شكل موجات الجراد التي التهمت الأخضر واليابس.!


مراسل قاسيون

تحسنٌ جزئي!
ثلاثة أشهرٍ مرت على فك الحصار عن دير الزور، ودحر داعش في المدينة والريف الشرقي، ولعل أهم ما تمّ إنجازه بعد ذلك هو: توفر المواد الغذائية والخبز تقريباً، وبأسعارٍ معقولة مقاربة لأسعارها في بقية المحافظات، لكن الجوع المترسخ، منذ سنوات الحصار الثلاث، وما سبقها أيضاً من سياسات ليبرالية وفساد، وتبعات الحرب المستمرة منذ ست سنواتٍ ونيّف، أنهكت السوريين كلهم، الذين تشردوا في المحافظات الأخرى وتركيا وأوروبا، يلاحقهم الموت من كلّ حدبٍ وصوب، وغالبية المواطنين فقدوا مصادر دخلهم ومعيشتهم، وخاصةً أبناء الريف الذين كانوا يعتمدون على الزراعة بشقيها النباتي والحيواني، ناهيك أن الكثيرين منهم فقدوا منازلهم وممتلكاتهم، وحتى أبناءهم صحةً وتعليماً وحياةً، ومن بقي له دخلٍ من المواطنين التهمه غلاء الأسعار وجشع التجار، ويمكن اعتبار محافظة دير الزور محافظة منكوبة.. لكن رغم ذلك كله، بقيت جهود الحكومة تراوح مكانها، بل وتوفرت الفرصة أكثر لتوسع النهب والفساد، ووحشية تجار الأزمة، وأضف إليها استمرار عدم توفر الخدمات الضرورية للبقاء على قيد الحياة!

فسادٌ ودوائر خدمات بالاسم!
دوائر الدولة الخدمية ما زالت تحافظ على وجودها الاسمي فقط.. والفوضى والفساد يعصف بها، وليس ذلك غريباً، فإذا كان مدراء الدوائر غالبيتهم يقيمون في المحافظات الأخرى، ويطلّون عليها بالمناسبات وحسب رغبات بعض المسؤولين الفاسدين مثلهم وحماتهم، وحقوق الوطن والمواطنين ضائعة، فعلى سبيل المثال: مديرية التربية مضى أكثر من سنتين ونصف على العدد من المعلمين المتقاعدين لم تنجز معاملاتهم، أمّا الحصول على وثائق ثبوتية من السجل المدني أو إنجاز المعاملات في الدوائر المختلفة، أو الحصول على الرواتب المستحقة خلال الأزمة فهي ضائعة بين المديريات والمحافظة والوزارات، وتكلف مبالغ كبيرة في رشوةٍ علنية، وأضف إلى ذلك أيضاً ضعف الخدمات الصحية وندرة الأطباء، وقلة

الأدوية و.. و..!؟
بلا كهرباء والماء بالقطارة.!
ما زالت أحياء دير الزور التي كانت تحت سيطرة الدولة بلا كهرباء، وسبق أن دخل لها تجار الأمبيرات أثناء فترة الحصار، ووصل سعر الأمبير الواحد 4 آلاف ليرة في الأسبوع وهو غير كافٍ سوى لتشغيل تلفزيون ومصباحين لمدة خمس ساعات يومياً، أي 16 ألف ليرة شهرياً، أي: نصف راتب الموظف والعامل تقريباً، وبعد فك الحصار انتشرت الأمبيرات وانخفضت أسعارها وأصبح سعر الأمبير الواحد 1500 ليرة.. أي: ستة آلاف ليرة على الأقل شهرياً. والسؤال: كيف استطاع تجار الأمبيرات إدخال المولدات الكبيرة والحصول على الوقود، ولم تستطع الحكومة إرسال مولدات، وتوزيعها في الأحياء مؤقتاً وتوفير الكهرباء للمواطنين، وليس مجاناً بل بأسعار معقولة، تخفف من أعباء المواطنين ومعاناتهم، ألاّ يستحقون ذلك، وهم الذين بقوا متمسكين بالوطن رغم الويلات التي عانوها كلها.؟
أما الماء فالحصول عليه معجزة خلال الحصار، لكن للآن لم تحل مسألة توفيره، فهو يُضخُ مرةً كل يومين، ولمدة ثلاث ساعات، فالكميات ليست كافية، ودرجة الضخ منخفضة فلا يصل إلاّ إلى البيوت المنخفضة..

السلاح المنفلت!
لا يمر يوم إلاّ تحدث مشكلة يكون الحُكمُ فيها للسلاح المنفلت من بعض العناصر المنضوية تحت أسماء مختلفة، ولا مرجعية قانونية لها على ما يبدو، ولا ضابط لها وتقوم بممارساتها علناً، في التعدي على المواطنين، ناهيك عن ممارسات ما تسمى (الأجهزة المختصة) وهيمنتها على دوائر الدولة ومفاصلها، ويطالب الأهالي بأن يكون السلاح للجيش فقط أو تحت إشرافه، ومنع التعدي على المواطنين وكرامتهم، وأن تكون مرجعية الدوائر الحكومية هي القانون فقط.!

موجات التعفيش
إذا كان التنظيم الفاشي داعش، قد استولى سابقاً على بيوت المواطنين المهجرين بما فيها واعتبرها (غنائم حرب) فإنّ موجات التعفيش ما زالت مستمرة وعلناً مع كل دحر للتنظيم الفاشي وفي كل قرية، وسوق التعفيش العلني تجد فيه كل شيء.

مخيمات ومعسكرات اعتقال
افتتحت أماكن لجوء في حيي الجورة والقصور للمواطنين الهاربين من جور وبطش داعش ومن الحرب وويلاتها، في بعض المدارس، لكنها غير مخدمة بما يناسب السكن ولو مؤقتاً، ناهيك عن الازدحام الكبيرة فيها، والتعامل معهم، بأنهم متهمين حتى تثبت براءتهم!؟
أمّا في مخيمات اللجوء المقامة في أطراف المحافظة، وفي محافظة الحسكة، وتحت سيطرة قوات (قسد) فهي كأنها معسكرات اعتقال جماعي، ورهائن، لا يستطيعون الخروج منها إلاّ بدفع إتاوات بمئات الآلاف لكل فرد، ناهيك أن قوات قسد تتحكم بالمواد الغذائية والإعانات من المنظمات الدولية، وتمنع خروجهم لأنها تقبض عليهم مبالغ كبيرة!؟

مشاكل اجتماعية
المشاكل الاجتماعية التي نجمت عن هيمنة داعش التكفيري السابقة، من سبيٍ وزواجٍ بالإكراه، وزواج القاصرات، ويُتم بأحد الوالدين أو كليهما، وطلاق، وترمل النساء، أو تركهن، حيث وصل الأمر، أن يترك ما يسمى (المجاهد) زوجته لزميله وهو يهرب.. وأضف إلى ذلك خطف الأطفال وتحويلهم إلى ما يسمى (مجاهدين) وتحويلهم إلى وقودٍ، هذه المشاكل الاجتماعية كلها، أصبحت ظاهرة واضحة وبأعدادٍ كبيرة، وبات بحثها وتخفيف معاناة الأهالي وخاصةً النساء والأطفال، ضرورة ملحة اليوم قبل الغد!

بطولاتٍ مجهولة
قساوة المعاناة والظروف لم تمنع الكثيرين، من محاولة التغلب عليها، بجهودٍ فردية، أو بمجموعات صغيرة من أبناء دير الزور، فالعديد منهم من فتح منزله وحوله إلى مدرسة، أو احتضن الأطفال الأيتام رغم فقره وحاجته وجوعه، أو قدم مساعداتٍ طبية وعلاجية، أو ساهم بما يستطيع من وعي بإعادة التأهيل الاجتماعي، وهؤلاء يستحقون التقدير الفعلي، وليس المنافقين!

وعود ومطالب بالعودة والموت
رغم هذه المعاناة كلها لأهالي محافظة دير الزور، ريفاً ومدينة، بقي التعامل معها بالوعود فقط.. والتغني الإعلامي على مبدأ (صورني) وإذا كانت دير الزور انتصرت، فبفضل تضحيات أبناء الوطن من جيشٍ وأهالي، وبدعم القوى الصديقة، واليوم يحاول الكثيرون استثمار ذلك، وآخرون يحاولون تشويهه سواء بالتعفيش، أو قوى الفساد والنهب، عبر إصدار القرارات الجائرة بحقّ أبناء دير الزور، فعودة أبناء المحافظة إليها هو مطلب لهم بعيداً عن أشكال الإلزام والإجبار، لكن يجب أن تقترن تلك العودة  بتأمين الحد الأدنى لمقومات الحياة، والأمن في مثل هذه الظروف، وخلال هذا الأسبوع اضطر البعض للعودة إلى المدينة، وذهبوا لتفقد بيوت أسرهم، ومثلاً: في حي العمال، ذهب شابان ما أن دخل الأول حتى انفجر به لغم قطع رجليه، ودخل الثاني لإنقاذه، فانفجر به لغمٍ ثانٍ وأيضاً تقطعت رجلاه، وهناك عشرات الحالات المشابهة ومنها ما أدت بهم إلى الموت، ناهيك عن إعادة استنساخ شخصيات ومجالس عشائرية لتكون أدواتاً بيد المهيمنين والفاسدين، ولا تحظى بأي تأييد من المواطنين، وهذه ستكون لاحقاً معرقلة لتماسك المجتمع أو للحل السياسي الحقيقي، وأن يكون الشعب هو صاحب القرار الأول والأخير!