دفن النعامة لرأسها لا يمنع عنها الخطر
بموجب تقرير إحصائي صادر عن المكتب المركزي للإحصاء، وبالتعاون مع برنامج الغذاء العالمي، ظهر بأن نسبة كبيرة من الأسر تعاني من انعدام أمنها الغذائي، أو تعيش في منطقة «الهشاشة» الغذائية.
التقرير الذي تداولته بعض وسائل الإعلام مؤخراً، ورد فيه: أن نتائج المسح الجديد لتقييم حالة الأمن الغذائي للأسر في إحدى عشرة محافظة سورية تظهر تطوراً إيجابياً محدوداً، حيث بلغت نسبة الأسر غير الآمنة غذائياً في العام الحالي نحو 31,2 %، مسجلة بذلك انخفاضاً بسيطاً مقارنة بنتائج مسح عام 2015، وفيه بلغت نسبة غير الآمنين غذائياً من الأسر السورية نحو 33 %.
ليس للنشر!
يشار إلى أن هيئة تخطيط الدولة، مع المكتب المركزي للإحصاء، كانت قد تعاقدت لإجراء مسح تقييم الأمن الغذائي الأسري وذلك بالتعاون مع برنامج الأغذية العالمي، وذلك في شهر تموز 2017، بعد أن أنهى المكتب المركزي للإحصاء الإجراءات التحضيرية للمسح، وإجراء الدورة التدريبية للباحثين المعنيين بالقيام بأعمال المسح.
وقد أُعلن: أن الغاية من المسح هي: وضع مؤشرات حول وضع الأمن الغذائي للأسرة السورية، وهو تكملة للمسح الذي تم تنفيذه في عام 2015، إضافة إلى تمكين منظمة برنامج الأغذية العالمي من تقدير المساعدات الغذائية التي تحتاجها الأسر السورية المهجرة والنازحة، وقيمة هذه المساعدات للعام القادم.
وفي حينه تمت الإشارة إلى: أن نتائج المسح لن يتم نشرها، وإنما سوف يتم العمل عليها بين الجهات المعنية، مع الإشارة إلى أن المسح ليس معنياً بتكاليف المعيشة للأسرة السورية بالدرجة الأولى وما تحتاجه بالأرقام، فالدرجة الأولى للمسح هي: الأمن الغذائي لناحية كميته ونوعيته وهل هو كافٍ للأسرة السورية.
لا تحسن على الواقع الاقتصادي!
التقرير، حسب ما رشح عنه عبر وسائل الإعلام، أظهر أن نسبة الأسر المعرضة لفقدان أمنها الغذائي تراجعت من نحو 51 % عام 2015 إلى نحو 45,5 % وفق نتائج المسح الجديد، أما في ما يتعلق بالأسر الآمنة غذائياً، فقد زادت نسبتها من نحو 16% عام 2015 لتصل إلى 23,3% في العام الحالي.
وبحسب ما نقل عن المدير التنفيذي لمسح عام 2015 عبر وسائل الإعلام، فإن العامل الرئيس في هذه المتغيرات يعود إلى تحسن الجانب الأمني لبعض المناطق، نافياً أن يكون ذلك نتيجة تحسن الجانب الاقتصادي، فالسلع أصبحت متاحة اليوم أكثر من عام 2015، لكن الأسر التي تملك القدرة المادية للحصول على هذه السلع لا تزال نسبتها قليلة، بسبب بقاء الأسعار مرتفعة للغالبية العظمى من السكان، بالإضافة إلى أن توقيت إجراء المسح لعب دوراً في هذه النتائج، فالمسح الحالي نُفذ في الصيف، حيث موسم الخُضَر والفواكه، بينما المسح السابق نفذ في فصل الربيع، وكان يفضل إجراء المسح بالتوقيت نفسه، لكن طبيعة الظروف التي تواجهها البلاد حالت دون ذلك.
أرقام مخيفة!
لعل ما يعنينا من أمر التقرير، وما رشح عنه عبر وسائل الإعلام، على الرغم من الإعلان المسبق عن عدم نشر نتائجه رسمياً، هو: الوقوف على الأرقام المسربة منه، والتي تشير إلى أن 45,5 % هي نسبة الأسر المعرضة لفقدان أمنها الغذائي، ونسبة الأسر غير الآمنة غذائياً هي 33%، وهي نسب كبيرة من غير الجائز أن يتم توظيفها على مستوى تقدير المساعدات الغذائية التي تحتاجها الأسر السورية المهجرة والنازحة، وقيمة هذه المساعدات للعام القادم فقط، حسب ما أعلن عن الغايات من المسح الإحصائي رسمياً.
ولعل هذه الأرقام، بالإضافة إلى أنها تشير عملياً إلى النتائج الكارثية للحرب والأزمة، فهي تعكس كذلك الأمر، النتائج الكارثية لمجمل السياسات الحكومية المتبعة، بنتائجها السلبية على الأسر السورية وحالة الفقر والعوز التي حلت بها وتعيشها.
كما لعل هذه وتلك يكون فيهما بعض الرد على المدعين كلهم بعدم وجود فقر وجوع، وبأن السياسات المتبعة سببٌ رئيسٌ في ذلك.
ولن يشفع ربما عدم نشر التقرير رسمياً، أو التصريح المسبق حوله بأنه ليس معنياً بتكاليف المعيشة للأسرة السورية، ففي الأحوال جميعها إن الواقع الاقتصادي المعيشي هو قول الفصل بذلك.
فهل من الممكن أن يتم توظيف هذه الأرقام المخيفة من أجل تعديل السياسات المتبعة، أم سيتم تغييبها وعدم الاعتراف بها رسمياً، كما النعامة التي تدفن رأسها لكنها لا تمنع عنها الأخطار؟!.